غداة توقيع اتّفاق الطائف شعر المسيحيّون في لبنان، أنّهم على هامش الوطن، وراحوا يعيشون حالة إحباط. وهذا ما يجري منذ مدة في رعية حصارات، حيث يشعر غالبيّة المؤمنين فيها أنهم على هامش اهتمامات المرجعيّات الروحيّة، وبالتالي يعيشون حالة إحباط. وهذه الحالة لا ولم يتقبّلوها، فحاول بعض النواة من شبابها الخروج منها عبر إحياء الإحتفالات ومنها بمناسبة عيد الصليب، حيث يجتمع أبناء الرعيّة على المحبّة وعلى الإلفة، وكما اعتادوا تحت سنديانات مار يوحنا،وهذا ما كان يحصل في السابق، ممّا حدا بصاحب الغبطة إلى إطلاق إسم المدينة الشعبية على الرعيّة.
ولكن ما فاجأنا هو ذلك التصرّف العدائيّ والمنع التعسّفيّ والإنغلاق “الوقفيّ” والوقوف بوجه ذلك الإحتفال رغم محاولات الإتّصال المتكررة والموثّقة بأولئك القيّمين على الرعية، ورغم طلب الإستئذان ألمسبق ومن دون جواب. وهذا ما تعيشه الرعيّة ومنذ فترة ليست بقصيرة، حيث أنها تدور في حلقة مفرغة تسودها الوعود الرنّانة والمواعيد الملحقة والمتزامنة مع حملات تضليل وأكاذيب وتشويه الحقيقة من قبل من أضحى من “دعاة التفرقة” بدل أن يكون هو الجامع، وهذا ما عبّر عنه عدد لا يستهان به من أبناء حصارات بالقول: ” وهذا ما اختبرناه خلال فترته في الرعية، إذ أنه لم يعش المحبة وإن دعا إليها، ولم يعرف التواضع وإن وعظ به،ولكم تميّز بتمييزه في إلقاء التحيات حيث يتباخل هنا ويتكارم هناك، وهذا ما يُظهر عدم حياده بين أبنائه انما حياده عن مواهب الروح القدس، وإن خلافه ليس مع رعيّة بقدر ما هو مع جوهر ومعنى رسالته . ناهيك عن المتعاونين والمتضامنين معه والذين يدعون التنسيق وهم ينحون منحى الفريق”.
أمام كل ذلك ما كان على موقع قضاء جبيل إلا الولوج إلى عمق الرعيّة التي وكما أبدت من خلال العديد من أبنائها، أنه لم يبقى أمامها سوى سلاح الإيمان المزوّد بذخيرة الكلمة الحقّة، وهذا ما قاموا به من خلال البيان الصادر عنهم تحت عنوان :صليب رعية حصارات مجدداً، ولكن المعنيّين بدلاً من تغيير نهجهم الخاطئ في التعامل، التقوا في منزل أحدهم على” وليمة التشفّي” بإلغاء الإحتفال ورفع أنخاب الرياء، إضافة إلى تشويه الصفات الرائعة وتزوير النوايا الحسنة لأولئك الشباب والحد من اندفاعهم والتقليل من شأنهم وهم الذين يضحّون ويعملون. هذا فضلا عن أن أبناء الرعيّة ومنذ سنتين ينتظرون نتائج اليوم الطويل الذي أمضته في الرعيّة اللجنة القانونيّة المعيّنة من قبل سيادة المطران ميشال عون والمؤلّفة من نخبة من الكهنة الأجلّاء والذين يشهد لهم تاريخهم، ولا بد من أن اللجنة رفعت تقريرها وأن خلاصة التقرير تنشد الإيمان والأمان والعمران للرعية ولأبنائها، وحتى اليوم تم تجاهل كل ذلك وتبقى اللجنة مشكورة على ما قامت به .

وقصد موقع قضاء جبيل مكان الإحتفال الذي كان مقرّراً وفي الزمان المحدّد، حيث فوجئ بسهرة عفويّة وهي بمثابة وقفة احتجاجيّة لأبناء الرعيّة وحركة تضامنيّة مع شبيبة الرعية، وكانت السنديانات العتاق وكأنها تهلّل للرب وأصوات الموسيقى تستحيل صلاة، وراحت تمتزج الإبتسامات مع الحسرات لتقبّل السهرة ضوء القمر وتعانق فجر يوم جديد.
وكانت مواقف المغتربين الحصاراتيّين عبر أثير الحنين معبّرة عن ألمها وأسفها لما آلت إليه الرعيّة، وهم الذين طالما مدّوا، تلك الرعيّة بالتقديمات والتبرّعات ،وفي طليعتهم المغترب الياس شكراللّه يزبك الذي وجّه لسيادة المطران عون، رسالة وجدانيّة وجريئة وشديدة اللهجة في آن، ووضع إصبعه على الجرح ووصف مكامن الخلل مبيّنا أساسيّات المشكلة، ومتمنّياً على صاحب السيادة “العمل على إيجاد الحلول وكما عهدناك بعيداً عن الإنحياز والفوقيّة”.
وتبقى التساؤلات تزداد:
لماذا هذا التمادي في الإقتصاص من رعيّة طالما كانت منارة في الأبرشيّة؟
لماذا هذا الصمت عن كل ما يجري؟
لماذا التذرّع الدائم بالكورونا وبانقسام الرعيّة الذي ما كان يوماً على الكنيسة؟
لماذا إهمال تقرير اللجنة القانونيّة؟
لمذا اللجوء إلى خلق عداوة مع نخبة مؤمنة من شبيبة الرعيّة بدلاً من إحتضانها وتشجيعها؟
لماذا الإصغاء إلى أهل الفتنة وإهمال صوت الحقّ ؟
لماذا الإستمرار في نهج التسلّط والتفرّد والتشاوف؟
من هنا أن موقع قضاء جبيل ينقل صرخة أبناء حصارات كما دائماً فعل، وهم يقولون:” نحن نتوسّل ولا نتسوّل ونحن نتمنّى ولا نأمر” .
ونتطلع إلى نظرة عطف ومحبّة من صاحب الغبطة ونكرّر على مسامعه، ونناشده ليخلّصنا من تسلّط خدّامنا ومن استعباد أبنائنا. ونكرّر المطالب إلى صاحب السيادة في المساعدة والتعاون من أجل العودة بالمدينة الشعبيّة الى سابق عزّها.



