14.8 C
Byblos
Wednesday, December 17, 2025
بلوق الصفحة 12

البابا يجتمع بالرؤساء الروحيين المسلمين والخطيب يرفع إليه رسالة حول رؤية الطائفة الشيعية

عقد اجتماع مساء أمس في مقر السفارة البابوية في حريصا ضم البابا لاوون الرابع عشر والرؤساء الروحيين المسلمين ، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الإعلى الشيخ علي الخطيب، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، رئيس المجلس الإسلامي العلوي في لبنان الشيخ علي قدور، السفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا ومسؤولين في الكرسي الرسولي.

وعرض المجتمعون الواقع اللبناني والظروف الصعبة التي يمر بها لبنان ، لا سيما في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، وتمنوا على قداسة البابا المساعدة في المحافل الدولية من أجل المساهمة في تحقيق الاستقرار ، فأكد الحبر الأعظم أنه سيواصل جهوده السياسية والدبلوماسية في هذا المجال.

ورفع العلامة الخطيب إلى البابا خلال اللقاء رسالة مطولة يشرح فيها رؤية الطائفة الإسلامية الشيعية للبنان والعلاقة مع المكونات اللبنانية، والظروف التي عاشتها وتعيشها هذه الطائفة ولبنان بشكل عام في ظل العدوان الإسرائيلي، كما قدم للبابا نسخة من كتاب “نهج البلاغة” الذي يتضمن خطب ورسائل الإمام علي بن أبي طالب.

نص الرسالة

وهذا نص الرسالة التي سلمها العلامة الخطيب لقداسة البابا: “نحييكم بتحية الإسلام الذي يؤمن بالسيد المسيح عليه السلام، رسولا ونبيا ومبشرا وهاديا. تحية طيبة لجنابكم من لبنان الجريح الذي لطالما اعتبره الكرسي الرسولي في الفاتيكان، رسالة وليس بلدا على هامش التاريخ . إننا نرفع اليكم خالص التمنيات بالتوفيق والأمل، بأن تحمل زيارتكم لبلدنا كل فرص النجاح ،وأن تُثمر في تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا البلد المثخن بالجراح، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على أهله وأرضه. ولا يسعنا في هذه المناسبة إلا أن نضع بين أيديكم رؤيتنا الصادقة لموقف طائفتنا ،طائفة المسلمين الشيعة ،لمستقبل هذا البلد ،إستنادا إلى ثقافتنا الروحية الثابتة على مدى الأجيال”.

وتابع: “إننا نستوحي هذه الثقافة من مواقف الرسول الاكرم محمد بن عبد الله ،ومن خليفة المسلمين أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب ،الذي يسعدنا أن نقدم لكم كتاب “نهج البلاغة” الذي يشكل أهم وأقدس كتاب لدينا بعد القرآن الكريم، والذي نستمد منه هذه المواقف وهذه الثقافة ، وهو يرسم طبيعة العلاقة بين البشر بعبارته الإنسانية البالغة المعنى :”الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”. ونحن نعتبر أنفسنا أخوة في الايمان ونظراء في الخلق ،لا نفرّق بين أبناء البشر إلا بالتقوى ،كما يقول رسولنا الكريم محمد بن عبد الله، وأن الاختلاف من طبيعة البشر، وأن العلاقة بين المختلفين محكومة بالحوار والتعارف والتعاون على البِر والتقوى، وأن التعايش السلمي بين اتباع الديانات المختلفة هو القاعدة والأساس، وأن ما يحصل من حروب مفتعلة باسم الأديان لا يعبر عن حقيقة الدين الذي يقوم اولا على اساس حرمة الانسان وكرامته، كما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى ( ولقد كرمّنا بني آدم )، وثانيا على احترام حرية الاعتقاد ( لكم دينكم ولي دين ) ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. على ان المسيحية حظيت في القرآن الكريم بنظرة خاصة واحترام لافت. فالعلاقة معها تقوم على اساس الحوار وب”التي هي أحسن”.

واضاف: “يقول الله في القرآن الكريم ( ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ). وقال ايضا ( ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن ). والقرآن الكريم هو المرجع في تقييم نظرة الاسلام الى العلاقة بين اهل الاديان وبين الشعوب والأمم، لا الممارسات التاريخية والعلاقة بين الطرفين، وخصوصا بين المسلمين والمسيحيين، والتي لا تعبرعن حقيقة الاسلام ولا المسيحية، حيث استُغل اسم الدين لاغراض سلطوية غير دينية حُمِّل الدين زورا وزرها.  ان فهمنا لوظيفة الدين كطائفة اسلامية شيعية هي التقريب بين المواطنين وشدّ اللحمة الوطنية بينهم، لا وضع حواجز التعصب والكراهية، وأن ما يجب ان ترتكز حياتهم عليه هو القيم التي تشترك وتدعو اليها كافة الاديان التي من اهمها كرامة الانسان، وتستدعي المساواة بينهم في الحقوق والواجبات، وأن التمايز بينهم ليس على اساس الانتماء الديني والعقائدي، وانما على اساس التقوى. وقد جاء النص القرآني ليقرر هذه الأسس ( يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ). وجاء بيان المقصود من التقوى في قول رسول الاسلام ( الخلق كلهم عيال الله واحبهم اليه انفعهم لعياله )، حيث وُجِّه الخطاب، سواء في النص القراني او في خطاب النبي محمد، الى الناس كافة، وليس الى المسلمين فقط. ولم يجعل المعيار في التفاضل هو الانتماء العقائدي والديني، وانما كيفية التعامل فقال النبي محمد ( الدين المعاملة )، ولم يحدث ان حمّل الاسلام النصرانية كدين وزر المسيحيين، كما تعاطى مع المسلمين تماما، فأدان اخطاءهم ورفض التمييز والتعاطي على اساس عصبي، واعتبر ان لكل اخياره واشراره. فقد سأله بعض المسلمين قائلا ( هل من العصبية يا رسول الله ان يحب المرأ قومه ؟ قال: لا ولكن العصبية ان ترى شرار قومك خير من خيار قوم آخرين).

بناء على ما تقدم فإن الطائفة الإسلامية الشيعية ،لم يكن لها على مر التاريخ مشروع سياسي مستقل أو منفصل عن الأمم التي عاشت في كنفها ،بل لطالما نادت على هدي كبارها بالوحدة والتكامل ،وهي في لبنان لم تخرج عن سياق هذا النهج ، وقد دفعت الأثمان الغالية نتيجة تمسكها بوحدة الوطن وانسجام أبنائه بجميع مكوناتهم الدينية والعرقية، ودافعت عن هذه الوحدة بكل ما تملك من إمكانات مادية وبشرية، فحاربت الأفكار التقسيمية ووقفت في وجه المحاولات والرياح الخارجية المسمومة التي هدفت إلى النيل من هذه الوحدة. فعندما أسس الإمام المغيب السيد موسى الصدر المجلس الإسلامي الشيعي الإعلى في أواخر الستينات ،والذي نحمل اليوم شرف قيادته ،كانت شعاراته الوحدوية ناموسا ونبراسا لجميع أبناء الوطن ،وهو الذي دخل الكنائس وأقام فيها الصلوات تعبيرا عن هذا المنهج،ورفع الصوت عاليا في بداية الحرب الأهلية اللبنانية رافضا المَسّ بالأخوة المسيحيين او عزلهم ، وتحمّل الكثير الكثير من المواقف المناهضة لرؤيته ،حتى كان تغييبه في ليبيا عام 1978 ثمنا باهظا لشخصه وللوطن اللبناني. وعلى نهج الإمام الصدر سار خلفاؤه من بعده على رأس هذه الطائفة ،وكذلك المكونات السياسية التي أنشأها،وهي ما زالت تسير على نهجه ،سواء على صعيد الوحدة الوطنية أم على مستوى الدفاع عن الوطن في وجه القوى الخارجية التي تستهدف لبنان ،وفي طليعتها الكيان الإسرائيلي. لقد وعى الإمام الصدر باكرا خطر المشروع الإسرائيلي المحدق بلبنان والمنطقة والعالم ،القائم على الارهاب والاحتلال والتوسع والهيمنة على حساب شعوب المنطقة ودولها، من دون اعتبار للقيم والقوانين والأخلاق ، فكافح بكل السبل السلمية لدفع هذا الخطر ، لكن إسرائيل أمعنت في غيّها تجاه لبنان فاجتاحت أرضه مرة واثنتين وثلاث وأكثر ،وكان على اللبنانيين، وفي طليعتهم أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، نتيجة وجودهم على الحدود مع فلسطين ، مواجهة هذا الاحتلال واستخدام حقهم المشروع في المقاومة ، تماما كما فعلت كل شعوب العالم في مواجهة الإحتلالات، خاصة في غياب دولة قوية تدافع عن حدود الوطن وعن كرامة واستقرار وامن مواطنيه. لقد تحمّلت هذه الطائفة الأعباء الكبرى عن الوطن ،سواء على الحدود وفي مختلف المناطق ،وكانت الحرب الأخيرة والإعتداءات المستمرة عليها، أكبر مثال على ذلك ،على الرغم من اتفاق وقف النار الذي رعته دول كبرى ،فلم تفِ إسرائيل بالتزاماتها ولا وفت الدول الراعية بتعهداتها. إن العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان من شأنه أن يعيد تفجير الأوضاع على نطاق واسع ،لذلك نأمل من حضرتكم إستخدام سلطتكم لدى الدول الفاعلة لكبح جماح هذا العدوان ،والإلتزام باتفاق وقف النار حرصا على السلم في لبنان والمنطقة”.

وقال: “إننا طلاب سلم ،لكنه السلم القائم على العدالة والحق وحفظ الكرامة الإنسانية . فعندما ساندت طائفتنا الشعب الفلسطيني في غزة ،إنما استمدت موقفها أولا من هذه الرؤية ومن إيمانها بأن هذا الشعب له الحق بالحياة الكريمة، خارج سياط الاحتلال وقمعه الذي شهدتم في الفترة الأخيرة فصولا مأساوية من حرب الإبادة التي تعرض لها هذا الشعب ، وهو ما دفعكم شخصيا لاتخاذ مواقف مناهضة لهذه الممارسات،هذه المواقف التي نوجه لكم أسمى آيات التحية والتقدير حيالها. وثانيا من موقف مسؤوليها الصريح حول التوسع والاحتلال للبنان والدول المحيطة لانشاء دولة “اسرائيل الكبرى” والتهديدات المستمرة للبنان وشعبه، وهي تمارس اليوم وبشكل مستمر عدوانا مباشرا على لبنان وتغتال المواطنين العزّل وتدمّر بيوتهم ومزارعهم ومصانعهم، وتمنع اعادة الحياة في مناطقهم، وتمنعهم من ترميم بيوتهم المتضررة بفعل العدوان الإسرائيلي، فضلا عن اعادة اعمار القرى التي دُمرت بشكل كامل، على الرغم من ان الامين العام للامم المتحدة وقوات اليونفيل في جنوب لبنان والحكومة اللبنانية، اقروا بأن لبنان التزم موجبات الاتفاق الأممي الذي وقعت عليه اسرائيل ، وبضمانة أمريكية- فرنسية، فتنصلت الولايات المتحدة اخيرا لها، واعطت الضوء الاخضر لإسرائيل لمواصلة اعتداءاتها، اضافة الى فرض حصار مالي مطبق على لبنان لمنع اعادة الاعمار وربطه بنزع السلاح وتدميره، ومنع الجيش اللبناني من الاحتفاظ به واستخدامه للدفاع عن لبنان، واعطاء الحق لإسرائيل في ممارسة العدوان على لبنان لأي ذريعة يدعيها تبيح له ذلك.  نحن كطائفة اكثر تمسكا بالدولة التي تقوم بواجبها في الدفاع عن سيادتها وكرامة شعبها، ولسنا مغرمين بحمل السلاح وتقديم ابنائنا شهداء كبديل عن الدولة، وانما تم دفعنا الى هذا، ولم يكن ذلك خيارا لنا حين تُركنا نواجه العدوان وحدنا، وتخلت الدولة عن مسؤولياتها. واذا كانت الدولة قاصرة عن الدفاع عن ترابها وشعبها، فلماذا يراد سلب اهلنا حق الدفاع عن أنفسهم وهو حق انساني فطري وشرعي وقانوني، اقرته الشرائع الدينية والمدنية.  لذلك فإننا نتقدم منكم بهذه الرسالة آملين من جنابكم وبما لكم من تأثير، الضغط من اجل تطبيق الاتفاق ووقف الخروقات له، والتي زادت عن خمسة الاف، وتمكين المواطنين في المناطق المتضررة من العودة لممارسة حياتهم الطبيعية واعادة اعمار قراهم وبيوتهم المهدمة ومزاولة حياتهم الطبيعية فيها .  إننا نترقب نتائج زيارتكم إلى لبنان بروح الأمل،ونراهن على حكمتكم لفتح ثغرة في جدار الأزمة اللبنانية . كما نتطلع الى تفعيل الحوار بين المسلمين والمسيحين والتعاون الجاد، خصوصا في القضايا التي تمسّ القيم الإنسانية واثرها السلبي على الحياة البشرية وبقائها، من تفكيك الأسرة والمجتمعات الإنسانية، بما يمسّ كرامة الانسان والقيم الدينية المشتركة”.

وختم: “نتطلع بأمل الى استمرار التواصل بين القيادات الدينية، تبعا لما بدأه رأس الكنيسة الكاثوليكية السابق مع المرجعية الدينية في النجف الاشرف المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، وفي الامارات العربية المتحدة مع شيخ الازهر سماحة الشيخ احمد الطيب، وذلك لتحقيق العدالة وانصاف الشعبين اللبناني والفلسطيني في استعادة حقوقهما المغتصبة،ولتحقيق الأمن والإستقرار الدوليين”.

بالصور-حشود غفيرة تشارك في القداس الختامي.. البابا: اقول للبنان انهض وكن علامة للسلام

اختتم قداسة البابا لاوون الرابع عشر زيارته لبنان والتي امتدّت لثلاثة أيام، بترؤسه القداس إلالهي الذي أقيم صباح اليوم على الواجهة البحرية لبيروت، وسط حضور الآلاف من المؤمنين الذين توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية ومن دول الجوار، لرفع الصلاة من أجل السلام والاستقرار.

 

شارك في القداس رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الأولى نعمت عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري وعقيلته رندا، رئيس الحكومة نواف سلام وعقيلته سحر بعاصيري، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وبطاركة ومطارنة، الرئيس ميشال سليمان وعقيلته وفاء، السفير البابوي باولو بورجيا، الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وعقيلته نورا، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل، النائبة ستريدا جعجع ووزراء ونواب حاليون وسابقون وشخصيات رسمية وروحية ووفد من الكرسي الرسولي وفاعليات دينية وسياسية واجتماعية.

 

وفي ختام القداس، دعا البابا “مسيحيي لبنان إلى أن يضعوا مستقبلهم أمام الله”.وأضاف: “ولكم يا مسيحيي المشرق، أبناء هذه الأرض بكل ما للكلمة من معنى، تحلوا بالشجاعة، فالكنيسة كلها تنظر اليكم بمحبة وإعجاب”.

وطلب من “المجتمع الدولي دعم لبنان، اسمعوا صوت الشعب الذي يطالب بالسلام”.

وأكد أن “الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة لرفض عقلية الانتقام والعنف، وللتغلب على الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية، ولفتح فصول جديدة باسم المصالحة والسلام”.

وفي عظته قال البابا لاوون: “نحن مدعوون إلى عدم اليأس وأقول للبنان انهض وكن علامة للسلام في المشرق. اضاف: أصلّي كي تبقى هذه الأرض مضاءة بالإيمان وأصلّي أن يثبت لبنان في نعمة المسيح. وتابع: إنّ هذا الجمال يظلّل بالفقر والمعاناة وبالجراح وبالظرف السياسي الهش وغير المستقر وبالأزمة الاقتصادية وبالعنف والنزاعات”.

 

العظة: وجاء في عظة البابا لاوون: “أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

في ختام هذه الأيام الكثيفة التي عشناها معًا بفرح، نحتفل ونشكر الله على صلاحه وعطاياه الكثيرة، وعلى حضوره بيننا، وعلى كلمته التي أفاضها وافرة علينا، وعلى كل ما أعطانا إياه لنكون معًا.

يسوع أيضا، كما أصغينا قبل قليل في الإنجيل، شكر الآب، وتوجه إليه وصلى قائلًا: “أحمدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَاءِ والأرض” (لوقا 10: 21).

في الواقع، الحمد والشكر لا يَجِدُ دائمًا مكانًا في نفوسنا. إننا نرزَح أحيانًا تحت ثقل تعب الحياة، ونهتم ونقلق بسبب المشاكل التي تحيط بنا، ونقف مشلولين بسبب عجزنا وعدم مقدرتنا أمام الشر، إذ تثقلنا أوضاع كثيرة صعبة، فتميل إلى الاستسلام والتشكي وننسى اندهاش القلب والشكر الواجب الله.

هذه الدعوة لتنمية مشاعر الحمد وعرفان الجميل أوجهها إليكم أنتم أيها الشعب اللبناني العزيز. أنتم الذين منحكم الله جمالا نادرًا زين به أرضكم، وفي الوقت نفسه أنتم شهود وضحايا لقوى الشر، بأشكاله المتعددة، الذي يُشوّه هذا الجمال والبهاء.

من هذا المكان الرحب المطل على البحر، أستطيع أنا أيضا أن أشاهد جمال لبنان الذي تغنى به الكتاب المقدس. فقد غرس الله فيه أرزه الشامخ، وغذاه وأرواه (راجع مزمور 104: 16)، وجعل ثياب عروس نشيد الأناشيد تعبق بعطر هذه الأرض (راجع نشيد الأناشيد 4: 11). وفي أورشليم، المدينة المقدسة المتلألئة بنور مجيء المسيح، أعلن، قال: “مَجدُ لبنانَ يَأْتِي إِلَيكِ السَّرْوُ والسَّنْدِيانُ والبَقْسُ جَمِيعًا، لِزِينَةِ مكان قُدسي، وأُمَجِدُ مَوطِئَ قَدَمَيَّ” (أشعيا 60: 13).

وفي الوقت نفسه، هذا الجمال يغشاه فقر وآلام، وجراح أثرت في تاريخكم، فقد كنتُ قبل قليل أصلي في موقع الانفجار في المرفأ، وتغشاه أيضاً مشاكل كثيرة تعانون منها، وسياق سياسي مهلهل وغير مستقر، غالبًا، وأزمة اقتصادية خانقة ترزحون تحت عبئها، وعنف وصراعات أعادت إحياء مخاوف قديمة.

في مثل هذا المشهد، يتحول الشكر بسهولة إلى خيبة أمل، ولا يَجِدُ نشيد الحمد مكانًا في قلب كئيب، ويجف ينبوع الرجاء بسبب الشك والارتباك.

لكن كلمة الله تدعونا إلى أن نرى الأنوار الصغيرة المضيئة في وسط ليل حالك، لكي نفتح أنفسنا على الشكر، ونتشجع على الالتزام معا من أجل هذه الأرض.

أصغينا واستمعنا يسوع يشكر الآب لا لأعمال خارقة، بل لأنه كشف حكمته للصغار والمتواضعين الذين لا يجذبون الانتباه، ويبدو أنهم لا أهمية أو لا قيمة لهم، ولا صوت لهم. في الواقع، ملكوت الله الذي جاء يسوع يبشرنا به له هذه الميزة التي ذكرها النبي أشعيا: إنه غصن، غصن صغير ينبت من جذع راجع أشعيا (11: 1)، ورجاء صغير يعد بولادة جديدة حين يبدو أن كل شيء قد مات. هكذا يُبَشِّرُ بمجيء المسيح. جاءَ مِثلَ غُصْنٍ صغير لا يقدر أن يتعرف عليه إلا الصغار، الذين يعرفون، بلا ادعاءات كبيرة، أن يُدركوا الدقائق الخفية وآثار الله في تاريخ يبدو أنه ضائع.

هذه إشارة لنا أيضًا، لنرى بعيوننا الغُصن الصغير الذي يطل وينمو وسط تاريخ أليم. والأنوار الصغيرة المضيئة في الليل، والبراعم الصغيرة التي تنبت، والبذار الصغيرة التي تزرع في بستان هذا الوقت التاريخي القاحل، والتي يمكننا أن نراها نحن أيضا، هنا، اليوم. أفكر في إيمانكم البسيط الأصيل، المتجذر في عائلاتكم والذي تغذيه مدارسكم المسيحية. وأفكر في العمل الدؤوب في الرعايا والرهبانيات والحركات الرسولية لتلبية حاجات الناس وأسئلتهم. وأفكر في الكهنة والرهبان الكثيرين الذين يبذلون أنفسهم في رسالتهم وسط الصعاب المتعددة. وأفكر في العلمانيين الذين يلتزمون في خدمة المحبة ونشر الإنجيل في المجتمع من أجل هذه الأنوار التي تسعى جاهدة لإضاءة ظلمة الليل، ومن أجل هذه البراعم الصغيرة وغير المرئية التي تفتح باب الرجاء للمستقبل، علينا أن نقول اليوم مثل يسوع: “نحمدُكَ يا أَبَتِ!”. ونشكرُكَ لأنك معنا ولا تدعنا نضعفُ فنقع.

وفي الوقت نفسه، ينبغي لهذا الشكر ألا يبقى عزاء داخليا ووهما. بل يجب أن يقودنا إلى تحوّل في القلب، وإلى توبة وارتداد في الحياة. يجب أن ندرك أن الله أراد أن تكون حياتنا في ضوء الإيمان، ووعد الرجاء، وفرح المحبة. ولهذا، نحن جميعًا مدعوون إلى أن نُنَمِّي هذه البراعم، وألا نصاب بالإحباط، وألا نرضخ لمنطق العنف ولا لعبادة صنم المال، وألا تستسلم أمام الشر الذي ينتشر.

يجب أن يقوم كل واحد بدوره، وعلينا جميعًا أن نوجد جهودنا كي تستعيد هذه الأرض بهاءها. وليس أمامنا إلا طريق واحد لتحقيق ذلك أن ننزع السلاح من قلوبنا، وتسقط دروع انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماءاتنا الدينية على اللقاءات المتبادلة، ونُوقِظ في داخلنا حُلْمَ لبنان الموحد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويمكن للجميع فيه أن يعترف بعضُهم ببعض إخوة وأخوات، وحيث يتحقَّقُ أخيرًا ما وصفه النبي أشعيا: “يسكُنُ الذِّئبُ مع الحمل، ويَريضُ النَّمِرُ مع الجدي، ويعلف العجل والشبل معا” (أشعيا 11: 6).

هذا هو الحلم الموكول إليكم، وهذا ما يضعه إله السلام بين أيديكم يا لبنان، قم وانهض كن بيتًا للعدل والأخوة! كُن نبوءة سلام لكل المشرق
أيها الإخوة والأخوات، أود أنا أيضا أن أقول وأريد كلام يسوع: “أحمدُكَ يا أَبَتِ”. أرفع شكري الله لأنّي قَضَيتُ هذه الأيام معكم وأنا أحمل في قلبي الآمكم وآمالكم. أصلي من أجلكم، حتى يُنير الإيمان بيسوع المسيح، شمس العدل والبرّ، أرض المشرق هذه، وحتى تحافظ بقوته تعالى، على الرجاء الذي لا غروب له”.

الراعي: وفي ختام القداس، توجه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي بالقول: “ترافقكم سيدة لبنان وشكرا لما انت عليه ولحبك الأبوي”.

أضاف: “نشكر لكم اهتمامكم بشعبنا ومحبتكم تجاهنا وتشجيعكم للشبان”. وبعد انتهاء الراعي من كلمته، قدم له البابا، هدية عبارة عن كأس القربان.

البابا: ورد البابا بكلمة، قال فيها: “دعونا ننظر إلى الرب بامل ورجاء وشحاعة ودعوة الجميع للسير معا والتعايش. نحن مواطنٍو السلام وابطال السلام وشهود سلام”وكانت كلمة للبطريرك الراعي.

ودعا  “مسيحيي لبنان إلى أن يضعوا مستقبلهم أمام الله”. وأكد أن “الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة من أجل تخطي الانقسامات ولفتح صفحات جديدة باسم السلام”.

وطلب من “المجتمع الدولي دعم لبنان”، وقال: “اسمعوا صوت الشعب الذي يطالب بالسلام”.

اضاف: “ان الشرق الأوسط يحتاج مقاربات جديدة بهدف رفض افكار الانتقام والرفض من أجل تخطي الانقسامات السياسية والدينية ومن أجل فتح صفحة جديدة من المصالحة والسلام.

وقال: “مر زمن طويل على  طريق mutual العدائية والتدمير ورعب الحرب .نحن بحاجة الى تغيير المسار. علينا ان نعلم قلبنا طريق السلام. من هنا اصلي من أجل الشرق الأوسط وكل الأشخاص الين عانوا من الحرب، واصلي من أجل حلول سليمة للمشاكل السياسية. ولا انسى الضحايا وعلائلاتهم. واصلي خاصة لأجل لبنان واسال  المجتمع الدولي ألا يوفر اي فرصة من أجل من تعزيز فرص الحوار والمصالحة. اسمعوا لصوت شعبكم الذي يطلب السلام.

العبسي: وكان  بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم  الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، القى قبل ترؤس البابا القداس الإلهي ، كلمة ترحيبيّة ، قال فيها :

“قداسة البابا لاوون، في هذا اليوم وفي هذه اللحظات أتت إليكم والتفّت من حولكم هذه الجموع الغفيرة التي تشاهدونها قادمةً من لبنان كلّه وحتّى من خارج لبنان لتراكم وتسمعكم وتصلّي معكم وتستقي منكم العزيمة والرجاء والفرح والراحة.

هذه الجموع التي تشاهدونها قد أتت من هذا البلد، لبنان، الذي يُعرف ببلد السلام، لتردّ عليكم السلام الذي أطلقْتَموه للعالم أجمع عقب انتخابكم بإعلانكم: “السلام لجميعكم”. أتت هذه الجموع لتقول لكم “ولروحك أيضًا”، و”أهلًا وسهلًا” بقداستك في لبنان، مرحّبة، مفترشة من قلوبها أغصانًا للزينة وصارخة نظير تلك الجماهير في يوم الشعانين “مباركٌ الآتي باسم الربّ”.

أضاف :”قداسة البابا، هذه الجموع التي تحيّيكم وتصلّي معكم الآن وهنا هم أبناء الكنائس الشرقيّة العزيزة على قلبكم والتي خصّصتُم لها أوّلى لقاءاتكم وعبّرتم لها فيها عن بالغ تقديركم لها وعن إرادة وواجب المحافظة عليها ودعمها، لأنّها كنز للكنيسة الجامعة، ولأنّ بقاءها بالتالي وحضورها في لبنان والشرق لا غنى عنهما. من روما إلى القسطنطينيّة إلى أنطاكية، مشوارٌ إيمانيّ أردتَم به، يا قداسة البابا، أن تقرنوا القول بالفعل وأن تعبّروا في الوقت عينه عن رغبتنا كلّنا في أن نكون واحدًا ليؤمن العالم”.

وتابع 😐 “السيّد المسيح قال لبطرس: “أنت الصخرة عليها أبني كنيستي”، وها هو خليفته في رومة، المترئّس في المحبّة، قد أتى “يثبّت إخوته” في لبنان والشرق الحائر التائه. دعوتنا اليوم لنصلّي معكم وتُسمعونا كلمات الثبات في الإيمان والرجاء والمحبّة.

إنّ حضوركم في هذا التوقيت الحرج يحمل في جوهره رسالة رجاء بليغة، تعبّر عن قرب الكرسيّ الرسوليّ الروماني من اللبنانيّين بشكل خاصّ ومن شعوب المنطقة بشكل عامّ. رجاؤنا أن تواصلوا، يا صاحب القداسة، جهودكم الدؤوبة مقرونة بالصلاة على خطى أسلافكم لكي يمنحنا إله السلامِ السلامَ حتّى يبقى أولادنا صامدين في أرضهم وفي رسالتهم، مناراتٍ للعيش المشترك وشهودًا للعالم أنّ الإنسان واحد وأنّ الصداقة والجيرة والمواطنة أقوى وأمتن من التفرقة”.

وختم العبسي :”قدومكم إلى لبنان، يا قداسة البابا، ليس للسير في خطى أسلافكم وحسب إنّما يحمل رسالة سامية للذين التقيتم بهم خصوصًا المكرّسين والشباب. وبزيارتكم لمقام القدّيس شربل، وللمرضى في دير الصليب، وللمهجّرين والمجروحين بالقرب من هنا أريتمونا الأولويّة: الصلاة ورعاية الناس المتعبين. سوف نترك هذا المكان ونخرج من هذه الليترجيّا الإلهيّة التي تصنع وحدتنا وفي قلبنا فرح وسلام لن ينزعهما منّا أحد أو شيء لأنّهما وعد السيّد.
أيّها الأب الأقدس، إذ نشكر الله الذي أعطانا رئيسَ كهنة مثلَكم، نلتمس بركتكم الرسوليّة، باسمنا كلّنا نحن الذين من حولكم، وباسم غيرنا الكثيرين الذين يرونكم ويسمعونكم من حيث هم، نصافحكم قائلين: “سلام المسيح”، “المسيح فيما بيننا”، “أهلًا وسهلًا”.

الحضور: وشارك في القداس رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الأولى نعمت عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري وعقيلته رندا، رئيس الحكومة نواف سلام وعقيلته سحر بعاصيري، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الرئيس ميشال سليمان وعقيلته وفاء، السفير البابوي باولو بورجيا، الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وعقيلته نورا، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل، النائبة ستريدا جعجع ووزراء ونواب حاليون وسابقون وشخصيات رسمية وروحية ووفد من الكرسي الرسولي وفاعليات دينية وسياسية واجتماعية والآلاف من المؤمنين. وكان لافتًا غياب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وذلك لأسباب أمنية كما اشارت النائب ستريدا جعجع ردًا على سؤال.

ومنذ الصباح الباكر، تقاطر المواطنون من مختلف المناطق اللبنانية إلى الواجهة البحرية في بيروت للمشاركة في القداس الإلهي الذي سيُقام عند العاشرة والنصف من صباح اليوم، حيث من المقرّر أن يلقي قداسة البابا لاوون الرابع عشر عظة موجهة إلى الشعب اللبناني في واحدة من أبرز محطات زيارته التاريخية  للبنان.

يذكر ان البابا يختتم الزيارة بمراسم الوداع الرسمي في مطار “رفيق الحريري الدولي”، حيث يلقي كلمة قبل مغادرته إلى روما.

كلمة الراعي: وفي ما يلي نص الكلمة التي ألقاها البطريرك الراعي باللغة الفرنسية.

 

Très Saint-Père,
Au terme de cette célébration eucharistique, marquée par l’intensité de la foi et la chaleur des liens
qui nous unissent, je suis profondément honoré, au nom de l’Assemblée des Patriarches et Évêques
Catholiques au Liban, ainsi que de toutes les familles religieuses de notre pays, dignement représentées ici, de vous exprimer notre vive reconnaissance et l’allégresse spirituelle que suscite
votre présence paternelle parmi nous. Votre venue illumine nos esprits et ravive notre determination à œuvrer pour la paix, la fraternité et le dialogue entre tous les fils et filles de notre terre bien-aimée.
Très Saint-Père, votre parole, nourrie par l’Esprit Saint, a résonné dans nos âmes comme un appel
à demeurer des témoins fidèles du Christ, porteurs de lumière, de justice, d’espérance et de paix.
Vous nous rappelez avec force que notre mission, en ces temps difficiles, est de bâtir des ponts,
d’encourager l’unité et de servir le bien commun de notre nation et de la région.
Nous vous remercions pour votre sollicitude envers nos fidèles, vos encouragements envers les jeunes et les familles, et pour votre présence consolante auprès de ceux qui portent le poids de la
souffrance et de l’épreuve. Votre message de fraternité et de communion entre chrétiens et musulmans, et plus largement entre toutes les composantes de notre société libanaise, est un phare
qui éclaire notre sortie des épreuves et guide nos cœurs vers la vie retrouvée.
Très Saint-Père, nous vous renouvelons l’expression de notre indéfectible attachement filial, ainsi
que l’assurance de notre prière fervente pour votre ministère apostolique et pour l’Église universelle. Que le Seigneur soutienne vos pas de Messager de paix, et que la Sainte Vierge, Notre-
Dame du Liban, vous entoure de sa tendresse maternelle et veille sur vous dans votre haute mission
de Pontife de la fraternité universelle et de la paix perpétuelle.
Merci, Très Saint-Père, pour ce que vous êtes, pour votre bénédiction, votre amour et votre
proximité paternelle.

بالصور-رسول السلام في موقع انفجار 4 آب.. وصلاة صامتة مع أهالي الضحايا

توقف البابا لاوون الرابع عشر في مرفأ بيروت في محطته الثانية من يومه الثالث، حيث كان ينتظره أهالي ضحايا ٤ آب.

وكان رئيس الحكومة نواف سلام في استقبال البابا، واعتبر في مداخلة متلفزة ان “زيارة البابا إلى المرفأ تمثل وقفة للعدالة لأهالي الضحايا وهي عدالة لبيروت ولكل لبنان”.

وتلا البابا لاوون الصلاة الصامتة أمام اللوحة التذكارية التي تحمل أسماء 245 شهيدًا وضحية في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، واضعًا إكليلًا من الزهر ومضيئًا شمعة لراحة أنفس الضحايا. ثم قام بمصافحة أهالي الضحايا.

كما شاركت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد التي فقدت والدتها في انفجار المرفأ، وقالت السيد لـmtv: “اليوم يوم مهم جداً لي ولجميع أهالي ضحايا انفجار المرفأ لأنّ البابا جاء ليقف معنا ويُقدّس هذا المكان والجميع بانتظار العدالة”.

بالصور-البابا يزور دير الصليب: ما نشهده في هذا المكان عبرة للبشرية جمعاء

استهل البابا لاوون الرابع عشر يومه الثالث والاخير من زيارته للبنان، من مستشفى دير الصليب الذي وصل اليه عند الساعة التاسعة الا ثلثا، حيث تجمع الآلاف من مؤسسات الجمعية التربوية والكشفية والصحية في باحة الدير لاستقبال البابا، واخذ بركته رافعين الأعلام البابوية واللبنانية على وقع الهتافات والاناشيد المرحبة به.

وكانت في استقبال البابا عند مدخل الدير الرئيسة العامة لجمعية راهبات الصليب الام ماري مخلوف والراهبات، لينتقل بعدها على وقع نشيد خصص للمناسبة أنشدته “جوقة ذخائر ابونا يعقوب” المؤلفة من مرضى المستشفى بعنوان “أملنا”، من كلمات الشاعر نزار فرنسيس، ألحان وتوزيع المايسترو إيلي العليا، ميكساج وماسترينغ إيلي فقيه.

وشارك في اللقاء اللبنانية الاولى السيدة نعمت عون وعدد من المرضى والراهبات والطاقم الطبي والاداري في المستشفى.

مخلوف: وألقت الرئيسة العامة لجمعية راهبات الصليب الأم ماري مخلوف، كلمة رحبت فيها بالبابا لاوون الرابع عشروقالت: “أهلا وسهلا بكم، في مستشفى الصليب للأمراض العقلية، والنفسية، المستشفى الذي لا يختار مرضاه، بل يحتضن بحب، من لم يخترهم أحد. هنا، أشخاص منسيون، تؤلمهم وحدتهم. هم وجوه لا تطل عبر وسائل الإعلام، ولا فوق المنابر. وها أنتم، بزيارتكم، تؤكدون لإخوة يسوع الصغار، أفقر الفقراء، وأكثرهم بؤسا، أنهم محبوبون من الله، وأن لهم مكانة عزيزة في قلبه، وفي قلبكم”.

أضافت: “لقد رفعتم للعالم شعارا إنجيليا: “طوبى لفاعلي السلام. “ونحن، اليوم، نقول لكم إن السلام يولد حين تمسك يد الكنيسة بيد إنسان لا يعرف، حتى، كيف ينطق اسمه. فنحن نشكر لكم زيارتكم مستشفانا الذي يشهد للعالم بأن هؤلاء المنسيين ليسوا عبئا على المجتمع، بل هم كنز الكنيسة”.

تابعت: “نشكركم، لأن زيارتكم أثبتت أن العناية الإلهية التي اتكل عليها مؤسسنا الطوباوي أبونا يعقوب، لا تنفك تلازمنا، وتمدنا بالقوة، والإيمان، فرسالتنا معجزة يومية، بشهادة من عايشها، فكيف لمؤسسة فقيرة، لا تملك شيئا، أن تبقى صامدة، برغم أهوال الانفجار، والجوع، والوباء، وانهيار مؤسسات الدولة؟ كيف نستمر، بلا دعم، ومع ذلك نشرع الأبواب أوسع، كلما أغلقت أبواب العالم، في وجه قارعيها؟ العلم لا يملك تفسيرا، ولا اقتصاد الأرض، ولا منطق البشر. وحدها السماء تعرف الجواب. إنها أعجوبة أبونا يعقوب الكبرى. فنحن نعيش من “فلس الأرملة”، من غير أن يعوزنا شيء. وها هو الله يحول ما يرسله إلينا، من خلال المحسنين، إلى فيض من الحب، كما ضاعف المسيح الأرغفة الخمسة، والسمكتين، فتتكرر المعجزة، ويشبع الجياع”.

وتوجهت الى البابا لاوون بالقول: “نصلي معكم، كي تأتي الساعة التي يفرح فيها لبنان، والمؤمنون في العالم، وبنات أبونا يعقوب، بعرس إعلانه قديسا على مذابح الكنيسة، ليكون نموذجا مشرقا في محبة الفقراء، وشفيعا لهم، ووجها أصيلا للعيش المشترك، هو الذي استقبل المتألمين، وأنشأ لأجلهم المؤسسات، فكان، بحق، دولة في رجل، وأيقونة حية لإنسانية الإنسان، حينما قال: “طائفتي لبنان والمتألمون”.

وختمت: “شكرا، يا صاحب القداسة، لأنكم أب للمنسيين، والمتروكين، والمهمشين. كونوا واثقين بأننا، ومرضانا، وتلامذتنا، ومن نعمل معهم، نحملكم في صلاتنا، ونضرع، معكم، إلى مريم، أمنا، قائلين بكلمات قداستكم: علمينا أن نقف معك، عند الصلبان التي لا تحصى، حيث لا يزال ابنك مصلوبا”.

البابا لاوون: ثم ألقى البابا لاوون الرابع عشر كلمة قال فيها: “شكرا على حفاوة استقبالكم، يسعدني ان التقي بكم، كانت هذه رغبتي لان يسوع يسكن هنا فيكم انتم المرضى، وفيكم انتم الذين تعتنون بهم، الراهبات والاطباء وجميع العاملين في مجال الرعاية الصحية والموظفين”.

أضاف: “اود اولا ان احييكم تحية مودة واؤكد لكم انكم في قلبي وصلاتي، واشكركم على النشيد الجميل الذي انشدتموه، شكرا للجوقة وللمؤلفين، انها رسالة امل. هذا المستشفى اسسه الطوباوي ابونا يعقوب، رسول المحبة الذي لم يكل ولم يتعب، ونتذكر قداسة حياته التي تجلت بشكل خاص لمحبته للفقراء والمتألمين وتواصل راهبات الصليب الفرنسيسكينيات اللواتي اسسن عمله ويقمن بخدمة ثمينة. شكرا لكنّ ايتها الاخوات العزيزات على الرسالة التي تحملنها بفرح وتفان”.

تابع: “أود ايضا ان احيي واشكر شكرا جزيلا طاقم المستشفى، ان حضوركم المهني وعنايتكم بالمرضى هي علامة ملموسة على محبة المسيح وحنانه، انتم مثل السامري الرحيم الذي توقف عند الجريح واهتم به، يعينه ويشفيه، احيانا يمكن أن ينتابكم شعور بالتعب والاحباط، خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي تعملون فيها، اشجعكم على ألا تفقدوا فرح هذه الرسالة وبالرغم من بعض الصعاب أدعوكم إلى أن تضعوا دائما أمام أعينكم الخير الذي يمكنكم تحقيقه،  انه عمل كبير في عيني الله”.

وأكد أن “ما نشهده في هذا المكان هو عبرة للجميع ولارضكم، لا بل وللبشرية جمعاء، لا يمكن ان ننسى الضعفاء ولا يمكننا أن نتصور مجتمعا يركض بأقصى سرعة وهو متشبث بأوهام الرفاهية الزائدة، متجاهلا حالات كثيرة من الفقر والهشاشة”.

وقال: “نحن المسيحيين كنيسة الرب يسوع مدعوون بصورة خاصة إلى الاهتمام بالفقراء، الانجيل نفسه يطلب منا ذلك، ولا ننسى أن صرخة الفقراء التي نسمع صداها ايضا في الكتاب المقدس تخاطبنا، على وجه الفقراء المتألم نرى مطبوعة آلام الابرياء، ومن صم آلام المسيح نفسه”.

وختم: “وانتم أيها الأخوة والأخوات الاعزاء الذين امتحنكم الله بالمرض، أود فقط انكم في قلب الله ابينا وهو يحملكم بين يديه ويرافقكم بمحبتك ويغمركم بحنانه من خلال ايدي وابتسامات الذين يهتمون بكم، لكل واحد منكم يقول الرب يسوع اليوم انا احبك اريد لك كل الخير انت ابني لا تنسوا ذلك ابدا. شكرا لكم جميعا. الله معكم”.

بعد الكلمة اقام البابا صلاة قصيرة ، بعدها تسلم من الام مخلوف ايقونة مار يعقوب وهدايا تذكارية اخرى، وغادر بعدها مستشفى دير الصليب متوجها الى جناح السيدة حيث  التقى  الأطفال في مبنى “سان دومينيك” بعيدا من الاعلام، ومن هناك توجه الى المرفأ. على وقع النشيد الخاص بالمناسبة .

ومنذ ساعات الصباح الاولى بدأ توافد المؤمنين من مختلف القرى والبلدات المتنية إلى الاوتوستراد الساحلي وصولا الى ساحة جل الديب ومنها صعودا الى بقنايا في انتظار مرور موكب البابا لاوون الرابع لأخذ البركة وهو في طريقه إلى مستشفى دير الصليب للامراض النفسية والعقلية في محطته الاولى من اليوم الثالث والأخير لزيارته الى لبنان، وسط تدابير امنية وقطع الطرق التي سيسلكها الموكب.

وعلى طول الطريق ارتفعت الاعلام اللبنانية والبابوية واللافتات المرحبة بـ”بابا السلام”.

وكان رئيس بلدية جل الديب – بقنايا جورج زرد ابو جودة أعلن إطلاق اسم “جادة لاوون الرابع عشر” على الشارع الممتد من ساحة جل الديب إلى ساحة سان جورج، تخليداً لزيارة البابا إلى المنطقة.

نشيد”أملنا”

أما نشيد “أملنا” الخاص بزيارة البابا لاوون الرابع عشر الى دير الصليب فهو من كلمات الشاعر نزار فرنسيس وألحان وتوزيع المايسترو ايلي العليا وميكساج وماسترينغ ايلي فقيه.

حَلِّت عِنّا البركة كلّا
وتنرحّب فيك تجمّعنا
رغم المرض بيبقى الله
عايش فينا وحاضر معنا

إيدك عَلّي.. عطينا النعمة
بدنا نصلّي.. ونمحي العتمة
يا بابا.. في عنّا كلمة
وْأمَلنا إنّك تسمعنا..

يا جايي تبارك جَمعتنا
وبصلاتك حب كبير
بوجودك وصلت فرحتنا
للسما المنحبّا كتير

هيكي عَلَّمنا ووَصّانا
بونا يعقوب الرَبّانا
شمعة بالعتمة ضَوّانا
حتى العتمة نور تصير..

أكبر عجيبة بالكون
إنّو بقينا رغم حروب
وإنّو نحنا هلق هون
بْعون الخالق والمصلوب

وبونا يعقوب الوَحَّدنا
تاليوم نقلّك شو بدنا
يا بابا صلّي وساعدنا
يتقدّس بونا يعقوب

 

خاص-منشور للزميل عبدو متى يثير الجدل حول حضور سليم صفير لقاء الشبيبة في بكركي!

أثار الزميل الإعلامي عبدو متى موجة تفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما طرح، عبر صفحته على فايسبوك، سؤالاً عن مشاركة رئيس جمعية المصارف سليم صفير في لقاء الشبيبة في بكركي.

وكتب متى: سؤال بتمنى حدا يجاوبني عليه بصراحة: سليم صفير ليه كان موجود بلقاء الشبيبة ببكركي ؟الله يطوّل بعمرو بس المنظّمين مش عارفين عمرو؟

ويُنتظر صدور توضيحات رسمية من المعنيين حول طبيعة الدعوات التي وجهت للذين شاركوا غير الشبيبة في هذا الحدث التاريخي .

بالصور-حشود شبابية تملأ ساحات بكركي للقاء البابا

امتلأت ساحات الصرح البطريركي الخارجية في بكركي بالآلاف من الاشخاص من لبنان وعدد من دول العالم ومن فئات عمرية مختلفة طغى عليها الفئة الشبابية التي رفعت الأعلام البابوية واللبنانية استعدادا لاستقبال قداسة البابا المرتقب دخوله أبواب الصرح بعد اقل من نصف ساعة.
شاشات عملاقة توزعت  على الساحات تنقل  التحضيرات والاستعدادات من لوحات ترنيمية وايحائيية خاصة بالمناسبة ودعوات للتعبير لحظة  لقاء قداسته بان الحشد الموجود هو من دعاة السلام.
إشارة إلى ان  عدد المشاركين من الشباب فاق التوقعات وسط نداءات بإفساح المجال امام الذين لا يزالون يدخلون الساحة في هذه الاثناء مع وجود اكثر من ثلاثة آلاف شخص ينتظرون خارج بوابة الصرح .


وكان الصرح البطريركي في بكركي قد استعد  لإستقبال قداسة البابا لاون الرابع عشر، في السادسة إلا ربعا من عصر اليوم الاثنين، ليلتقي شباب لبنان والعالم في باحة الصرح الخارجية، في احتفال نظمه مكتب اللجنة الوطنية لراعوية الشبيبة الخاص بمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، بالتعاون مع مكتب راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركية في بكركي.

أكثر من 12 الف و800 شخص تسجلوا على منصة اللقاء من مختلف الطوائف والكنائس المارونية والأرثوذكسية والبروتستانية واللاتينية والإنجيلية، إضافة الى ممثلين عن الطوائف الإسلامية ومعهم مجموعات تتعاون مع مكتب راعوية الشبيبة في لقاءات اللجنة المسكونية ولجنة العلاقات مع الأديان الأخرى.

وقد لفت المشرف على مكتب راعوية الشبيبة في بكركي الخوري جورج يرق الى قدوم عدد كبير من أبناء رعايا ابرشيات الإنتشار المارونية الى لبنان للمشاركة في هذا اللقاء ولا سيما من اميركا، أوروبا، كندا، استراليا، افريقيا، سوريا العراق والأردن، مشيرا الى ان اكثر من 1500 متطوع من شبيبة الكنيسة سيكونون للمساعدة والخدمة، بعد نحو ثلاثة اشهر من التحضير والإستعداد لهذا الحدث الكنسي الشبابي.

وأعلن يرق ان الوفد الفاتيكاني شدد على “ان قداسة البابا ينتظر هذا اللقاء الذي سيوجه في خلاله رسالة الى شبيبة العالم اجمع من خلال شبيبة لبنان ومن البطريركية المارونية في بكركي تحديدا لأنها المرجعية الوطنية التاريخية. ولقد خصص البابا لاون مدة تتراوح بين ال15 و20 دقيقة لإلقاء كلمة يتوجه بها الى الشباب.

وحول ما يميز هذا اللقاء عن باقي لقاءات البابوات مع الشبيبة في لبنان هو ان البابا لاون الذي يعول كثيرا على الشبيبة، ضمن كلمته التي سيلقيها اليوم خلاصة ما استنتجه عن وضع الشبيبة ولبنان، بعد قراءته لنحو 100 رسالة وسؤال وجهها الشباب اللبناني الىه قبيل الإعلان عن زيارته الى لبنان،وذلك إصرارا منه على التعمق في وضع هذه الشبيبة.

ورأى الخوري يرق انه قد تتضمن هذه الكلمة مفاجأة للشباب سيقدمها لهم البابا لاون الذي لطالما ردد الوفد الباباوي أهمية الشبيبة بالنسبة لقداسته هو الذي اصر وبطلب خاص منه على الإستماع الى 3 شهادات حياة في خلال اللقاء بدل اثنتين كما قالت عضو مكتب الشبيبة في بكركي الأخت ميشلين منصور، واحدة تتعلق بالمسيحية والثانية بالإسلام والثالثة عن التعايش المشترك.

وسينقل الشباب معاناته وتطلعاته الى قداسة البابا من خلال مشهدية صامتة تعتمد على الحركات الإيمائية. وللمرة الأولى في زيارة الباباوات الى لبنان ستخدم جوقة مسكونية اللقاء مع الشبيبة تتألف من أعضاء من مختلف الكنائس.

البرنامج: وزعت اللجنة المنظمة للقاء قداسة البابا لاوون الرابع عشر مع الشبيبة في ساحة الصرح البطريركي – بكركي برنامج اللقاء .

بالصور-غارسا الزيتونة مع الشيخ والبطريرك.. البابا لاوون من اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء: المصالحة والشراكة والسلام امر ممكن

قال البابا لاوون الرابع عشر خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء: “بتأثرٍ عميقٍ وامتنانٍ كبير، أقف معكم اليوم هنا، في هذه الأرضِ المبارَكَة، الأرض التي مجَّدَها أنبياء العهدِ القديم، الذين رأوا في أرزها الشامخ رمزًا للنفس البارة التي تُزهِرُ تحت نظرةِ السَّماءِ السَّاهِرَة ، والأرض التي لم يَنطَفِئُ فيها صدَى الكلمة Logos” قط، بل استمرَّ ، جيلا بعد جيل، ينادي كل الراغبينَ لكي يفتحوا قلوبهم للهِ الحَيّ.


في الإرشادِ الرّسولي بعد السينودس، “الكنيسة في الشرق الأوسط”، الذي وقعه البابا بندكتس السادس عشر هنا في بيروت سنة 2012 ، شدَّدَ قداسته على أنَّ طبيعة الكنيسة ودعوتها الجامعة تقتَضيان منها أن تفتح الحوار مع أعضاء سائر الديانات. يرتكز هذا الحوارُ في الشَّرقِ الأوسط على الرّوابِطِ الرّوحيّةِ والتّاريخيّةِ التي تَجمَعُ المسيحيين مع اليهود والمسلمين. هذا الحوار لا تمليه أولا اعتبارات براغماتية سياسية أو اجتماعية، بل يستند ، قبل كل شيء، إلى أُسَسٍ لاهوتية مرتبطة بالإيمان (رقم ).19
الأصدقاء الأعزّاء،
إنَّ حضوركم هنا اليوم، في هذا المكان الفريد، حيث تَقِفُ المآذنُ وأجراس الكنائس جنبًا إلى
جنب، مرتفعةً نحو السّماء، يَشْهَدُ على إيمانِ هذه الأرضِ الرّاسخ وعلى إخلاص شعبها المتين للإله الواحد. هنا، في هذه الأرض الحبيبة، لِيَتَّحدُ كلُّ جَرَسٍ يُقرَع، وكلُّ آذان، وكلُّ دعوة إلى الصّلاةِ في نشيدٍ واحدٍ وسام، ليس فقط لتمجيد الخالقِ الرّحيم، خالِقِ السّماءِ ،والأرض، بل أيضًا لِرَفع ابتهال حارّ من أجل عطيّة السّلام الإلهيّة.
منذ سنواتٍ عديدة، ولا سيّما في هذه الأيّام، توجهت أنظارُ العالم إلى الشرق الأوسط، مهد الديانات الإبراهيمية، تَنظُرُ إلى المسيرةِ الشَّاقَةِ والسَعِي الدَائِمِ لعطيّةِ السّلام. أحيانًا تَنظُرُ الإنسانية إلى الشرق الأوسط بقلقٍ وإحباط أمام صراعاتٍ مُعَقَّدَةٍ ومُتَجَذِّرَةٍ عبر الزمن. مع ذلك، وسط هذه التحدّيات، يمكننا أن نَجِدَ معنّى للرّجاءِ والعزاء عندما نُرَكَّزُ على ما يَجمَعُنا: أي على إنسانيتنا المشتركة، وإيماننا بإله المحبّة والرّحمة في زمن يبدو فيه العيش معا حُلُمًا بعيد المنال، يبقى شعبُ لبنان، بدياناته المُختَلِفَة، مذكّرًا بقوة بأنّ الخوف، وانعدام الثقة والأحكام المُسبَقَةِ ليست لها الكلمةُ الأخيرة، وأنّ الوحدة والشركة والمصالحة والسّلامَ أمرٌ مُمكن. إنّها رسالة لم تتغيَّر عبر تاريخ هذه الأرض الحبيبة:
الشهادة للحقيقة الدائمة بأنّ المسيحيين والمسلمين والدّروز وغيرهم كثيرون، يُمكنهم أن يَعِيشُوا معا ويَبنُوا معًا وطنًا يَتَّحدُ بالاحترام والحوار.
قبل ستين سنة، فتح المجمع الفاتيكاني الثَّاني، بإعلانه وثيقة في عصرنا – Nostra aetate“ ، أُفُقًا جديدًا للقاء والاحترام المتبادل بين الكاثوليك وأبناء الديانات المختلفة، وأكَّد أنَّ الحوار الحقيقي والتّعاوُنَ الصَّادِقَ مُتَجَذِرانِ في المحبّة، الأساس الوحيد للسّلام والعدل والمصالحة. هذا الحوار، الذي يَستَمِدُّ إلهامه من المحبّة الإلهيّة، يجب أن يُعانِقَ كلَّ أصحاب النوايا الحسنة، ويرفض التحيّز والتفرقة والاضطهاد، ويُؤكِّد على مساواة كرامة كلّ إنسان.
تمَّت خدمة يسوع العلنية بشكل رئيسي في الجليل واليهوديّة، إلّا أنّ الأناجيل تروي أيضًا أحداث زيارته لمنطقة المدن العشر ، وأيضًا لنواحي صُور وصيدا، حيث التقى المرأة السريانية الفينيقية التي دَفَعَه إيمانُها الرّاسِخُ لِيَشفِيَ ابنتها (راجع مرقس ،7 24-30 ). هنا، صارَت الأرضُ نفسُها أكثر من مجرّدِ مكان لقاء بين يسوع وأمّ تَبْتَهِلُ إليه، بل صارت مكانًا يتخطّى فيه التّواضع والثّقة والمثابرة كلَّ الحواجز، وتلتقي بمحبّةِ اللهِ اللامتناهية التي تُعانِقُ كلَّ قلبٍ بشر. في الواقع، هذا هو “جوهر الحوار بين الأديان: اكتشافُ حضور الله الذي يتجاوز كل الحدود، والدّعوة إلى أن نبحث عنه معًا باحترام وتواضع”.
وإن كانَ لبنان مشهورًا بأرزه الشامخ، فإنَّ شجرة الزيتون أيضًا تُشَكَّل حجرًا أساسيا في تراثه وشجرةُ الزّيتون، لا تُزَيَّنُ فقط المكان الذي نحن مُجتَمِعُونَ فيه اليوم، بل هي مُكَرَّمَةٌ في النّصوص المقدّسة في المسيحية واليهوديّة والإسلام، وتُشكّلُ رمزًا خالدًا للمصالحة والسّلام. عُمرُها الطّويلُ وقُدرَتُها الفريدة على الازدهار، حتّى في أشدّ البيئاتِ قَساوةً، يرمزان إلى البقاء والرّجاء ، ويَعكِسانِ التزامها وصُمودَها لتنمية العيش معًا . من هذه الشَّجرةِ يَتَدَفَّقُ زيتٌ يَشفِي، وهو بَلسَمٌ لجِراحِ الجسدِ والرّوح ، يُظهِرُ رحمة الله اللامحدودة لكل المتألّمين، وزيت يوفّرُ النّور أيضًا، ويُذَكَّرُنا بالدّعوة إلى أن تنير قلبنا بالإيمان والمحبّةِ والتّواضع.
كما تمتد جذورُ الأرز والزّيتونِ عميقًا وتَنتَشِرُ في الأرض، كذلك أيضًا يَنتَشِرُ الشَّعبُ اللبناني في العالم، لكنَّه يَبقَى مُتَّحِدًا بقوَّةِ وطنِهِ الدّائمةِ وتراثه العريق. حضورُكم هنا وفي العالم كلّه يُغنِي الكَوكَبَ بارثِكُم الذي يَرجِعُ إلى آلاف السنين، وهو أيضًا دَعوة. ففي عالمٍ يزدادُ ترابطًا، أنتم مدعُوُونَ إلى أن تكونوا بُناة سلام وأن تواجهوا عدم التسامح، وتَتَغَلَّبُوا على العُنف، وتَرفُضُوا الإقصاء، وتُنِيرُوا الطَّريق نحو العدل والوئام لِلجَمِيع، بشهادَةِ إيمانِكُم.
أيُّها الإخوة والأخواتُ الأعزّاء،
إنّ الخامس والعشرينَ مِن آذار / مارس من كلّ سنة هو عيد وطني تحتفلون به في بلدكم، وتُكَرِمُون معًا ،مريم، سيّدة لبنان، المُكَرَّمَةَ في مزارِها في حريصا ، الذي يُزَيّنُهُ تمثال مهيب للعذراء وذراعاها مَفتُوحَتَانِ لَكَي تُعائنقَ كُلَّ الشَّعبِ اللبناني.
ليَكُن هذا العِناقُ الوالِدِيُّ والمُحِبُّ من مريم العذراء، أم يسوع وملكة السّلام هداية لكلّ واحدٍ منكم، حتّى تفيض في وطنكم، وفي كل الشرق الأوسط، وفي العالم أجمع، عطيّة المصالحة والعيش السلمي “مثل الأنهار التي تَجري مِن لبنان” (راجع نشيد الأناشيد 4 /15)، وتحمل الرّجاءَ والوحدة والشركة للجميع.
وكان  قداسة البابا قد وصل في الرابعة من بعد الظهر الى ساحة الشهداء، حيث شارك اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان ولدى وصول البابا تم استقباله من قبل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، وبطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ونائب رئيس المجلس  الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب وشيخ العقل لطائقة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى.

هذا وشارك في اللقاء كل من: البطريرك الماروني يشارة بطرس الراعي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس  يوحنا العاشر اليازجي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس للروم الكاثوليك مار يوسف الاول العبسي، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا الكاثوليكوس آرام الأول، بطريرك كيلّيكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون مينيسيان، بطريرك السريان الارثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني، بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، النائب الرسولي للاتين في لبنان المطران سيزار أسايان، رئيس الطائفة الاشورية المطران مار مليس زيا، رئيس الطائفة القبطية في لبنان وسوريا القمص اندراوس الانطوني، رئيس المجمع الاعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسوريا القس جوزف قصاب، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب، المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان،  شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، رئيس المجلس الاسلامي العلوي  راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، بطريرك الاسكندرية للأقباط الكاثوليك الأنبا إبراهيم إسحق سدراك، بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك القدس للاتين الكاردينال بيير بتيستا بيتسابالا.
كما يحضر المطارنة: شارل مراد، دانيال كورية، يوسف سويف. وأمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، رئيس مجمع تعزيز الوحدة المسيحية الكاردينال كورت كوخ، رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال  كلاوديو غوجيروتي، رئيس مجمع الحوار بين الأديان الكاردينال جورج جاكوب كوفاكاد.

ويشارك ايضا: النائب ملحم خلف، والوزيران السابقان محمد الصفدي وعباس الحلبي، محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، نقيب المحررين جوزف القصيفي وحشد من الشخصيات الدينية والمدنية والسياسية.
ولدى دخول قداسة البابا علا التصفيق في القاعة واعتلى البابا المنصة  وصافح رؤساء الطوائف الذين سيشاركوم في اللقاء على وقع هتاف ليحيا البابا.

يونان:  وألقى بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية إغناطيوس يوسف الثالث يونان كلمة جاء فيها: “كما قال البابا يوحنا بولس الثاني لبنان ليس مجرّد بلد وإنّما رسالة إلى منطقتنا والعالم أجمع”.
أضاف: “الزيارة اليوم من أجل بناء السلام والاستقرار في المنطقة، ولا سيما لبنان الصغير على الخارطة ولكن الكبير برسالته ودوره وفسيفسائه الاسلامي المسيحي”.

تابع: “زيارتكم تتزامن مع محطتين أساسيتين في المسيحية: الذكرى الأولى للمجمّع المسكوني الذي عقد في نيقيا حيث اجتمعتم بطوائف دينية اخرى، كنائسنا تنظّم الاجتماعات المسكونية لتحتفل بالقانون الذي نجتمع تحته جميعنا، اما المحطة الثانية فهي الدعوة إلى الحوار ما بين الأديان هذه الدعوة التي أصدرها المجلس الفاتيكاني”.

بعدها تم تلاوة نص من الانجيل مرنما بحسب الطقس البيزنطي، فتلاوة لآيات من القران الكريم.

يازجي: من جهته، رحب بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر يازجي في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء، بالبابا لاوون الرابع عشر، وقال:

“أهلا بكم في الأرض التي انغرس فيها صليب المسيح، أهلا بكم في لبنان هذا البلد الفريد الذي يتنفس في بيئتيه المسيحية والإسلامية، وبلد العيش الواحد والمكونات التي تنصهر لتكوّن لبنان”.

دريان: كما القى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عيد اللطيف دريان كلمة في اللقاء الإسلاميّ المسيحي، بحضور بابا الفاتيكان لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء قال فيها:

” بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على أنبياءِ ورسلِ اللهِ أجمعين، وعلى سيِّدِنا محمدٍ خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين ، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين.

وبعد : فإنّه لَمِن دواعي سُرورِنا أن نكونَ في استقبالِ بابا الفاتيكان لاوُون الرابعَ عَشَر الذي يزورُ لبنان بلدَ التَّعايُش والتَّعَدُّدِ الطَّائفيّ المتنوُّعُ ، وهو غِنىً وإثراءٌ لإنسانيةِ الإنسان ، واعتبارُ المواطَنةِ أساساً في تحديدِ الحقوقِ والواجبات على حدٍّ سَوَاء ، ومِن دونِ أيِّ تمييز. وفي لبنان نؤكِّدُ دائماً ثوابِتَنَا الوطنيةَ، في قِمَمِنا الرُّوحية ، ونَحتَرِمُ الحُرِّيَّاتِ الدِّينيَّةَ وحقوقَ الإنسان ، كأساسٍ للعيشِ المُشتركِ في مُجتمعِاتِنا المتنوِّعَةِ والمُتَعَدِّدة ، ولا نِتدِخَّلُ في الخصوصِيَّات ، فبلدُنا لبنان يَحمي دُستورُه حقَّ الطَّوائفِ في مُمارسةِ شرائعِها ، مِصداقاً لقولِه تعالى: ﴿لكلٍّ جعَلْنا مِنكُمْ شِرعَةً وَمِنهاجاً﴾.
الإسلامُ هو المَسِيرَةُ الإيمانيَّةُ بِاللهِ الوَاحِد ، مِن آدمَ إلى نوحٍ وإبراهيم ، إلى موسى وعيسى ، وانتهاءً بمحمد ، عليهم جميعاً صلواتُ اللهِ وسلامُه.

وقد قال اللهُ تعالى في مُحكمِ تَنزِيلِه: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ .

ونستذكر هنا ما أمرَ به رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الذينَ لا يَستطيعون الدِّفاعَ عَنْ أنفُسِهِمْ مِنَ المُؤمنين، بالهِجرةِ إلى الحَبَشَة  ، وقال لهم : (إنَّ فيها مَلِكاً لا يُظلَمُ عِندَهُ أَحَد) . وخَشِيَتْ قُريشٌ أنْ تَنتَشِرَ الدَّعوَةُ بهذهِ الطَّريقةِ خارِجَ مَكّة، فأرسَلتْ رُسُلَهَا إلى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشةِ المَسِيحي ، لِيَطرُدَ المُسْلِمينَ مِنْ عِندِه ، وقد زَعَمَ رَسُولا قُريشٍ أنَّ هؤلاءِ اللاجئينَ عِندَه ، والطَّالبينَ حِمَايَتَه ، والعَيشَ مُؤَقَّتاً في جِوَارِه ، هُمْ ضِدُّ دَعوةِ عيسى عليهِ السَّلام ، فقرأَ جَعفرُ بْنُ أبي طَالِب، اِبْنُ عَمِّ النبيِّ على المَلِكِ صَدْرَاً مِنْ سُورةِ مريم ، فتأثَّرَ النَّجَاشِيُّ وقال: (إنَّ هذا ، ومَا أَتَى بِه عيسى ، لَيَخرُجُ مِنْ مِشكاةٍ واحدة) . وأبى أنْ يَطرُدَ الآتِينَ إليهِ ، هَرَبَاً مِنَ الاضْطِهادِ بِسَبَبِ إيمانِهم ، وأصبحَ المسيحيون في أرضِ الحبشةِ، أولَ أصدقاءِ الدَّعوةِ الجَدِيدَة ، وأوَّلَ أصدقاءِ أهلِها.
وإنَّ وَثيقةَ المدينةِ المُنوَّرة ، التي قامَتْ على أَساسِهَا نَوَاةُ الدَّولةِ الأُولى في الإسلام ، نَصَّتْ على أنَّ المؤمنين وغيرهم في المجتمعِ المَديني المتنوع، يُشَكِّلونَ مَعَ المسلمين (أُمَّةً وَاحِدَة)” .

اضاف: “بهذِه الأُسُسٍ الإيمانِيَّة، أُرَحِّبُ بِضَيفِ لبنانَ الكبير، البابا لاوَون الرابعَ عَشَر، مُتمنِّياً له التَّوفِيقَ في قِيَادَةِ السَّفِينَةِ المَسِيحِيَّة، لِمَا فيه خَيرُ الإِنسانِيَّة ، على النَّحوِ الذي تُجَسِّدُهُ وَثِيقَةُ الأُخُوَّةِ الإِنسانِيَّةِ ، بَينَ إِمَامِ الأَزهَرِ الشَّرِيف ، الشيخ أحمد الطيّب ، والبابا الراحل فرنسيس”.

وختم دريان: “إنَّ لبنانَ هو أَرضُ هذِه الرِّسَالة ، وهو رَافِعُ رَايَتِها، وَالعَامِلُ عليها ولها . ولذلك فإنَّنا ، نَعُدُّ أَنْفُسَنا مُؤتَمَنِينَ ، دِينِيّاً وأخلاقِيّاً ووطنِيّاً ، على حَملِ مَشعَلِ هذِه الرِّسَالَة ، حتَّى يَعُمَّ الأمنُ والسَّلامُ في العالَم ، وحتَّى تَسُودَ المَحبَّةُ بينَ جَميعِ الأُمَمِ والشُّعُوب”.

الخطيب: بدوره، رحّب نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء بالبابا لاوون الرابع عشر، وقال: ”

“نرحب بكم في لبنان، باسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والطائفة الشيعية عامة، مقدرين زيارتكم لبلدنا، مثمنين مواقفكم في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها وطننا.
نحييكم بتحية الإسلام الذي يؤمن بالسيد المسيح عليه السلام، رسولا ونبيا ومبشرا وهاديا.
وتحية طيبة لجنابكم من لبنان الجريح الذي لطالما اعتبره الكرسي الرسولي في الفاتيكان، رسالة وليس بلدا على هامش التاريخ .
ومن هذا المنطلق أملنا كبير جدا، بأن تحمل زيارتكم لبلدنا كل فرص النجاح، وأن تُثمر في تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا البلد المثخن بالجراح، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على أهله وأرضه.
إن ثقافتنا الروحية مبنيّة على الأخوة الإنسانية، نستوحيها من مبادئ الإسلام الذي لا يفرق بين البش، حيث يقول رسولنا الكريم محمد بن عبد الله “لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى”. كما نستمد هذه الثقافة من فكر خليفته الإمام علي بن أبي طالب الذي يرسم طبيعة العلاقة بين البشر بعبارته الإنسانية البالغة المعنى :”الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
ونحن نعتبر أنفسنا أخوة في الايمان ونظراء في الخلق، لا نفرّق بين أبناء البشر إلا بالتقوى، وأن الاختلاف من طبيعة البشر، وأن العلاقة بين  المختلفين محكومة بالحوار والتعارف والتعاون على البِر والتقوى، وأن التعايش السلمي بين اتباع الديانات المختلفة هو القاعدة والأساس، وأن ما يحصل من حروب مفتعلة باسم الأديان لا يعبرعن حقيقة الدين الذي يقوم اولا على اساس حرمة الانسان وكرامته.
اننا مؤمنون بضرورة قيام الدولة، لكننا في غيابها اضطررنا للدفاع عن انفسنا في مقاومة الاحتلال الذي غزا ارضنا، ولسنا هواة حمل سلاح وتضحية بأبنائنا.
بناء على ما تقدم نضع قضية لبنان بين أيديكم بما تملكون من إمكانات دولية، لعل العالم يساعد بلدنا على الخلاص من أزماته المتراكمة، وفي طليعتها العدوان الإسرائيلي وما خلفه ويخلفه من تبعات على وطننا وشعبنا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”
ويعقد اللقاء في خيمة بنيت خصيصا لهذا الحدث والتي تضم مسرحا صمم بشكل دائري كرمز للعائلة المتحدة.

بعد ذلك سيعرض وثائقي يتضمن شهادات حياة عن العيش المشترك والحوار بين الأديان. ويليه 8 كلمات لرؤساء الطوائف، فكلمة البابا لاوون الرابع عشر، وسيغرس البابا في وسط المكان شجرة زيتون رمزا للسلام.

افرام الثاني: وقال بطريرك السريان الأرثوذكس مار اغناطيوس افرام خلال كلمة في اللقاء مع البابا لاوون في ساحة الشهداء: “بفرح روحي وأمل كبير أرحب بزيارة قداستكم إلى أرض القداسة لبنان، قلب الله، مستذكراً قول اشعياء النبي: »مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ» (اشعياء 52: 7).
أرحّب بكم باسم كرسي أنطاكية الذي يشترك مع كرسي روما في خدمة بطرس هامة الرسل وبولس رسول الأمم، وباسم جميع مسيحيي المشرق الذين شهدوا ويشهدون للسيد المسيح منذ بدء المسيحية، رغم الضيقات والاضطهادات التي عانوا منها عبر العصور، فقلّ عددهم بشكل فادح، وأصبح وجودهم في أرض آبائهم وأجدادهم مهدّداً. وفي السنين الأخيرة، أصبحت بلادنا، بمسلميها ومسيحيّيها، ضحية حملات تكفيرية إرهابية وحروب دامية، وكذلك عدوّ إسرائيلي شرس، ممّا سرّع في تهجير الكثيرين. وفي الوقت عينه، عززّت هذه التحدّيات الوجودية العمل المشترك بين مختلف كنائس مشرقنا وأدّت إلى ما سمّاه سلفكم الطيب الذكر البابا فرنسيس: “مسكونية الدم”.
صاحب القداسة،
تأتي زيارتكم الرسولية هذه في وقت حسّاس من تاريخ هذه المنطقة حيث نشهد اضطرابات كبيرة وتحولات جذرية، نأمل أن تنتج استقراراً وعدلاً وسلاماً لمنطقتنا لم تعرفه منذ زمن بعيد. فأبناء هذه الأرض توّاقون للسلام المبنيّ على العدالة، الذي يجب أن يؤدّي إلى صون كرامة الإنسان وحريّته، في ظل دولة يسودها حكم القانون وتقوم على المساواة في الحقوق والواجبات.
صاحب القداسة،
يعيش المسيحيون والمسلمون على هذه الأرض الطيبة منذ قرون، يتشاركون الآلام والآمال، ويتوقون إلى الاستمرار في العيش معاً مستفيدين من تجارب آبائهم وأجدادهم. ومع أهمية الحوار الأكاديمي بين ممثلي الأديان، تبقى الخبرة المكتسبة من العيش الواحد العنصر الأهم في تعزيزه. فالمشرق ليس حدوداً تُرسَم على الخرائط، بل هو حياة تُعاش، وذاكرة تُصان، ونسيجُ علاقات إنسانية جمعت عبر القرون بين المسلمين والمسيحيين. وهنا تعلّمنا أن العيش المشترك ليس شعاراً، بل حوار حياة يقوم على اللقاء الصادق والاحترام المتبادل، وعلى مسؤولية يحملها الجميع تجاه الإنسان – كلّ إنسان – لأنه محور رسالتنا وغاية دعوتنا.
وفي هذا البلد الحبيب، لبنان، أدركنا أن الإنسان لا يكتمل إلا بأخيه، وأنّ تلاقي أبناء الأديان قادر أن يبني مجتمعاً متماسكاً يقف في وجه التعصّب والانقسام، ويبعثَ الرجاء في زمن أثقلته الصعاب. وكلما ارتفع صوت الظلم أو تعمّق جرح الانقسام، بقيت الكنيسة في لبنان والمشرق شاهدة للضمير الإنساني، تدعو إلى الحوار الصريح، واحترام الحرية الدينية، وحفظ كرامة كل إنسان خُلق على صورة الله ومثاله.
صاحب القداسة،
نعلم أنكم ستحملون في قلبكم معاناة هذا المشرق المتألم، وستعملون جاهدين على رفعها وضمان حياة حرة وكريمة لكل أبنائه، من خلال صلواتكم وعلاقاتكم وعملكم مع ذوي النوايا الحسنة.
فلنرفع معاً صلاتنا إلى الرب الإله، سائلينه أن يبارك هذا اللقاء، وأن يجعل من زيارة قداستكم إشراقة جديدة في مشرقنا المعذّب؛ إشراقة تبدّد الخوف من القلوب، وتوقظ الرجاء في النفوس، وتعيد إلى شعوب منطقتنا الثقة بوعد الرب القائل: »أتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ، وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا 10:10).

شيخ العقل: وقال شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي ابي المنى في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء: “نصلّي معاً لخلاص لبنان والمنطقة وأن نطوّق الألم في الأمل ونتمسّك بالشراكة الوطنية وهي مظلّة عيشنا الواحد المشترك فلبنان يمكن أن يكون النموذج الأرقى للتنوّع في الوحدة”.

أضاف: “زيارتكم تدعونا للارتقاء إلى ما هو أسمى الى إغلاق التعصب والتطرف ليكون صوت السلام أقوى من الحروب”.

قدور: وقال رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور في كلمة خلال كلمة في اللقاء مع البابا لاوون في ساحة الشهداء:

“يشرفنا أن نعبّر بغاية السرور والمحبة عن تقديرنا العميق لقداسة الحبر الأعظم وأن نرفع إلى قداسته أسمى آيات الترحيب والتقدير بمناسبة زيارته الى لبنان، هذا البلد الذي شاءت حكمة الله أن يكون ملتقى الأديان وواحة للحوار وجسرًا بين الشرق والغرب”.

واعتبر أن “زيارة البابا لاوون رسالة رجاء إلى اللبنانيين جميعاً بأن لبنان ما زال قادراً على النهوض واستعادة دوره”.

أضاف: “إن حضور قداستكم ليس حدثًا بروتوكوليًا بل رسالة رجاء إلى اللبنانيين جميعًا ورسالة تأكيد أن لبنان رغم ما يمر به من محن ما زال قادرًا على النهوض برسالته”.

غرس زيتونة: واختتم اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء بقيام البابا ، بحيط به البطريرك اليازجي والشيخ ابي المنى ، بغرس غرسة زيتون قدمها له طفلان ،على وقع ترانيم في مساء الورد يا مريم ونشيد المخلوقات، ثم صورة تذكارية بالمناسبة .

هدية: وشهدت خيمة اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء تحضير هدايا رمزية وُضعت على المقاعد المخصّصة للمدعوين إلى لقاء البابا لاوون الرابع عشر بعد ظهر اليوم.

وتضمنت الهدايا نسخة من الإنجيل، وأخرى من القرآن الكريم، والعهد الجديد، إضافة إلى كوب تذكاري يحمل علمَي الفاتيكان ولبنان، في رسالة واضحة إلى قيم الوحدة والإيمان المشترك واحترام التنوع الديني.

 

بالصور: عنايا تستقبل البابا لاوون: أنعم الله عليّ بهذه الزيارة للمزار التي طالما تمنيتها

بلهفة الأبناء المترقّبين لقاء أبيهم، استقبلت الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، ومعها حشود من المؤمنين، قداسة البابا لاون الرابع عشر في زيارة تاريخيّة هي الأولى لحبر أعظم إلى دير مار مارون – عنّايا. ففي اليوم الثاني من الزيارة إلى لبنان، وهي الأولى للأب الأقدس خلال حبريّته، شاء أن يخصّ الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة بلفتة تسلّط الضوء على تعاظم شهرة القدّيس شربل في قلب الكنيسة الجامعة وتؤكّد اهتمام رأس الكنيسة بالمسيحيّين اللبنانيّين خصوصًا، وبلبنان بكافّة طوائفه عمومًا. وقد آثر قداسته أن يشدّد على مكانة لبنان وأبنائه في قلب البابوات والكنيسة، وأن تكون له وقفة صلاة صامتة عند ضريح القدّيس شربل ليسأله نعمة الاقتداء به لعيش “الإيمان كجهاد حسن في صحراء العالم والسير بفرح على خطى يسوع المسيح”.

 

وصول البابا إلى عنّايا

وكان موكب الأب الأقدس قد وصل إلى عنّايا، حيث كان في انتظاره فخامة رئيس الجمهوريّة، العماد جوزاف عون. كذلك، انتظرته على طول الطريق المؤدّي إلى دير مار مارون حشود من المؤمنين تجمّعوا منذ ساعات الصباح الأولى لرؤية قداسته في سيّارة الـPapamobile الخاصّة ولنيل بركته الأبويّة من أقرب مسافة ممكنة.

الاستقبال وزيارة الضريح

وكان في استقبال الحبر الأعظم، جمهور من أبناء الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، تقدّمهم قدس الأب العام هادي محفوظ، ورئيس دير مار مارون – عنّايا، الأب ميلاد طربيه، فيما انتظره عند الضريح، إلى جانب رئيس الجمهوريّة وعقيلته، البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رئيس بلدية عنايا وكفربعال مارك عبود وعدد من أصحاب المقامات من مختلف الميادين.

وفور الوصول أمام الضريح على وقع الألحان الروحيّة السريانيّة المارونيّة التقليديّة، جثا قداسة البابا لاون مصلّيًا بصمت خاشع أمام الضريح، قبل أن يضيء شمعة مباركة قدّمها للدير.

كلمة الأب العام محفوظ

بعد هذه اللحظة الروحيّة العابقة بتأثير قدّيس لبنان، “حارس الصمت في حياة الخفاء”، ألقى الرئيس العام للرهبانيّة الأب العام هادي محفوظ كلمة ترحيب مقتضبة، استهلّها باقتباس من مقدّمة إنجيل يوحنّا، حيث قال: “نعمة على نعمة، هذا ما لا ننفكّ نناله بأجمعنا من ملء ربّنا يسوع المسيح… نعمة على نعمة نلنا أوّلًا بمار شربل، قدّيس لبنان، الذي ما زالت شفاعته تضيء النفوس وتنشر في العالم عجائب السماء”.

وأضاف الرئيس العام للرهبانيّة: “وها إنّنا ننال نعمة جديدة بوجود قداستكم بيننا، في صرح الصمت والنور هذا. فقد جئتم تصلّون أمام ضريح هذا الناسك المتواضع والمتحرّق حبًّا، الذي عرف كيف “يبحث عن الله ويسمعه ويحمده ويناجيه في الخفية، ليلًا نهارًا”، في اقتباس لتصريح سابق للحبر الأعظم.

هذا واعتبر الأب العام أنّ “التاريخ نفسه يتوجّه إلينا اليوم. ففي العام 1925، أي قبل قرن من الزمن بالتّمام، قدّم الرئيس العام لرهبانيّتنا، الأباتي اغناطيوس داغر، لخليفة القدّيس بطرس آنذاك، قداسة البابا بيوس الحادي عشر، في الفاتيكان دعوى تطويب مار شربل وتقديسه. وها إنّ قداستكم، بعد مئة عام بالتّمام، تباركون، كخليفة بطرس، هذا الدير بحضوركم، مقدّسين بذلك هذه الذكرى ومجدّدين النعمة”.

وفي الختام، أكّد الرئيس العام: “إنّ زيارتكم ستدوّن سطورًا لن تمحى في تاريخ هذا الدير وتاريخ رهبانيّتنا”.

كلمة الأب الأقدس وصلاة وتبادل الهدايا

توقّف البابا لاون الرابع عشر في كلمته على ما يمكن أن يعلّمنا إيّاه “هذا الإنسان الذي لم يكتب شيئًا، وعاش مختفيًا عن الأنظار وصامتًا، لكنّ سرعته انتشرت في كلّ العالم”، فلخّص إرثه قائلًا: “الروح القدس صاغه وكوّنه، لكي يعلّم الصلاة لمن كانت حياته بدون الله، ويعلّم الصمت لمن يعيش في الضوضاء، ويعلّم التواضع لمن يسعى للظهور، ويعلّم الفقر لمن يبحث عن الغنى. كلّها مواقف تسير عكس التيّار، ولهذا ننجذب إليها، كما ينجذب السائر في الصحراء إلى الماء العذب النقيّ”.

وأكّد الأب الأقدس: “لم يتوقّف القدّيس شربل قطّ عن التشفّع لنا أمام الآب السماويّ، ينبوع كلّ خير وكلّ نعمة”. وفي نداء قويّ من أجل السلام، قال: “نريد اليوم أن نوكل إلى شفاعة القدّيس شربل كلّ ما تحتاج إليه الكنيسة ولبنان والعالم. من أجل الكنيسة نطلب الشركة والوحدة: بدءًا بالعائلات، الكنائس البيتيّة الصغيرة، ثمّ الجماعات المؤمنة في الرعايا والأبرشيّات، وصولًا إلى الكنيسة الجامعة. شَرِكة ووحدة. أمّا من أجل العالم فلنطلب السلام. نطلب السلام، بصورة خاصّة، من أجل لبنان وكلّ المشرق”.

وختم قداسته بالقول: “أوكل لبنان وشعبه إلى حماية القدّيس شربل، حتّى يسير دائمًا في نور المسيح”، شاكرًا الله “لأنّه أعطانا القدّيس شربل”.

وفي ختام هذه الوقفة الروحيّة، تلا الحبر الأعظم صلاة سأل فيها الله أن يعلّمنا أن نسير بفرح في خطى المسيح وأن يشفع القدّيس شربل لنا على الدوام ليكون لنا نصيب مع القدّيسين في الملكوت السماويّ الذي لا يزول”. ثمّ منح الحاضرين بركته.

بعدها، قدّم الرئيس العامّ للرهبانيّة لقداسته أوّل طبعة من كتاب المزامير نُفّذَت في العام 1610 في دير مار أنطونيوس – قزحيّا. بدوره، قدّم رئيس دير مار مارون – عنّايا لقداسته هديّتَين باسم الدير، الأولى شمعة مسكوبة في مصنع الشمع الخاصّ بالدير، وعليها شعار البابا، فيما الثانية عبارة عن قنديل يرمز إلى القنديل المملوء ماءً الذي أضاءه القدّيس شربل وفيه ذخيرة للقدّيس. ثمّ منح قداسته الحاضرين بركته، قبل أن يخرج من أمام الضريح متوجّهًا إلى متحف الدير في زيارة لمحتوياته، تخلّلها شرح قدّمه الرئيس العام للرهبانيّة.

اللقاء الخارجيّ مع المؤمنين

وخرج رأس الكنيسة الجامعة لملاقاة المؤمنين الآتين لرؤيته والاستماع له والتبرّك من حضوره، مصافحًا بعض الحاضرين على وقع التصفيق وهتافات الترحيب ودموع الفرح، قبل أن يغادر موكبه عنّايا.

القدّيس شربل ولبنان خميرة رجاء

تأتي هذه الزيارة لتجدّد التأكيد على أنّ القدّيس شربل كان ولا يزال علامة نعمة للرهبانيّة المارونيّة ولبنان والعالم. هكذا، غادر قداسة البابا لاون الرابع عشر دير مار مارون – عنّايا، ضريح القدّيس شربل، ليعود إليه صمته، لا تخرقه إلّا صلوات الرهبان وابتهالات المؤمنين وصدى صلاة صامتة حمّلها الحبر الأعظم لمار شربل، طالبًا إليه “السلام من أجل لبنان”.

البابا لاوون للبنانيين: أنتم شعب لا يستسلم.. وبالصورة- رسالة في سجل الشرف في القصر الرئاسي

أكد البابا لاوون الرابع عشر من قصر بعبدا أنّه” لفرح كبير لنا أن نزور هذه الأرض حيث السلام هو أكثر من مجرّد كلمة بل أمنية ودعوة وعطيّة وورشة عمل مشرّعة دائمًا”.
وتوجّه البابا لاوون للبنانيّين قائلاً: “أنتم شعب لا يستسلم بل ينتصر أمام الصعاب ويعرف كيف يولد من جديد وصمودكم علامة مميّزة لا يمكن الإستغناء عنها”.


وشدد على أن “الإلتزام من أجل السلام لا يعرف الخوف أمام الإخفاقات المتكرّرة ولا يسمح للفشل أن يمنعه وطالب السلام يقبل ويعانق الواقع القائم والسلام يتطلّب مثابرة من أجل حماية الحياة لتنبض من جديد”.
وأضاف البابا لاوون للبنانيّين: “أنتم بلد متنوّع وجماعة متآلفة من جماعات تجمعكم لغة لا تقدّر بثمن ولغة رجاء سمحت لكم دائماً بأن تبدأوا من جديد”.
وقال للمواطنين: “عانيتم من أزمات اقتصاديّة ومن تشدّد وقمتم من جديد وباستطاعة لبنان المفاخرة بالمجتمع المدني الغني بالكفاءات”.
من هنا، أعرب البابا لاوون عن أمنيته بأن يتحدث اللبنانيون بلغة الرجاء القادرة على لمّ الشمل التي تجعل من كل المجموعات جماعة متناغمة والمنتشرون اللبنانيّون يحبّون وطنهم ويتضرعون من أجلكم وصانعو السلام يقومون بذلك من خلال سلوك طريق المصالحة.
وشدد البابا لاوون على أن ثقافة المصالحة تحتاج إلى اعتراف السلطات والمؤسسات بتقديم الخير العام، لافتاً إلى أن السلام في الواقع هو أكثر بكثير من التوازن الدائم والمهترئ بين الذين يعيشون منفصلين تحت سقف واحد.
واعتبر أن السلام هو أن نعرف كيف يمكننا العيش معاً جنباً إلى جنب في سبيل مستقبل مشترك وعندها يُحقق السلام تلك البحبوحة التي تدهشنا حينما تتخطى آفاقنا الحواجز والحدود.

وأشار إلى أن فاعلي السلام يجرؤون على البقاء حتى لو كلفهم ذلك بعض التضحية، مؤكداً أن العودة إلى الوطن يتطلب شجاعة وبصيرة على الرغم من الظروف الصعبة.

وفي ما يلي نص الكلمة كاملة:

كلمة قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في اللقاء مع السُّلُطات ومم’ثلي المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في القصر الرئاسي – بيروت:

“السّيّد الرّئيس،
السُّلُطات المدنيّة والدّينيّة المحترمين، أعضاء السّلك الدّبلوماسيّ ،
سيداتي وسادتي!
طوبى لفاعلي السّلام!
إنّه لفرحٌ كبير لي أن ألتقي بكم وأزور هذه الأرض حيث ”السّلام“ هو أكثر من مجرَّد كلمة: السّلام هنا هو شَوق وهو مصير، وهو عطيّة وورشة عمل مفتوحة دائمًا. أنتم مكلَّفون بالسُّلطة في هذا البلد، كلٌّ في مجاله الخاصّ وبأدوار محدّدة. ومن منطلق هذه السُّلطة، أودّ أن أوّجه إليكم كلام يسوع، الذي تمّ اختياره ليكون مصدر إلهام أساسيّ لهذه الزّيارة:
“طوبى لفاعلي السّلام” )راجع متّى 5، .(9 بالتّأكيد، هناك ملايين اللبنانيّين، هنا وفي كلّ العالم، يخدمون السّلام بصمت، يومًا بعد يوم. أمّا أنتم، الذين تحملون المسؤوليّات المختلفة في مؤسّسات هذا البلد، فلَكُم تطويبة خاصّة إن استطعتم أن تُقَدِّّموا هدف السّلام على كلّ شيء. أودّ، في لقائنا هذا، أن أفكِّّر معكم قليلًا في معنى أن نكون فاعلي سلام في ظروف بالغة التّعقيد، ومليئة بالصّراعات والاضطراب.

رسالة السجل الذهبي: وترك البابا لاوون الرابع عشر، الأحد، رسالة بسجل الشرف في القصر الرئاسي اللبناني.

وكتب البابا: “في اليوم الأول من زيارتي إلى لبنان، أحد البلدين اللذين أزورهما في هذه الرحلة الرسولية الأولى في حبريّتي، أتمنى بفرحٍ بركات كثيرة لجميع شعب لبنان، مصليا أن يسود السلام”.

وحظي البابا باستقبال رسمي في مطار بيروت، شارك فيه رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جانب قائد الجيش العماد رودولف هيكل.

ويتضمن برنامج الزيارة جولات في خمس مدن وبلدات لبنانية حتى الثلاثاء، قبل أن يغادر البابا عائدا إلى روما، في حين لا تشمل الزيارة الجنوب اللبناني بسبب الأوضاع الأمنية.

الرئيس عون في حفل استقبال البابا: أبلغوا العالم أننا باقون هنا ولن نستسلم

توجه الرئيس جوزاف عون خلال الحفل الرسمي لاستقبال قداسة البابا لاون الرابع عشر الى قداسة البابا لاوون الرابع عشر بالقول: “بفرح عظيم، أرحب بكم، رسول سلام في وطن السلام. بشرف عظيم، وباسم الشعب ال​لبنان​ي بكل مكوّناته وطوائفه وانتماءاته، أرحّب بكم في هذا الوطن الصغير بمساحته، الكبير برسالته، لبنان الذي كان وما زال أرضاً تجمع بين الإيمان والحرية، بين الاختلاف والوحدة، وبين الألم والرجاء”.

وفيما يلي نص الكلمة:

قداسة البابا لاوون الرابع عشر،
بفرح عظيم ، أرحب بكم، رسول سلام في وطن السلام.
بشرف عظيم، و باسم الشعب اللبناني بكل مكوّناته وطوائفه وانتماءاته، أرحّب بكم في هذا الوطن الصغير بمساحته، الكبير برسالته، لبنان الذي كان وما زال أرضاً تجمع بين الإيمان والحرية، بين الاختلاف والوحدة، وبين الألم والرجاء
صاحب القداسة،
إنّكم لا تزورون بلداً عادياً، بل أرضاً محفوفة بخطوات التاريخ المقدّس
فقد ذُكِر لبنان في الكتب المقدّسة مراراً، رمزاً للعلو والثبات والقداسة. وقد استعمل نشيد الأناشيد جبال لبنان وغاباته كرموز للجمال والروعة والنقاء،  فغدت هذه الأرض شاهدة على عظمة الخلق ووفاء للتاريخ المقدّس
بفخر عظيم، أرحب بقداستكم، على أرض الكنعانية الراجية شفاء ابنتها. حتى قال لها يسوع: “يَا امْرَأَة، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ”.
وشعبنا اليوم كله يا صاحب القداسة، مثل تلك الكنعانية.
إيماننا عظيم…  ورجاؤنا شفاء النفوس والقلوب والعقول، من الأحقاد والحروب والدمار …
أهلاً وسهلاً بكم، على الأرض المسيّجة بالعذراء،
والمكرسة لإسمها. من أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال.
وفي الوسط سيدة المنطرة قرب صيدا، حيث انتظرت العذراء ابنها يسوع.
حتى جعلنا يوم بشارتها، عيداً وطنياً لكل طوائف لبنان ولكل أدياننا الإبراهيمية.
في ظاهرة لم يعرفها أي بلد آخر في العالم.
أهلاً وسهلاً بكم، على الأرض، التي من بعض مائها المتدفق من حاصباني الجنوب، تعمّد يسوع في نهر الأردن …
لبنان ليس مجرد أرض تاريخية، بل موطن القديسين العظام، ومنهم القديس شربل الذي ستزورون مقامه المبارك، كرّمه الله بعطايا ومعجزات امتدت لكل البشر، دون تمييز بين الأديان، مظهراً وحدة الشعب اللبناني وإيمانه العميق
هذا هو لبنان الذي يستقبلكم اليوم يا صاحب القداسة.
لبنان الذي تكوّن بسبب الحرية ومن أجلها.
لا من أجل أي دين أو طائفة أو جماعة.
وطن الحرية لكل إنسان. والكرامة لكل إنسان.
وطن فريد في نظامه، حيث يعيشُ مسيحيون ومسلمون، مختلِفين، لكنْ متساوين.
في نظامٍ دستوري قائم على التساوي بين المسيحيين والمسلمين. وبالانفتاح على كل إنسان وضمير حر.
هذه فرادة لبنان في العالم كله. وهذه دعوته لكل الأرض.
ومن هنا واجبٌ الإنسانية الحية الحفاظِ على لبنان. لأنه إذا سقطَ هذا النموذجُ في الحياة الحرة المتساوية بين أبناء ديانات مختلفة، فما من مكانٍ آخرَ على الأرض، يَصلحُ لها.
وكما قلت في نيويورك، أكرر من بيروت: إذا زالَ المسيحيُ في لبنان، سقطت معادلة الوطن، وسقطت عدالتُها.
وإذا سقطَ المسلمُ في لبنان، اختلت معادلة الوطن، واختلّ اعتدالها.
وإذا تعطل لبنانُ أو تبدل، سيكونُ البديلُ حتماً، خطوطَ تماسٍ  في منطقتِنا والعالم، بين شتى أنواعِ التطرّفِ والعنفِ الفكري والمادي وحتى الدموي.
هذا ما أدركه الكرسي الرسولي دوماً.
ولهذا رفع قداسة بولس السادس صوته باكراً دفاعاً عن وحدة لبنان وسيادته.
كما خلّد القديس يوحنا بولس الثاني لبنان في ذاكرة العالم بقوله التاريخي
“لبنان أكثر من بلد. إنه رسالة في الحرية والتعددية معاً، للشرق كما للغرب”.
قبل أن يكرس سابقة كنسية استثنائية، بتخصيص سينودس عام، خاص للبنان.
وهو من قال عنا قبل 40 عاماً، بأن وجود المسيحية الحرة في لبنان، شرط لاستمرارها وازدهارها في كل منطقتنا.
ونحن نجزم اليوم، بأن بقاء هذا اللبنان، الحاضر كله الآن من حولكم، هو شرط لقيام السلام والأمل والمصالحة بين أبناء ابراهيم كافة.
وصولاً إلى قداسة البابا بنديكتس السادس عشر، زائر المحبة والحكمة، الذي أكّد من بيروت، أن مستقبل الشرق لا يمكن أن يُبنى إلا بالشراكة والتعددية والاحترام المتبادل. وكانت خطوته بالغة الدلالة والرمزية، بأنه لم يعلن الإرشاد الرسولي الخاص بالشرق الأوسط، إلا من لبنان.
وها نحن نستقبلكم يا صاحب القداسة رابعَ خليفةٍ لبطرس يزور وطننا ، في خطوة لا تقل بلاغة في الرسالة والدلالة. إذ أردتم أن يكون لبنان، أرض زيارتكم البابوية الأولى خارج روما. فجئتم إليه مباشرة من نيقيا، من أرض قانون الإيمان، في ذكراه الألف وسبمعمئة.
لتؤكدوا مجدداً إيمانكم بنا. ولنجدد معاً إيماننا بالإنسان.
جئتم إلى أرض الكنائس التي وصفتموها بالشهيدة.
لتزرعوا فينا الرجاء، ولنحولها شاهدة على القيامة.
جئتم إلينا يا صاحب القداسة، لنقرأ في وجهكم المضيء، كلماتكم الرائعة في رسالتكم العامة الأخيرة، “لقد أحببتك”،
بأن لمس جرح مقهور على الأرض، هو كلمس جراح يسوع في التاريخ
وفي أرضنا اليوم، وأرض منطقتنا، الكثير من القهر، والكثير من المتألمين. وجراحهم تنتظر لمستكم المباركة. وتتطلع إلى سماع وإسماع صوتكم العظيم الشجاع.
صاحب القداسة، أبلغوا العالم عنا، بأننا لن نموت ولن نرحل ولن نيأس ولن نستسلم.
بل سنظل هنا، نستنشق الحرية، ونخترع الفرح ونحترف المحبة، ونعشق الابتكار، وننشد الحداثة، ونجترح كل يوم حياة أوفر …
أبلغوا العالم عنا، بأننا باقون مساحة اللقاء الوحيدة، في كل منطقتنا، وأكاد أقول في العالم كله. حيث يمكن لهذا الجمع أن يلتقي حول خليفة بطرس. ممثلين متفقين لكل أبناء ابراهيم، بكل معتقداتهم ومقدساتهم ومشتركاتهم …
فما يجمعه لبنان، لا يسعه أي مكان في الأرض.
وما يوحده لبنان لا يفرقه أحد.
بهذه المعادلة يعيش لبنان في سلام مع منطقته، وفي سلام منطقته مع العالم.
ومن الآن حتى يسمع المعنيون ويقتنعوا، لا خوف علينا صاحب القداسة. فبصلاتكم ودعائكم، وبإيماننا بحقنا ووطننا، باقون هنا، أبناء الرجاء. وأبناء القيامة. باقون هنا. نور الشرق ومنارته وملح أرضه. وباقون هنا، رسل محبة وخير.
فمنذ البداية وحتى النهاية، نحن تلاميذ من أوصانا ألا نخاف. وأن نثق به. لأنه بمحبته وسلامه غلب العالم.
ونحن شهود على ذلك وعاملون لتحقيقه.
عاشت المحبة
عاش السلام
عشتم يا صاحب القداسة
عاش لبنان

error: Content is protected !!