تتكرّر المحاولات البائسة للتصويب على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في كلّ مرّة تزعزع ضربة عصا بكركي على الأرض مخطّطات النيل من لبنان والتربّص بهويته التي لم تعد مخفيّة، بل بدأت تظهر على شاكلة شعارات يعبّر عنها مناصرو أصحاب هذه الأجندات بوضوح في اشتباكاتهم الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمّى “دولتكم إلى زوال”، في معرض ردّهم على كلّ من يتصدّى لمشروعهم السياسيّ. وكأّن الانبهار من إشعاع النقاط الموضوعة على الحروف في مواقف بكركي يدفع بالمتضرّرين إلى تحوير معاني كلمة الراعي ودلالاتها. يؤكّد الصرح البطريركيّ أنّ بكركي جامعة ودقّ أجراس الخطر الذي يعصف بلبنان لا يستثني أيّ منزل من بيوت اللبنانيين على تنوّع طوائفهم ومشاربهم. ويطلق النائب البطريركيّ العام للكنيسة المارونية المطران سمير مظلوم صرخة عبر “النهار” في رسالة موجّهة إلى الجميع، يؤكّد عبرها أن “بكركي لا تريد شيئاً لها بل تنظر في أوضاع الشعب وتطلق صرخات استغاثة لإنقاذ المواطنين بكافة أطيافهم، ومن المعيب أن يأخذوا أبعاداً طائفيّة للموضوع. فأي مواطن يقف على رجليه اليوم في وقت بات أكثر من نصف اللبنانيين على حافة الموت جوعاً؟”.
تستوجب المرحلة الاستيقاظ ووضع حدّ للجشع. وفي تأكيد المطران مظلوم أنّ “كلّ دعوة يطلقها البطريرك الراعي هدفها بداية تغيير الذهنيات لكنّهم يتصرفون كأن شيئاً لم يكن ولا يريدون الإصلاح أو أن يزيحوا خطوة واحدة يميناً أو شمالاً حتى وإن مات الناس جوعاً”. ويستبعد جديّة الترويج للدعوة إلى مؤتمر تأسيسي، في قوله إنّ “من يلمّح إلى أنه يريد مؤتمراً تأسيسياً جديداً يكذب على الناس لأن الوضع الحالي يناسبهم ويستفيدون منه ولا يريدون اتخاذ أي تبديل بسيط أو تغيير إصلاحي، فيما تكبير الحجر سببه التهرب من المسؤولية. ثمّ كيف المناداة بمؤتمر تأسيسي ولا أحد يتحدّث إلى الآخر؟ ولا يخفى أنّ مسألة وزارة المال هي جزءٌ من الذهنية نفسها في التعامل. بأي منطق تكون هذه الحقيبة أو سواها حكراً على فريق واحد؟”. وفي خلاصته، يطلق دعوة إلى “يقظة الجميع والتعالي على حزازاتهم في ظلّ المرحلة التي وصلت إليها البلاد والمخاوف من انهيار نهائي وكليّ”.
الدور الهادف إلى الجمع، الذي تضطلع به بكركي انطلاقاً من مذكّرة “لبنان والحياد الناشط”- والتي كان لها أن نالت تأييد أكثرية لبنانية على تنوّع الانتماءات – كان له أن شكّل ركيزة التقاء واضحة برزت في حجم الحشود التي أمّت الصرح رغم تنوّع التوجّهات السياسية للداعمين. تعمل بكركي على بناء محطّة جامعة جديدة من شأنها تقريب المسافات بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ”. ويروي عضو تكتّل “لبنان القوي” النائب سيمون أبي رميا التفاصيل لـ”النهار” في قوله إنّ “البطريرك الراعي في صدد التحضير لاتّخاذ مبادرة قائمة على عقد لقاء بين القوات والتيار بغية تفعيل نوع من الاتفاق على ضبط الاحتقان وتخفيف الخطاب بين المكوّنين ونحن في انتظار إشارة الانطلاق”. رشحت هذه المعطيات من زيارة وفد من “التيار” إلى الصرح البطريركيّ ضمّت أبي رميا الذي يؤكّد أننّا “ناقشنا مع غبطة البطريرك أكثر من ملفّ من بينها إشكالية موضوع ميرنا الشالوحي ووضعناه في الأجواء. وقلنا إننا لسنا طلاب عنف وصدام خصوصاً في هذه المرحلة ونعمل على التهدئة. هناك حالٌ من التشنج بين القواعد الشعبية العونية والقواتية وهذه مسألة غير صحيّة أو سليمة”.
ويضيء أبي رميا على جانب إيجابي من العلاقة بين “التيار” و”القوات” في إشارته إلى “أنني نائب في البرلمان ونحن نلتقي في كثير من الملفات مع زملاء في القوات وقد باتت اليوم همومنا مشتركة، إذ نعيش الخطر الوجودي اللبناني معاً ونعي دقّة المرحلة في ظلّ خطر وجوديّ يطاول الدور المسيحي. ولا بدّ من العمل على تقريب المساحات المشتركة ووجهات النظر وتنظيم الاختلافات. لم يحصل أي تباعد مع نواب القوات ونحن على تواصل دائم في المكاتب ونحضر لقاءات في المجالس ونضّطلع بدور بين الكوادر على الصعيد النيابي والتواصل قائم من خلال لقاءات اجتماعية مشتركة نناقش فيها أفكاراً وطروحات”. ويرى أنّ “الأجواء في البلاد تتّجه إلى مطالب تصعيديّة ومحاولة تكريس أوراق جديدة من خلال ما نشهده في تأليف الحكومة، وكأنّ ثمّة عملية تحضير لعقد طاولة جديدة وكلّ مكوّن لبناني يحضّر أوراقه للمفاوضات. من هنا، لا بدّ من الوصول إلى أفكار متجانسة والابتعاد عن الصراعات الحزبية وتغليب الحكمة والمسؤولية، ولنعلم جميعاً إلى أين نحن ذاهبون بعيداً من الاستفزازات”. ويخلص إلى أنّ “المبادرة الفرنسية هي الفرصة الأخيرة المتاحة للبنان، واستقالة الرئيس المكلّف تعني وصول الدولار إلى ثلاثين ألف ليرة، والاعتذار غير سهل ويعني انتهاء الأمل والدخول بصدامات وفوضى”.
الخلاصة المرسومة في تصريح عضو تكتل “الجمهورية القوية” شوقي الدكاش لـ”النهار”، تشير إلى أنّ “نوايا القوات اللبنانية صافية ولنترك المساعي والاتصالات تحصل كما هي، ونحن مع كلّ ما يمكن فعله لمصلحة البلد”، مشيراً إلى أنه “في النهاية من الضروري أن يستيقظ الجميع. سنعيش مع بعضنا البعض وأنا لا أعني هنا فقط القوات والتيار بل كلّ اللبنانيين، وما قاله البطريرك الراعي واضح في عظته بعدما وضع النقاط على الحروف باعتبار أننا سنعيش جميعنا في هذا البلد وهناك من لا يستطيع أن يكمل بالطريقة نفسها ولا بدّ من العودة إلى لبنان”.

