بتاريخ الخميس الاول من الشهر الجاري، اعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. التوصل الى اتفاق إطار بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البرية والبحرية في خطوة غاية في الأهمية من شأنها بحسب برّي ان تفضي الى سداد ديون لبنان، على ان تكون المفاوضات التي سيقودها الجيش اللبناني بين البلدين غير مباشرة وانما بوساطة أمريكية ورعاية اممية.
ورداً على سؤال مهم جداً حول ربط هذه الخطوة بموجة التطبيع بين اسرائيل وبعض الدول العربية ، قال برّي انه عمل طوال عقد من الزمن على هذا الاتفاق وقبل توجهات العرب نحو التطبيع.
انطلاقاً من هذه المقدمة سوف نقوم بمعالجة ومناقشة بعض النقاط القانونية والسياسية:
-ما معنى ترسيم الحدود؟ وهل يختلف عن تحديد الحدود؟
_ماذا تعني كلمة اتفاق إطار ؟ وهل لها دلالات سياسية؟
-ماذا عن الحدود البرية؟ هل من عُقد تم التغاضي عنها مؤقتاً؟
_لماذا الإشارة الى سداد الديون؟ هل بهدف اللعب على وتر الوضع الاقتصادي المنهار؟
_ما معنى المفاوضات المباشرة وغير المباشرة؟
_لماذا الوساطة أمريكية دون غيرها؟ومن هو المفاوض الحقيقي؟
_لماذا أشار الرئيس بري الى عمله طوال عقد من الزمن على الاتفاق وقبل موجة التطبيع ، دون ان يعبر علناً عن رفضه للتطبيع مع العدو؟
الواقع وانطلاقاً من المبدأ الطبيعي، ان كل حدود سياسية مشتركة لدولتين متجاورتين ينبغي ان تكون حدوداً آمنة، ولكي تكون كذلك يجب ان تكون حدوداً معترفاً بها وناتجة عن اتفاق بين سلطتين شرعيتين، والاهم يجب ان تكون هذه الحدود قد اجتازت المراحل الخمسة لتكتسب الشرعية . فما هي هذه المراحل؟
١- تعريف الحدود Definition وهي مرحلة تأتي ضمن المعاهدات والاتفاقيات في الدول المتجاورة ( بمعنى الاتفاق على ان تكون الحدود برية او بحرية او نهرية…انطلاقاً من الفهم الكامل للطبيعة والتفاصيل الجغرافية)
٢- تحديد الحدود ( او تعيين الحدود) Delimitationاي وضع التصور والرؤية المتفق عليها فوق خرائط جغرافية واضحة بواسطة اصحاب اختصاص.
٤- ترسيم الحدود Demarcation اي وضع العلامات الحدودية على ارض الميدان.
٥- تثبيت الحدود وشرعنتها اي تقديم الخرائط بعد الاتفاق الى الامم المتحدة وتثبيتها لتصبح شرعية ومعترفاً بها.
الى ذلك وبالنسبة للحدود اللبنانية فيبلغ طولها 679 كلم منها 225 كلم حدوداً بحرية و 454 كلم حدوداً برية منها 376 كلم مع سوريا و78 كلم مع اسرائيل المرسمة استناداً الى الخط الذي أقرته اتفاقية بوليه_نيو كامب عام 1923، وبالتالي فالاشكالية هنا تتمحور حول منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المثبتة لبنانيتها بالقانون والواقعة ضمن الاراضي السورية بخطأ فني وهي مشمولة بالقرارين 242 و338 الصادرين عن الامم المتحدة، لذلك ما سيحصل في المفاوضات برأينا هو تأكيد الحدود البرية المرسمة مع اسرائيل استناداً للخط الأزرق بمعزل عن مزارع شبعا المعتبرة غير لبنانية حتى الساعة بسبب عدم تقديم سوريا خرائط تضع المزارع خارج أراضيها رغم تصريحات سابقة لكبار المسؤولين السوريين تؤكد انها لبنانية لا سورية. وبالتالي سيتم التركيز على الحدود البحرية بسبب وجود مخزون غاز ضخم ، وتقدر حصة لبنان منه ب 30-40 tcf وعدم الترسيم يعيق استغلال هذه الثروة من الطرفين، ناهيك عن تأكيد الاعلام الاسرائيلي ان المفاوضات لن تشمل الحدود البرية المرسمة بالخط الأزرق ولو اعتبر لبنان ان هذا الخط ليس خط الحدود الدولية مع اسرائيل.
•ولكن ماذا قصد الرئيس بري بعبارة “اتفاق إطار”؟
لا شك ان استعمال هذا المصطلح يجعل للبنان ( ولو بالشكل) مساحة اكبر في التفاوض ، بمعنى ان الاتفاق مقبول بالأطار العام ، فيما يركن الشيطان في التفاصيل وعندها يمكن للبنان ان يوقف التفاوض كما حصل سابقاً خلال الوساطة الأمريكية ذاتها عام 2012 عندما رفض لبنان اقتراح الوسيط الاميريكي السابق فريديريك هوف الذي تضمن تقسيم الحدود البحرية المتنازع عليها اي مساحة ال 860 كلم مربع ، حيث يحصل لبنان على 500 كلم مربع وإسرائيل على 360 كلم مربع، وأعلن يومها لبنان انه لن يقبل التنازل عن اي جزء من هذه الحدود . فما الجديد الذي حصل اليوم حتى يقبل الطرف اللبناني بالمفاوضات من جديد؟ هل تنازلت اسرائيل ام تنازل لبنان؟
•هل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل تعتبر تطبيعاً؟
التطبيع Normalizationكمفهوم عام يعني جعل الشيء مناسباً للظروف وأنماط الفعل الطبيعية. اما في السياسة فتطبيع العلاقات يعني جعل العلاقات طبيعية بعد فترة توتر او قطيعة او حتى حرب، حيث تعود العلاقة او تصبح طبيعية وكأن شيئاً لم يكن. ويأخذ التطبيع اشكالاً عدة منها : المبادرات والاتفاقيات المشتركة أو البدء بمشاريع ثقافية ، فنية ، علمية او إنسانية.
اما بالنسبة للمفاوضات التي سيجريها لبنان مع اسرائيل بوساطة أمريكية فهي لا تعتبر تطبيعاً ابداً وان اعتُبرت اعترافاً (بالكيان الصهيوني ) من حيث الشكل وهذا ما يتناقض في السياسة مع كل ادبيات المقاومة الاسلامية على مر السنين. ولا بد هنا من التذكير ان لبنان قد وقع عام 1949 اتفاقية هدنة مع إسرائيل بعد عام واحد على قيامها كدولة .
•ولكن هل تعتبر هذه المفاوضات مباشرة ام غير مباشرة؟
الواقع ان من سيباشر المفاوضات ضابط رفيع المستوى من الجيش اللبناني مع نظير له او نظراء من الطرف الآخر بوجود وسيط أمريكي ، وبالتالي تعتبر مفاوضات مباشرة تحت رعاية دولية.
اما لماذا الوساطة أمريكية دون غيرها ، فهذا مرده الى موقع أميركا في قيادة العالم وسيطرتها على المنطقة واتخاذها قرار منذ زمن لحل مشكلة الشرق الأوسط وآخر صور حل هذه المشكلة هو “صفقة القرن”.
كل ذلك ويبقى الأهم في السياسة ، وهو توقيت اعادة طرح المفاوضات ، بتدخل أمريكي واضح ، ما جعل الثنائي الشيعي يظهر مكابراً على المبادرة الفرنسية وقابلاً بالإملاءات الامريكية في هذا التوقيت الغريب.
فهل ستبقى الولايات المتحدة “شراً مطلقاً” فيما لو نجحت وساطتها واستعدنا 860 كلم مربع من الحدود البحرية ؟
وهل سيستمر شعار ” الموت لامريكا”؟
وهل سننتقل الى مرحلة تغييرية جديدة في العلاقات بين شيعة لبنان والإدارة الامريكية لن تنتهي بالآتفاق الإطار بل تتعداه؟
نعم ….هنالك قطبة مخفية.

