18.2 C
Byblos
Sunday, December 7, 2025
جبيلياتالسفير ميشال سلامه سلم "حقيبته" ورحل .

السفير ميشال سلامه سلم “حقيبته” ورحل .

بقلم-الاستاذ جورج كريم

نعى الاستاذ جورج كريم ناشر موقع ومجلة الروابط الراحل ابن مدينة جبيل السفير ميشال سلامة وكتب : كنتً في الموت والحياة كبيراً

هكذا المجد أولاً وأخيراً

ما حسبنا الزمان إن طالَ ما طالَ

يخطف ذاك “السفير” القدير

هوى “السفير” عن قمة الثلاثة والتسعين عاماً.

كان يسعى جاهداً صعوداً الى قمة المئوية وقد دخل مدارها بكل همّة وعافية وحيوية . متوكلا على الله ومتوكئا على رفقة عصاه . ولكن القدر الماكر عصاه فاستدار عليه وبالضربة الغادرة رماه . فقضى السفير ميشال سلامه على عتبة بيته في مصيفه عنايا.

هوى السفير ، ابن عمتي الدكتور ميشال سلامه الذي أحببت واحترمت وقدّرت.

رحل ابن عمة عائلتنا آل كريم وهو موضع افتخار كبارنا وصغارنا ، وابن عائلة جبيلية أصيلة عريقة بجذورها وتاريخها.

امتشقَ ميشال سلامه “سيف” العلم باكراً فحصّله مثابراً لدرجة الدكتوراه وتحصّن به مقارعاً على أدراج العلماء والققهاء.

على نور البدر وضوء الفجر كان يلاحق دروس الكتب ويتابع مطالعة الأدب . ذلك كان زمانه وزمان أقرانه ، وللعلم فيه عنوان واحد : كّد واجتهاد والرفيق كتاب.

حمل الإجازة في الحقوق وأتبعها بدرجه الدكتوراه وتقدّم من امتحانات السلك الخارجي ففاز بالمرتبة الأولى بين نحو من عشرين فائزاً .

بقي هذا الألمعي ميشال سلامه ، عقبة كأداء في تعيين الناجحين ورغبة المسؤولين بتخطّيه بفعل وساطات النافذين وزبائنية التعيين ، وهو لا حول له ولا قوة امام احتكار المناصب العليا في تلك الأيام من قبل “البيوتات” السياسية ، ولاحقا من قبل الأحزاب الميليشياوية ، وجعلوه “كالحجر الذي رذله البناؤون” .. ولكنه ، صار “حجر الزاوية” في التعيين عند وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس الذي بعد أن قابله ممتحناً علمه وكفاءته ، عدل وأنصفه تعييناً وتكريماً، وبقي على محبته وصداقته له طوال حياته.

السفير ميشال سلامه وجه جبيلي عالم فقيه . رقيق الظل ، هادئ الطبع ، ناعم الوقع ، أنيس المجلس .

هذا السفير ” السلامي” كان لطيفاً في التماس القصد الى أن يبلغ الجوزاء مثابرة ومتابعة.

خفيف الروح ، نقاد برفق ، يُبصر بالعيوب ولا يعيب . وفيه خلائق ليس فيها ما يريب.

كان في مودته واحداً في البعد وفي القرب . قوله في نفس سامعه طيّب كالمورد العذب. وقد زانته آداب رقيقات وأخلاق صلاب ، وفيه لطف الحديث وظرفه في السؤال وفي الجواب.

دخل وزارة الخارجية برتبة “ملحق ” ، ثم راح يتسلق درجات الوظيفة بسرعة الى رتبة سفير ، متنقلاً بين كوبا والأرجنتين وموسكو والمكسيك وكوناكري وبراغ ولاغوس وغيرها . مديراً للدائرة الإقتصادية وأميناً عاماً بالوكالة في وزارة الخارجية ، وكان حيث حلّ موضع احترام المغتربين وتمتين صلات العلاقات الدولية مع دولة لبنان.

ميشال سلامه عنوان العلم والكفاءة والحنكة ونظافة الكف ورفعة الجبين في السلك الخارجي لوزراة الخارجية.

جبيلي غيور وأنوف . كان نقطة ارتكاز “الدائرة ” الجبيلية . فهو على مسافة واحدة من الجميع في المحبة والمودة وكلمة السواء.

أما في الموقف والرأي فكان إبرة الميزان .لا ” تطبش” كفة على كفة إلا بالحق والعدل والصواب.

رحل السفير الدكتور ميشال سلامه فَغَربُ نجم من نجوم الديبلوماسية . وخسرت مدينة جببل عالما من علمائها وحكيما من حكمائها ، وارتحل عن بلاد جبيل وجها من وجوه أبنائها الميامين المجلين .

كان رحمه الله ، ديبلوماسيا وبروتوكوليا بطبعه قبل ان يتطبع بعلم وقواعد وظيفته . لم يعل لو صوت في بيته ولا ارتفعت له نبرة في عمله . في مدرسته كان الرصين وفي مدينته كان الرزين ، وفي صداقاته كان الأمين .

في السراء والضراء ، في الأفراح والأتراح، في الحاجات والمطالب وقف الى جانب اشقائه وشقيقتيه وعيالهم بكل تضحية وتفان وعطاء .

بخفر كان يقدم المساعدة .

بتواضع كان يقدم الهدية .

بصمت كان يلبي الحاجة .

يعطي قبل ان يسأل ولا يسأل . يساره لا تعرف ما تعطيه يمينه عملا بقول السيد المسيح ، له المجد .

حمل الحب والعطف والحنان الى كل واحد منهم . رعاهم في المدارس والجامعات وميادين العمل حتى يشتد ساعدهم . وكان فخورا بهم ، بعلمهم وأخلاقهم وسلوكهم وموقعهم ببن اصدقائهم ومعارفهم وزملائهم ومجتمعهم . وبادلوه بكل الحب والاحترام والوفاء والعرفان بالجميل . وكان لهم مرجعا ومشورة وقامة اعتزاز وافتخار .

هي الدنيا في حكمتها العَجَب العجاب. قد يظفر الجانون فيها بالكرامة والثواب وعلى رؤوس الصالحين قد يقع العقاب . فسلام الله عليك يا ابن بيت طهرت خلائقه ولم توصم بأي عاب. عزيزاً على القوم للذين وددتهم وودوك تنأى اليوم عنهم وبغير إياب.

عزيزاً على نسل أخوالك في الحضور وفي الغياب، وفي استذكار زياراتك لبيوتهم بشمائلك الغرّاء العذاب.

رحمات الله عليك يا سعادة السفير…

يوم سئل الإمام علي (عليه السلام): هل هناك شيء أعظم من الموت. قال : نعم ، فراق الأحبّة”.

لا نخاف الموت إلاّ لأنه يبعد الأحبّة عنّا بُعاد لا التقاء بعده. ويفصلنا عمن نحب انفصالاً لا رجوع اليه. وما عدا ذلك فأهلاً متى جاء وساعة يشاء.

رحمات الله يا ابن عمتي العزيز السفير الدكتور ميشال سلامه.

لن أنسى أبداً محبتك ونصائحك وأنا في الصفوف الثانوية، ودعوتك لي بدوام الدرس والعلم والمطالعة والتثقف . ما زلت احتفظ بأقدم رسائلك من سفارتك في موسكو الأولى مؤرخة بتاريخ 4 آب 1958 والثانية بتاريخ 8 أيلول 1958، وتحثني فيهما كما في غيرهما على الدرس والمطالعة ، وسؤالك الدائم عن احوال أخوالك حنا ويوسف وبطرس وعيالهم.

” عاشروا الناس معاشرة إن بعدتم حنّوا اليكم وإن مُتّم بكوا عليكم”.

نحن اليك اليوم ونبكيك يا أعزّ الراحلين . ” وإن العين لتدمع والقلب ليوجع ، وإنا على فراقك يا ميشال لمحزونون ” .

رحمات الله عليك خالدا بين الأبرار والصالحين .

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!