أصبح هناك داع للهلع… لحظة وصول وباء كورونا الى بيوتهم مستنفراً، لحظة شعورهم بخطر العدوى يدهمهم ، وخوفهم على حياتهم وسلامة عائلاتهم، أسرع المسؤولون السياسيون لاجراء فحوص PCR للتأكد مما اذا كانت صحّتهم بخير، البعض أعلن ذلك والبعض الآخر ربّما فضّل التكتم عن الأمر.
جميعهم تمكنوا من اجراء فحوص PCR بسهولة، فلم يشعروا بالقلق حول ما اذا كانت رواتبهم تكفيهم حتى نهاية الشهر بعد اجراء الفحص، ولم يشعروا بضغط وصعوبة الاختيار بين ضرورة شراء الخبز والطعام خوفاً على عائلاتهم من الجوع أو أهمية اجراء الفحص خوفاً على عائلاتهم من المرض الذي قد ينقلونه الى محيطهم.
انها غريزة البقاء على قيد الحياة التي دفعتهم الى صبّ اهتمامهم وتفكيرهم على اجراء الفحص دون سواه، لكن وضعهم المعيشي هو الذي جعلهم ينسون أمورا أخرى، على عكس المواطنين “العاديين”.
ومع ذلك، فان اجراء الفحوص بالنسبة للمسؤولين وان كان سهلا، الا أن انتظار النتائج صعب على الجميع من دون استثناء، وكفيل باستنزاف الصبر والبرودة، اللذين عُرف هؤلاء بهما خصوصاً أمام المشاهد المروّعة لوجع المواطنين وانتحارهم اليومي… ولكن، ماذا لو أجروا فحوص ضمائر؟ هل ستكون النتائج سلبية أيضا، انما تشير هذه المرة الى موت الضمائر؟ أم أنها ستكون ايجابية لدى البعض تبشّر بـ”القليل من الضمير”؟، كونه من الصعب جدا ان تكون جميعها ايجابية.
الحياة تليق بالفقراء كما الاغنياء…
نعم، الحياة من حق هؤلاء المسؤولين ونتائج فحوصهم السلبية بُشرى – على الأقل لمحبّيهم – لكن الحياة ايضا من حق المواطن الذي يتراجع وضعه الاجتماعي والاقتصادي يوما بعد يوم، فيخسر حياته او أحد أحبائه بسبب هذا الوضع في الكثير من الاحيان، اما لعدم القدرة على تحمل تكاليف مستشفى أو لعدم القدرة على شراء دواء… الشعب اللبناني الذي يعيش حرباً يومية مع نفسه وظروف عيشه من أجل البقاء والاستمرار يستحق حياة كريمة تخوّله على الأقل الاهتمام بصحّته بشكل كافٍ، من دون أن يدفع الثمن في المقابل، حرماناً من أشياء أخرى.
نعم، الحياة تليق بالفقراء كما الاغنياء او الذين اصبحوا أغنياء على حساب الطبقات الفقيرة.
واليوم ومن دون مكابرة، لبنان، بجميع فئاته، يصلّي ويطلب، فلا مفر… انه فيروس لا يميّز ولا تغريه الوساطات ولا الرشاوى ولا يخاف طرفاً ولا يأخذ تعليمات من احد. فيروس متحرر من كل قيود، لا يخاف قتله بل يتجرأ على القتل. فيروس تمرّد على الجميع، حتى انه لربما دخل الى النفوس بدل الاجساد أحياناً، ففي لحظة سبقت صدور نتائج الفحوص، قد يكون هذا الفيروس تمكّن من جعل ضمائر، سبق لها ان نامت أو ماتت، تستيقظ مجددا وتتذكر شاباً انتحر يأساً أو طفلاً مات جوعاً أو أباً فقد أملاً، وربما لبرهة جعل هذه الضمائر تندم وتعد بالتغيير الفعلي.
حان الوقت ليصحو الضمير لدى كل “متفرّج”، وليعمل على ترميم ما هُدم من لبنان ان كان مسؤولا عن الدمار فيه ام لا، وآن الاوان لتعويض ما نُهب من المواطن الذي يحمل صخورا صلبة على ظهره تكاد تسقط وتقتله قبل فيروس كورونا!
آن الاوان، لتعود السعادة التي سُرقت من المواطن، فنصف الصحة سعادة ونصفها الآخر اهتمام، وبين الهموم وغياب الاهتمام وانعدام الضمير… للأسف، فُقدت أرواح كثيرة.

