كتب الأستاذ رفيق أبي يونس في النهار : فقَدنا الكثيرَ من الاعزَّاءِ، وحَزِنَّا على الأكثرِ، من الذين تَصَيَّدهم الموتُ، على غير موعد.
شادي الكريْدي، بسقوطِه فوقَ أعالي جبال الألب، مع زميله طارق طيَّاح، جسَّد مأساةً، يكفي نصفُها حتّى تتوالى الأسئلة، عمّا اذا كانت الحياةُ شُبهةً والموتُ حقًّا.
لِنبتعد مسافةً عن هذه المُراوحة في داخلنا، بين العقلِ والروحِ، والتي تُحيلُ الضوءَ إذا ما وُجدَ، ظلامًا فوق ظلام!
المأساةُ، ليست فقط لأنّ شادي قضى، في مكانٍ لا جوارَ له غير المجهول. بل انّها كيف قضى؟ سؤالٌ ما زال يسكن أهله ومُحبّيه، وهو أشدُّ إيلامًا من الموت، الذي تدُورُ دورته، دون ادراكنا على تحديد اتجاهاته.
والمأساة أيضا، ليست فقط في أن شادي تركَ وراءه، أمًّا ثكلى وزوجةً مفجوعةً، وأطفالَ عائلتيْنِ، عائلته وعائلة أخيه المهندس صخر، الذي كان قد قضى بحادثٍ أليمٍ، بل انَّها تَتَجسَّد بِفائضِ الألمِ، عند هذه العائلة بعد غياب شادي.
الخسارةُ ايضًا، هي في وجه الرهان، على أنَّ شادي كان مَحَطَّ التلاقي، بين كل الذين يؤشّرون على رمزٍ، للعِصاميَّة والرَّصانة والنُخبويّة، في بيئةٍ يَصعب فيها الإجماع على المُتميِّزين، سيَّما الذين لا يُبهرهُم تميُّزَهم، ولا يستسيغون الزوائدَ والحواشيَ في الحياة الخاصَّة والعَّامة. قدّمَ شادي الكريْدي، من خارجِ المألوف، في بلدات جبل لبنان، أُنموذجًا على الإلتزام السياسي، يُجافي عداواتِ الافرادَ والعائلات. كان انفتاحُه على كلِّ آخر محكومًا بقبولِ النقدِ والتسليم بنتيجة كلِّ حوارٍ مُجدٍ. لم يسكنْه يومًا ضيق الإلتزام وعصبيَّة الفئة. كلَّما كان يقتربُ من دورٍ رائدٍ، في الادارة المحليّة في بلدته العاقورة، كان يُطالبنا بالاجماع على هذا الدور، ليس لأنّه غير مِقدامٍ، بل لانه كان يعتقد وهو محقٌّ، انَّ الادارة المحليَّة في بلدته، تحتاج الى جُهدٍ تأسيسيٍّ، يحتاج بدوره الى إجماع. هذا ما تمسّك به في آخر لقاءٍ لنا معه، دون ان يُسقطَ استعدادَه للمشاركة على أيّ مستوىً مختلف ومُجدٍ.
الحبيب شادي الكريدي، الطليعيُّ والخلوقُ في بلدته، المقتدرُ في الهندسة والادارة في عمله، مصيبةُ فقدانه، تبقى مقتطفًا يرمزُ الى مآسي اللبنانيّين، الموزَّعة على كلِّ المدن والبلدات.

