تتفاقم الأوضاع داخل سجن رومية إلى حدّ لم يعد يمكن تجاهله أو تبريره تحت أي ذريعة. فبعيدًا عن النقاش القانوني حول الجرائم والعقوبات، هناك حقيقة واحدة لا يمكن القفز فوقها: السجن لا يتمتع بأي مقوّمات تضمن أو ترعى حقوق الإنسان، حتى وإن كانوا سجناء.
في حادثة مأساوية تكشف حجم الإهمال الصحي، أُصيب السجين الشاب محمود حكيم المعروف ب”ميدو” بالتهاب حاد في الرئتين، ما أدخله في حالة صحية حرجة تهدّد حياته بشكل مباشر. وعلى إثر ذلك، تم نقله إلى مستشفى الحياة، حيث وُضع في قسم الطوارئ فقط، رغم حاجته الملحّة والعاجلة للدخول إلى العناية الفائقة، بحسب مصادر مطّلعة على وضعه الصحي.
وخلال كتابة هذا الخبر، وردت معلومات مؤكدة عن وفاة محمود، بعد تدهور حالته الصحية بشكل سريع، في مشهد مأساوي يطرح علامات استفهام خطيرة حول آلية التعامل مع الحالات الحرجة للسجناء، وتأخير اتخاذ القرار الطبي المناسب في الوقت المناسب.
هذه الوفاة ليست حادثًا فرديًا، بل هي نتيجة مباشرة لواقع مأساوي داخل سجن رومية، حيث يفتقر المكان إلى الحدّ الأدنى من الشروط الصحية والإنسانية. بنية تحتية مهترئة، اكتظاظ خانق، غياب الرعاية الطبية الدائمة، وتأخير خطير في الاستجابة للحالات الطارئة… عوامل تحوّل السجن من مكان للمحاسبة إلى بيئة تهدّد الحياة، وتجعل أي مرض بسيط بداية مأساة.
من المهم التأكيد أن السجين، مهما كانت التهمة الموجّهة إليه، قد أخطأ ويجب أن يُحاسَب وفق القانون. لكن المحاسبة لا تعني نزع الإنسانية، ولا تبرّر الإهمال الطبي. فالسجين إنسان أولًا، وهو ابن عائلة كانت تنتظر أن يُحاسَب ابنها وفق العدالة، لا أن تفقده بهذه الطريقة القاسية والمهينة للكرامة الإنسانية.
العائلات اليوم لا تخاف من العقوبة، بل تخاف من الإهمال. تخاف من أن يتحوّل السجن إلى حكم بالإعدام البطيء. واليوم، تحوّل هذا الخوف إلى حقيقة دامغة.
من هذا المنبر، تُرفع صرخة مدوّية: ما جرى ليس قدرًا ولا حادثًا عابرًا، بل إنذارًا خطيرًا. إنقاذ الأرواح المتبقية داخل سجن رومية بات واجبًا فوريًا لا يحتمل التأجيل. المطلوب تحرّك عاجل من الجهات المعنية، محاسبة شفافة، وتأمين رعاية صحية تحترم الحدّ الأدنى من حقوق الإنسان.
لقد رحل هذا الشاب، لكن الصمت اليوم يعني القبول بتكرار المأساة. وما لم يُتّخذ إجراء فوري، فإن أسماء أخرى قد تُكتب بالأسلوب نفسه


