دخلت ديبلوماسية الرياضة مصطلحات عالم الديبلوماسية منذ الحرب الباردة. حين انبرى قطبا العالم يومها لابهار الفضاءين الخارجي والداخلي بلا حدود مهاراتهما السياسية كما الرياضية . ديبلوماسية اصبحت مع مرور الزمن من اكثر الادوات السياسية الناجحة في آليات السياسة الخارجية.
الا ان هذه الديبلوماسية بقيت تستعمل الى حد كبير في اطار بروباغندا الدول.التي تطورت لاحقا لتصبح مصطلحا يعرف ب branding الدول. أو تسويقها كمنتج مسجل. الى ان دخلت عالم السياسة كأداة تقارب بين الاعداء والخصوم، لاول مرة بين الولايات المتحدة والصين الماوية. حين سميت ب”ديبلوماسية البينغ بونغ “.
الرئيس الامريكي السابق ريتشارد نيكسون كان قارئا تاريخيا حذقا. وكان معارضا شرسا للشيوعية. ومن وراءه هنري كسنجر الذي كان وما زال قارئا لا تخيب بوصلته في قراءة مسار التاريخ.وجود الاثنين معاً في البيت الأبيض غير الكثير من موازين القوى الدولية لاكثر من عقدين من الزمن. عبر فصل الصين الماوية عن روسيا الستالينية، في لحظة تباعد غيرت الكثير من مسار التاريخ .
فخرقت لعبة طاولة البينغ بونغ في اوائل السبعينيات بين اللاعبين جلين كوان وزوهانج زيدونج قطيعة بلادهما السياسية والديبلوماسية ، ومهدت للزيارة التاريخية لنيكسون ورائد ديبلوماسية البينغ بونغ كيسنجر الى صين ماو تسي تونغ .
اعتراف الولايات المتحدة حينها بشريك عالمي ثالث كان الهدف منه احباطا استراتيجيا للاتحاد السوفياتي وهو الامر الذي نجح الى حد كبير جدا .
من البينغ بونغ الامريكية الصينية الى كرة القدم السعودية الايرانية ومن الرئيس نيكسون الى الامير محمد بن سلمان عقود من الزمن مرت على اول استعمال سياسي بحت لديبلوماسية الرياضة. تبدلت الادوات والاصطفافات والتحالفات، الا ان جوهر استخدام هذه الديبلوماسية ما زال نفسه .
فايران التي لطالما شكلت تهديدا لدول المنطقة واهلها على كل الصعد، اختارت التقارب مع المملكة والشراكة معها، على قاعدة سياسة حسن الجوار اولا. وهي سياسة ركيزتها البعد الامني. وصولا طبعا الى البعد السياسي البحت المرتبط بجوهر الخلاف الايديولوجي .
المملكة اليوم وفي لحظة تباعد اميركي ايراني كبير، واميركي شرق اوسطي متقطع ، كما في لحظة تقارب صيني ايراني اكبر ، وفي ظل التوجه المعلن بانتهاج سياسة الانفتاح والتنويع، خطت المملكة نحو فصل ايران عن نفسها وادواتها. عبر استخدام الادوات الديبلوماسية والسياسية. وكانت اخر هذه الادوات دبلوماسية كرة القدم .
يمكن للبعض ان يستهين بهذه الدبلوماسية. ولكن من يعرف الداخل الايراني يعرف ان هذه الاداة لها تأثير اكبر بكثير من اي اداة ثانية. اذ ان كرة القدم تعتبر من اقدم الالعاب الرياضية في ايران. منذ ما قبل نظام الشاه البائد. ومع نظام الملالي خاض الشعب الايراني مساراً شرساً دفاعاً عن اللعبة، حين استشعر انها مهددة بالحظر. بذريعة ما وصف بغياب الحشمة الدينية في ملابس اللاعبين واعتبار انها تظهر عورة الرجال .
في ايران ينظر الى هذه الرياضة على انها تعبير عن الشعب اكثر بكثير من النظام.وهو ما عززه سلوك المنتخب الوطني الذي أدى لاعبوه دائما دور منتخب الشعب وصوت وجدانه .وهي اللعبة التي رفضت الانصياع لمحاولات تطويعها شعبيا في صناديق الاقتراع وفي السياسة لا بل شكلت نواة هوية جماعية حقيقية .
مباراة واحدة كفيلة ان تجيش شارعاً كاملاً يهلل لنيمار والدوسري وميسي ورونالدو ومحرز وحمدالله وبنزيما ومتروفيتش وغيرهم ….كرة واحدة كفيلة بأن تبقي عيون الملايين شاخصة على الهدف والمرمى…..
لا يهم ان اصابت المرمى او لا. المهم ان الهدف الاكبر اصاب مرمى الشباك التي حيكت بإبرة وصفت بأنها إبرة الصبر الاستراتيجي ….
بين ديبلوماسية البينغ بونغ وديبلوماسية كرة القدم تشهد المنطقة مباراة استراتيجية ودية بين ضفتي خليج غني، نتائجها وربحها أكبر بكثير من حجم كرة ومساحة طاولة أو ملعب.