21 C
Byblos
Saturday, December 6, 2025
أبرز العناوينسلاح حزب الله في مهبّ الشروط والضغوط

سلاح حزب الله في مهبّ الشروط والضغوط

إيڤون أنور صعيبي

لا يزال ملف سلاح حزب الله يتصدّر الواجهة بوصفه المسألة الأكثر تعقيداً وتشعّباً في معادلة السيادة والأمن. وإذا كانت الأطراف السياسية في لبنان تختلف في رؤيتها لهذا الملف، فإن النقاش حوله ليس معزولاً عن توازنات الداخل، وشروط الخارج، وخلفيات المواجهة مع إسرائيل.

ثلاثة مواقف لبنانية متباعدة

تتوزع المواقف اللبنانية حيال سلاح حزب الله بين ثلاثة محاور رئيسية:

1.التيار المناوئ لحزب الله، والذي يدعو بشكل مباشر إلى نزع سلاحه وتسليمه للدولة، من دون أي شروط أو ضمانات. هذا الفريق يرى أن حزب الله يجب أن يعود حزباً سياسياً كبقية الأحزاب اللبنانية، وأن يحتكم إلى المؤسسات الدستورية فقط، بلا امتيازات أو سلاح مستقل.

2.موقف الدولة الرسمية، والذي يتموضع بين التفهّم والتردد. فعلى الرغم من أن الرئيسين جوزف عون ونبيه بري يشاركان في الحكومة ويتمتعان بصلاحيات تفاوضية، إلا أنهما يتفهمان طرح حزب الله بضرورة وجود ضمانات قبل تسليم السلاح، لا سيما ضمانات بعدم تعرض لبنان لأي عدوان إسرائيلي، وتطبيق إسرائيل لبنود القرار 1701، خصوصاً الانسحاب من “النقاط الخمس” الحدودية.

3.موقف حزب الله والثنائي الشيعي، الذي يرى أن السلاح ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة للدفاع عن لبنان، وأن التخلي عنه مشروط بتوافر ضمانات حقيقية وجدّية تحمي البلد من العدوان، وتؤمّن قدرة الدولة على التصدي لأي تهديد. ويؤكد الحزب أنه لا يمانع تسليم سلاحه للدولة اللبنانية إذا كانت هذه الدولة تملك الإرادة والقدرة على استخدامه لحماية السيادة.

المعضلة الأساسية: سلاح ممنوع من الانتقال

المشكلة لا تقتصر على الانقسام اللبناني، بل تتعمق أكثر حين تُطرح مسألة “مصير” هذا السلاح. فبينما يدعو البعض إلى تسليمه للدولة، يكشف الواقع أن هناك فيتو أمريكياً – إسرائيلياً على انتقال هذا السلاح إلى الجيش اللبناني. كل ما يُصادَر أو يُكتشف من أسلحة للحزب يُدمّر فوراً، وبإشراف مباشر من ضباط أمريكيين ضمن لجنة أمنية تُراقب التنفيذ. وهذا يعكس بوضوح أن رفض إسرائيل لسلاح حزب الله لا ينفصل عن رفضها لتسليمه إلى الدولة، خشية من أن يعاد استخدامه ضدها، سواء عبر المؤسسة العسكرية أو من داخلها. وهذا بحدّ ذاته أنّ اسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، لا تريدان أن تمتلك الدولة اللبنانية حقّ الدفاع عن نفسها.

هكذا، تصبح الدولة اللبنانية محاصَرة بين سلاح لا تستطيع امتلاكه، وقدرة دفاعية لا تملك مقوماتها، وسط تفكك سياسي، وعجز مالي، وضعف تسليح.

الضمانات الغائبة والتجارب المريرة

يرى حزب الله أن الحديث عن ضمانات دولية ليس مجرد ترف تفاوضي. فالذاكرة اللبنانية لا تزال مثقلة بخيبات سابقة: اتفاق فيليب حبيب عام 1982 لم يمنع مجازر صبرا وشاتيلا، والتواجد الدولي متعدد الجنسيات لم يمنع الانهيار الكامل بعد الاجتياح الإسرائيلي، ولا التدهور الأمني اللاحق. لذلك، فإن مطالبة الحزب بضمانات دولية واقعية وليست شكلية، تترافق مع إصرار على أن يكون سلاح المقاومة في خدمة مشروع دفاعي وطني واضح، لا عرضة للمساومة.

السيناريوهات المقبلة: تصعيد بلا مواجهة شاملة؟

من خلف هذه المعادلة، يبدو أن انسداد الأفق السياسي وعدم استعداد الولايات المتحدة وإسرائيل لتقديم أي ضمانات، يدفعان بالوضع اللبناني نحو التصعيد. هناك قلق متزايد لدى الرأي العام من أن يكون البديل عن التفاهم هو التصعيد الإسرائيلي، ولو على مراحل، وليس بالضرورة عبر حرب شاملة. فالموفد الأميركي توم باراك لوّح باحتمالين: إما ترك لبنان لمصيره مع وقف أي دعم مالي أو إنمائي، أو الذهاب نحو المزيد من الضربات والضغوط الإسرائيلية بهدف تحجيم دور حزب الله.

في المقابل، يشدد الحزب على جاهزيته الكاملة للتعامل مع السيناريوهات كافة. من التصعيد المحدود إلى المواجهة المفتوحة، مؤكداً أنه لا يتعامل بخفة مع التهديدات الإسرائيلية – الأميركية، لكنه في الوقت نفسه يرفض التفريط بسلاح يعتبره “ضمانة للسيادة والردع”.

ما يبدو من الظاهر “نقاشاً داخلياً حول السلاح”، هو في جوهره صراع إقليمي – دولي على القرار اللبناني وموقعه في خارطة النزاعات. فالطرف الذي يدعو إلى نزع السلاح لا يملك تصوراً واضحاً لمستقبل لبنان الأمني بعد النزع، والطرف الذي يحمل السلاح لا يرفض تسليمه من حيث المبدأ، لكنه يطالب بضمانات تبدو مستحيلة في ضوء ميزان القوى الدولي.

وهكذا، يبقى لبنان في قلب معادلة مستحيلة: دولة لا يُسمح لها بالامتلاك، ومقاومة لا يُسمح لها بالبقاء، وخصوم يطالبون بالفراغ، في انتظار ما تقرره تل أبيب وواشنطن من خطوات على طريق “تفكيك المعادلة اللبنانية” بالقوة أو بالحصار.

- إعلان -
- إعلان -
- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!