خسرت بجه اليوم جراء جائحة كورونا الاستاذ حنا أبي عقل، وهو أول ضحية جراء هذا الفيروس الغادر،الاستاذ حنا كان مدرسا للرياضيات في مدرسة المريميين جبيل لعدة عقود،تخرج من تحت يديه مئات التلاميذ ،وكان رمزا من رموز البلدة يملك محلا وفرنا في بجه.
لو كان لبجه قلب لكانت ساحة البستان هي القلب، ولو كان لساحة البستان قلب لكان فرن ومحل الاستاذ حنا قلب القلب.
هو شاهد على اجيال عاشت وترعرعت في البلدة، كان المحطة الدائمة بين نشاط ونشاط آخر، بين مباراة كرة قدم ولعبة اربعمئة،كان المكان المنشود لجلسات ذكريات بين اجيال قديمة واجيال جديدة، كانت طاولات فرنه الصغير تجمع الشباب والشابات ينهون سهراتهم قبل العودة إلى البيوت والتي كان الجميع يتحاشاها لكي يبقوا أطول وقت ممكن مع بعضهم البعض.
في محل الاستاذ حنا كتبت فصول من أحداث وتاريخ بجه،هناك حيث لا تزال تعيش ارواح البعض منا.
كعلم الرياضيات كان الاستاذ حنا الثابتة الوحيدة وكنا نحن اجيال بجه المتغيرون، افواج تأتي وافواج ترحل والاستاذ حنا باق من اجل الجميع، من اجل من بقى ومن اجل من يعود.كنا لا زلنا حتى اليوم ندخل الى المحل لا لنشتري ما نريد،بل لنشعر بحنين ذكرياتنا من جديد،فرائحة المكان رائحة ماضينا وفي زواياه صدى اصواتنا وصراخنا.،فالاستاذ حنا كان بالنسبة لنا حارسا لذكرياتنا، عندما نراه نطمئن إن كل شيء على ما يرام، وإن الماضي الجميل قد يعود يوما ما.
من الأشياء الملفتة لدى الاستاذ حنا، كان طريقة تأقلمه مع الزمن، فعندما كنا صغارا كان ينادينا باسمائنا، ولما كبرنا تغيرت تسميته لنا،ليطلق على كل واحد منا كنية ابننا البكر، فمن لديه شربل اصبح ابو شربل، ومن لديه ريمون اصبح ابو ريمون…كانت لفتة بسيطة لكنها تحمل ضمنا اعمق وأصدق المشاعر.
رحل الاستاذ حنا من امام عيوننا، لكنه سيعيش دائما في قلوبنا،في قصص وروايات تتناولها اجيال بجه عن شاهد ملك لشريط عمرنا وعن ثابتة لا تتغير في ماضينا عن رمز من رموز بجه عاصمة حياتنا ورصيف مرفئنا الاخير.
حي الحارة سيشتاق اليك،وساحة البستان لن تعود كما كانت من دونك،ستبقى الساحة ولكن من دون قلب…
غدا سننزل الى ساحة البستان، وسننتظرك كي تفتح مكاننا المفضل، قد لا تأتي ولكننا في الصميم نعلم انك هناك تنظر الينا وتبتسم فانت بالنسبة لنا كنت وستبقى الثابتة الوحيدة…
ارقد بسلام ….

