22.1 C
Byblos
Saturday, December 6, 2025
جبيلياتالعميد كارلوس بيار إدّه -هل دخل ناصع البياض ويريد الخروج بلون الفلّ...

العميد كارلوس بيار إدّه -هل دخل ناصع البياض ويريد الخروج بلون الفلّ !!

استاذ غانم عاصي

إستيقظت صبيحة جمعة الألام هذا العام، على خبر بثّته إحدى وسائل التواصل الجبيليّة ومفاده “إستقالة العميد كارلوس إدّه من حزب الكتلة الوطنيّة اللبنانيّة” ، ثم وبعد أن ضجّ الموضوع في المنطقة الأحبّ على قلب الإدّاويّين، أصدر الحزب توضيحاً لا يرتقي إلى مصاف النفي، بأنّ العميد استقال من اللّجنة التنفيذيّة لينضمّ إلى مجلس الشيوخ في الحزب، وياليت هذا التوضيح جاء واضحاً وصريحا قبل بثّ خبر الإستقالة، كما اعتدنا على شفافية الكتلة، بدلا من أن يكون ردّاً غامزا من قناة حهة سياسية غير مستحبة في قاموس بعض الأعضاء الجدد . وسارعت إلى الإتصال بشيخ الشيوخ الأستاذ أندره نادر الصديق الدائم والكتلوي العريق، فأوضح ما استطاع إيضاحه . وغرقت في حيرة تقول: هل انتهت تلك الأيام وضاعت معها الأحلام!! وكثر التساؤل والكلام عن حزب عريق وأصيل. ، وشعرت بأنّني أعجز من أن أحجب محطات مؤثّرة من مراحل طفولتنا ومن مسيرة ضمير لبنان العميد ريمون إدّه، فمع ذلك الرجل الرجل شيّد الأجداد على ذري الأمجاد تاريخاً يعانق الشمس، وقرّرنا اقتفاء أثارهم والسير على درب من رحل، وبكل فخر ومن دون خوف أو وجل،و من ثمّ جلنا على بعض اللقاءات والمناسبات التي جمعتنا بالعميد الجديد وفاح منها عطر يلامس نسائم الذكريات، وما أردت أن أكتم بين ضلوعي مشاعر وأحاسيس صادقة، وما أحببت أن أهرق كلماتي على القرطاس سدى . فانطلقت من لحظة تبلّغي وفاة ذاك “الضمير” الى يوم الجمعة الأخير.

فقبل سنة من زوال الإحتلال الإسرائيلي ، وقبل خمس سنوات من خروج السوريّين من وطننا ، سبقت دموع النسيب سمعان عاصي لسانه إلى إبلاغي خبر وفاة العميد الضمير في منفاه الإختياري في باريس، وكان ذلك في العاشر من أيار من العام ألفين، وهو الذي طالما ناضل في سبيل استقلال وسيادة بلاده . وبعد يومين أُحضر الجثمان من باريس، فهرعنا إلى إستقبال ذلك القادم مكلّلاً بتاج المجد . وما إن بلغت المطار برفقة الأستاذ طوني سليم أبي عقل وخاله فرج أبي عقل وصديقين من أصحاب المواقف أميل الحويك و رزق بولس، ووقفنا قبالة السياج المزنّر بأهل الوفاء ، وما استطعنا تجاوز حدوده للدخول إلى حرم المطار ، وإن كنّا خشعنا أمام حرمة الموت ولم يكن لمحبّتنا وعاطفتنا وحزننا من حدود ، وكانت لوحة موجعة، فالدموع تنسكب على وجنات الوداع ، والقلوب تغصّ في لقاء الفراق ،والنفوس تتألم على غياب الضمير ،وعلى الجدران تتسابق العبارات وتتعانق الشعارات،وكان أبرزها ما قاله المثلّث الرحمة المطران بولس عقل في وداع الرّئيس أميل إدّه “نعشك عرشك وعروشهم نعوشهم .. . أنت ميت حي وهم أحياء أموات .. . “

وما إن حضر النعش الملفوف بالعلم اللبناني والمجلبب بوشاح الوطنية الحقّة،حتى استرقنا النظر بين الجموع المستقبلة لنرنو الى ابن شقيق الراحل كارلوس ،ذلك الوجه القريب القادم من العالم البعيد، والمغسول بالبراءة والمعجون بالآدمية والمعطر بالإنسانية والمتشبّع بالوطنية،ولكن هل لهذا النظيف أن يتلوث في دنس سياساتهم! وهل لهذا البريء أن يغطس في وحول مصالحهم! وهل لإبن البيت الوطني العريق أن يسير على دروب فسادهم! ، وهل “سيدوخ” من مسحة الجوخ ..

ومن المطار الى الصنائع،الى تلك الدار المغمورة بالأنوار السماوية، والتي ما فرّقت يوما بين شرقية وغربية، فهي قامت على الأسس الوطنيّة، وبنيت بأياد وفيّة، ورفعت مداميك المواقف والثوابت الغنيّة ،وفي تلك الليلة حسدت رفيقي الدرب، أميل وفرج على دموعهما التي كادت تسابق دموع الثكالى، بينماجفّت الدموع في مقلتيّ . وعدنا أدراجنا إلى جبيل “معشوقة” العميد وشاغلته الدائمة.

وكان الوداع الآخير في يوم الرب، وقد شارك فيه نخبة من الشباب الحصاراتيّ وكنت منهم ، وانطلقنا في مسيرة من الصنائع مرورا بالبرلمان وصولا إلى كنيسة مارجرجس وسط العاصمة ، وقد لفت الأنظار ذلك الوفد النازل من جبل الشوف برئاسة معالي وليد جنبلاط والمشايخ، مما حدا بالنسيب سمعان عاصي بأن اخترق الصفوف المشيّعة بطلّته البهيّة وقامته السامقة، لشكر الزعيم الجنبلاطي والذي رافق الجثمان حتى مثواه الأخير وكلّله بشلح أرز مبارك . وقد حضر من حضر من جبيل ، وكان اللاّفت أيضا مشاركة أبناء بلدة عانا في البقاع الغربي، والتي قدرت لآل إدّه و للعميد الراحل ما قدّماه لأبناء تلك الأرض من الأراضي ، حتى أنّهم لم يدعوا لنا أنا والسيد رزق بولس إلا أن نتقاسم حمل إكليل واحدمن ببن الآكاليل المتقدمة للجنازة ، وشارك شبابنا في رفع النعش على الراحات . وولج الكنيسة ليرفع بالصلاة على خفقات القلوب، وبلغت داخل الكنيسة وهنالك ساد الخشوع وزادت الدموع وحضر الأصدقاء والخصوم ، وحضر دولة الرئيسين بري والحص وغاب من وصل على متن طائرات ” السوخوي” إلى لقب الفخامة عن جنازة من رفع بمحبة الناس إلى مقام الزعامة، وخرق البطريرك الكبير مار نصرالله بطرس صفير البروتوكول ودوًّى رقيمه في الضمائر “لو تزحزحت قيد أنملة عن مبادئك لكنت إحتّليت دست الرئاسة من دون منازع…. رفعت ناخبيك الى مستواك…” .

وما اكتفينا في حصارات بتلك المشاركة الرمزيّة ، بل في اليوم التالي اجتمع كبار القوم من عراقة البيوت وأقبلنا لتقديم العزاء وكان على رأس المشاركين من قدم بنايته في جبيل على مدى عقود لخدمة الكتلة الوطنية وإن تعرضت للدمار على يد من هاجم الكتلويين في بداية الحرب لكن الخوري الياس الحويك تحمل أعباء إعادة إصلاح ما دُمّر، وحاول بعض المتزلّمين من قدامى وجدد الوقوف حائلاً دون إلقاء كلمتي باسم الوفد لكن محبّتنا للرّاحل أزالت العوائق وكانت الكلمة ” للمرّة الأولى تلومك يا عميد ” وقد ترافقت بالدّمع والتصفيق .

واستبشرنا خيرًا بانتخاب كارلوس بيار إدّه عميداً جديداً للحزب ورحنا نعمل على بناء علاقة وتوطيد صداقة معه عبر بعض الكتلويّين الأصدقاء كالأستاذ أندره نادر والدكتور حكمت رزق والمهندس كمال العم والأستاذ جورج إدّه والسيدة غيتا الشامي جرمانوس والدكتور وديع أبي شبل والأستاذ غسان أبي أنطونن والمختار جان أبي حنا… .

وراح البعض يأخذون على العميد الجديد عدم اتقانه اللّغة العربيّة، ورحنا نشيّد بإتقانه كما عائلته اللّغة الوطنية ، وراح البعض الآخر يتلطى وراء الأعمال الفنية لإدعاء سخرية لا أخلاقيّة ولتسلّق سلّم شهرة آنيّة . وعزف كارلوس إدّه عن الترشّح للإنتخابات النيابية الجديدة متمنّيا أخذ الوقت الكافي لدراسة الأرضيّة المناسبة وعدم الإتكال فقط على العاطفة الجارفة بغياب عمّه الراحل.

وشرعنا ننتظر زيارته في ضيعتنا، وكانت في ذات يوم كانوني مشمس وجاءت خلالها كلمتي عفويّة غير بليغة وسهلة غير معقّدة بناءً على طلبه، ثم وبعد أن تبرّع في قاعة الكنيسة القديمة لمشروع بناء الكنيسة الجديدة ببعض من عطر عطائه، انطلقنا إلى آخر الضيعة سيراً على الأقدام مسافة نصف ساعة، بالتحديد إلى منزل السيّد رزق بولس للوقوف على خاطره خاصّةً بعد استشهاد إبنيه في حرب الإخوة في أوائل التسعينيّات. وتم قصدنا بيت العضو الإختياريّ والاداوي العريق جميل حنا سعادة، الذي لامني لعدم إبلاغه مسبقاً بالزيارة لأنّ ذوقه يمنعه من استقبال زائره الكريم بثياب النوم ولو كان مريضاً، وما ان سألته رأيه به حتى أجابني وبابتسامة هادئة “هيهات شو هالشب الحلو!!!” وكانت الزيارة الأخيرة لدارة الخوري الياس الحويك، الذي غضب من عدم قبول العميد دعوته إلى المشاركة في الغداء الذي طالما شاركه فيه عمه الراحل ونوّاب الكتلة وأعضاء الحزب وكان الوعد من العميد بتلبية تلك الدعوة قريبا ولكن القدر شاء أن يرحل الخوري بعد أسبوعين،حيث رافقت العميد يومها للتعزية به، ثم تابعنا الى كور الهوى، حصرايل للتعزية بالمرحومة خريستين عاصي ابراهيم وهنالك التفّ الجمع حول العميد وكان الإستقبال اللّائق من عائلتها وخاصّةً إبنها حنا”أبو غليون” ، وانسابت الأسئلة ومنها للنسيب المفكّر حنا نجم عاصي الذي سأله عن مدى تمكّنه من اللّغة؟ وعما إذا كان سمع إبن العم غانم يتكلّم؟؟ وكان الجواب واضحا وبتواضع الكبار :”لقد سمعت غانم في مناسبة العزاء بعمّي ويومها بكيت وبكيت من دون أن أفهم شيئاّ!! إنما على وقع دموع الجمهور الحاضر، و أتمنّى أن أبلغ مرحلة أفهم فيها كلمة غانم قبل أن أصل إلى مرحلة ألقي مثلها…..”،وحلّ موعد الانتخابات النيابيّة التالية، و شُنّت على العميد المرشّح أم المعارك لمنع الآدمي ابن البيت الوطني من دخول الندوة البرلمانيّة. فوصفوه بسليل الإقطاع السياسي وراحوا يبنون إقطاعاً سياسياً جديداً من أصهرتهم وحاشيتهم… لاموه على التّحالف مع أخصام الأمس ومع ميليشيات الحرب وراحوا يقطّعون قوالب الحلوى ويقترعون على ثياب الوطن وما وجدنا واحدا منهم قدّم على مذبح الوطن كما قدّم السيد رزق بولس،ورغم ذلك اعتمد لغة الصمت ولاذ بالإنزواء فلم يجاهر أو يتبجّح، ممّا دفعني إلى الإشادة به في أحد اللقاءات الإنتخابيّة، وهذا ما دفع العميد إلى اصطحابه للجلوس إلى جانبه وسط جو من التصفيق والتقدير. وتسلّل أحد المتطفّلين يوماً الى لقاء مع العميد في منزل المرحوم رزق وراح يتّهمه بقبض مبلغ من دولة الرئيس رفيق الحريري وعلى متن يخته، ممّا أثار غضب ربّ البيت من ذلك الشخص وهاتَف العميد معتذراً وكان جواب كارلوس : “لا تغضب أو تبالي يا رزق لقد اعتدت على هذا الصنف من البشر”، ثم كان للعميد لقاء مع أهالي جارتنا شامات، حيت وجّه بعض المندسّين للعميد الجديد أسئلة تكاد تخلو من الذوق واللياقة والتهذيب، فاستفّزني الموضوع واستأذنت للكلام “إنّ شامات بالنسبة اليّ هي بمثابة حصارات، ومن يكرَّم هنا يكرَّم عندنا أيضاً، ومن يهان فكأنّه عندنا يهان، فنحن وإيّاكم”على دقّ الجرس”، وشامات اليوم ليست تلك التي أعرفها، لأنّني أعرف شامات المطران بولس عقل ،شامات الأستاذ جان الحواط وشامات الشاعر أنيس الفغالي… ومن يسأل العميد عن”بيروتيّته يا ليته سأل عمّه من قبله…” وقد بلغت تلك المداخلة دارة المطران بولس عقل،حيث أرسل رئيس الإتّحاد الدولي للمحامين الأستاذ أنطوان عقل وشقيقيه من اصطحبني للمشاركة في العشاء التكريميّ على شرف العميد كارلوس إدّه.

وقد حفر في ذاكرتي لقاءً آخراً في منزل المختار جوزف صقر في بيت حبّاق،بحضور المحامي الكتلويّ العتيق راوول فرجان،وكان رأيي مخالفاً لرأي بعض “المتفرنجين” الذين شجّعوا العميد على الإبتعاد عن الواجبات الإجتماعيّة، فأنت يا عميد بحاجة الى معرفة الجميع وهذا ما يتم عبر مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، وليس إدّعاء القيام بالتشريع فنحن بحاجة الى من يسمع صوت الناس ويلبّي احتياجاتهم، وهذا ما كان عليه ألعميد الراحل… الذي عرف كل مدينة أو قرية أو حي أو دسكرة…”

وكيف لي أن أنسى عندما لم يقم أحد النواب بالإيفاء بوعد قطعه لسيادة المطران الراعي وعلى مسمع أبناء الرعية، وذلك بالسعي لتعبيد الساحات امام كنيسة سيّدة البيدر، مما إضطرني الى الإتصال بالعميد إده الذي سعى لدى الوزير محمد الصفدي، وكان لنا ما أردنا، وما كان منا إلا أن قمنا بزيارة شكر للساعي في الصنائع مع كل من الخوري بيار الخوري والمختار موسى بولس والأستاذ كريم سعادة والزميل حنا سعادة .

وكيف لي أن أنسى يوم أرسل العميد كارلوس من يستقبلنا في رحلتنا إلى بلدة قبّ الياس البقاعية ،حيث شرّعت أمامنا دار الرئيس إميل إدّة التي أضحت كنيسة وقاعة رعوية.

وكانت زيارته للنسيب سمعان عاصي في أيامه الأخيرة كبلسم لأوجاعه الكبيرة.

وفي الختام لن أكتم بين ضلوعي مشاعر صادقة وإن رحّب بها بعد الأوفياء أو انزعجت منها بعض الوجوه المارقة،المهم أن يسجّل التاريخ ويدوّن الفكر ويحكي الواقع ويشهد الضمير.

نعم، لقد كانت لنا اعتراضات على محو رمزيّة منصب العميد من قاموس الحزب تحت ذريعة التطوير.

نعم كانت لنا ملاحظات على إدخال عنصر المتموّلين الجدد إلى هيكليّته وإعطائهم الأولويّة.

وكيف يترقب بعضهم بشوق وشغف، وينادي بالإنتخابات المقبلة وهو “ينظر إلى روما من فوق”!!

و تلك التحركات الإصلاحية التي ان كانت بريئة وصادقة نشجعها، ولكن نخاف أن تحمل في طياتها نوايا مبيّتة لمحاولة إطفاء وهج سباسي شاب انطلق من هذه المدرسة الوطنية وسجّل نجاحات تشهد له.وذلك لغايات في نفس…!! ؟؟

وأتساءل في النهاية:

هل انسحب العمبد كارلوس تدريجيا من عمادة الحزب وثم من اللجنة التنفيزيّة ليجعلنا نتأقلم مع انسحابه النهائي؟وهذا ما لا نتمناه أو نريده.

هل للكتلويّة من نكهة مميّزة في غياب العائلة الإدّاويّة؟

هل رزح العميد كارلوس اده تحت هذا الحِمل الوطني الكبير؟

أم هل دخل ناصع البياض إلى عالم السياسة ويريد الخروج منه بلون الفل؟

فغداً لناظره قريب والتاريخ وحده يحكم.

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!