14.4 C
Byblos
Friday, December 19, 2025
أبرز العناوينإنسانِ بثَمنِ حيوان في قريَةِ زَنوبيا

إنسانِ بثَمنِ حيوان في قريَةِ زَنوبيا

الخوري الدكتور طوني الخوري

  في قرية زَنوبيا، وزَنوبيا اسمٌ مُستعار لكلِّ قريَةٍ ومدينة لبنانية ينشط فيها سماسرة المُرَشّحين للإنتخابات، على تنوّعها، لشراء الأصوات. والصوتُ بالمفهوم السّياسي للكَلِمة هو مُنتَخِب، وبالمفهوم الفلسفي هو شخص، وبالمفهوم الدّيني هو إنسان. وفي قريةِ زَنوبيا، ينشَطُ شراء الإنسان.

    أما السّعر المُفترض للصّوت، للمُنتَخِبِ، للشخص، للإنسان، فإنّه، أقلُّ من سِعر حيوان، وبالتوسُّع، أخجَلُ من القول بأنَّ سِعر بعض الحيوانات أغلى!  نعم، في قرية زَنوبيا يُشترى الإنسان بسِعر حيوان رخيص. وعلى الرغم من أن هذا الأمر غير جائزٍ أخلاقيّاً ولا دينيّاً ولا سياسياً، ذلك أنَّ القواعد التي تتحكم بالثلاثة تمنع هذا الفعل القبيح، يبقى مِن المُرَشّحين مَن يُصِرُّ على الشّراء، ويبقى مِن المُنتخِبين مَن يُصِرُّ على البيع.

    وبين المُرَشَّح الشّاري والمُنتخِب البائع أوجه شبه؛ فالأول ساقِط والثاني ساقِط. الأوَّل مُحتَقِر والثاني قانِع. الأول ينظُرُ إلى الإنسان من زاوية الأشياء أي كَمِثل أيِّ شيء موجود، وفي هذه الحالة لَن يكون للإنسان بنظره سوى قيمة بَخسة، وبالتالي قابلاً للتقويم بسعرٍ مُعَيَّن، على ما يقول الفيلسوف إيمانويل كانطKant ، وهو ما يُفسّر جُرأة بعضِ المُرشّحين على بعضِ المُنتخِبين. والثاني يعيش حالة “الإغتراب السّلبي”، التي تجعله يُقارب الأمور من زاوية المنفعة والرّبح، ولو على حِساب القيمة والمعيار؛ فالقيم السائدة غير ذات معنى إلا بقدر ارتباطها بالمكاسب والأرباح.

    في مفهوم الفيلسوف كانط، إنَّ الخاصيّة التي يتميَّز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، والتي يستحقُّ من خلالها لَقَب “شخص”، هي الخاصيّة الأَخلاقيّة. وهذه الخاصيّة تُشكّل المعيار الذي تُحَدَّد من خلاله قيمة الشّخص السّامية التي تجعله فوق الثّمن المادّي، وغايةً في ذاته يمتلك كرامة تفرض على الآخرين احترامه، والتعامل معه على قاعدة المساواة. ومتى تَدهورت الخاصيّة الأخلاقية، تدهورت معها القيمة، وأثّرت بشكلٍ مباشر على نظرة الإنسان إلى ذاته وإلى الآخر، وبات كُلُّ شيء عُرضةً للإبتذال، حتى الإنسان نفسه.

   ولكي يبقى الإنسان شخصاً له ما له من كرامة ترفعه وتُميّزه عن سائر الكائنات. ولكي لا يفقد صوت الإنسان قُدرته على التأثير الإيجابي في القضايا ذات الصّلة به وبحياته ومُستقبله. يجدُر بالمُرَشَّح الشّاري أن يتوب عن شراء الإنسان، وبالمُنتخِب البائع أن يتوب عن بيع نفسه، وبالدولة أن تقتصَّ من هذا وذاك ومن الوسيط بينهما، لئلا يسقُط عنوان “السّياسة فنّ شريف في خدمة الإنسان”، وتسقُط الدولة الفاضلة القادرة على رِعاية الإنسان، ذلِك أنَّ مَن يشتري الإنسان بثمن حيوان، سُرعان ما سيبيعُه بثمن حيوان!

نقلاً عن النشرة

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!