17.8 C
Byblos
Monday, December 8, 2025
جبيلياتأندرو جوزف أبي حنا...شهيد أحلك الأزمان في عمر الريعان

أندرو جوزف أبي حنا…شهيد أحلك الأزمان في عمر الريعان

بقلم الأستاذ غانم إسطفان عاصي

بالأمس سكت الكلام وإغتيلت الأحلام وساد الوجوم على وجوه الأنام..

بالأمس راحت العيون تحكي والشفاه تبكي،وأنا على أكتاف الوداع “أتكي”.

بالأمس ورغم سطوع الشمس،كانت الأجواء داكنة،وكانت الكٱبة على متن سفينة الرحيل المبكر مشحونة وشاحنة، وألوان الحداد في الأمكنة وبين الأضلع ساكنة، بفقدان من هو من نخبة الشباب، ومنهو سليل أعرق العائلات، على أثر إنقلاب الشاحنة.

وتعمشقت على الجدران، وتغلغلت في الوجدان صور فقيد الشباب وشهيد أحلك الأزمان،أنها صور ملك الوسامة،الممشوق القامة ،والمرفوع الهامة،والناضح بالإبتسامة،ورغم جماليّة تلك الصور الحاكية فلقد صُبغت العيون بالسواد ،وسالت من ألوانها عتمة المداد.

وحلّ باكرا موعد المغيب،حيث غربت سنوات ذلك العمر الرطيب،ورمى الأهل والقى الأحبّة في مستنقع كئيب، وغاب ذلك البطل الذي على قلوب الجميع حبيب، وكان ذلك المأتم المهيب الذي لم تشهد له مثيلًا منطقتنا منذ الجائحة وحتى هذا الزمن الغريب والعجيب. إنها التعزية من جمع مشيّع غفير ،وبمواساة جمهور مشارك كبير، إنها البذار التي نثرها والد فقيد الشباب، الصديق جوزف، في حقول هذه الحياة، حتى غدا رائدا مميّزا من روّاد الواجبات.

وهكذا وكما عشّشت الأوجاع في القلوب فقد إفترشت الدروب، ووسط هذه الفاجعة والمراسم القاتمة وجدت الأضواء عاتمة، وبعد أن شاركت في الجنازة، عدت أدباري إلى هدأة دياري،وراحت الكلمات تنهمر من أفكاري، في جوّ ملبّد بغيوم تكوّنت من حنوّ الوالدة وصرخة الوالد، ومن جرحة الأشقّاء وحسرة الأصدقاء ومن غصّة الأقرباء.

والإنسان الجيّد لا يرث عن أهله “الأوادم” الأموال والعقارات فحسب، بل المزايا والصفات،وإذا كان “الولد سرّ أبيه” فإن أندرو هو إبن ذلك الصديق جوزف الذي ورث عن والده وجدّه مشروع تصنيع وبيع ونقل مواد البناء وتابع مسيرتهما ومسيرة أعمامه ،وهكذا ما عمل يوما للهدم بل للبناء. وإني لشاهد على بعض مساهماته ومساعداته ودعمه للمشاريع العمرانيّة وخاصة للدينيّة منها.

والذي يهتمّ بأهله وبمجتمعه ليس من الصعب عليه الإهتمام والإعتناء بعائلته، وبالتعاون مع زوجته الفاضلة أمّن لتلك العائلة أحسن سبل العيش وأرقى درجات العلم،وهذا ما حاز عليه أندرو وأشقاؤه ،فنال أعلى الشهادات ،ولكنه وبكل أسف عاش في وطن وفي زمن أُعدمت فيهما فرص العمل ،وأوصدت أبواب المستقبل،وأضحت هجرة الأدمغة والشباب هي السبيل للهروب من الواقع،ولكن أندرو جمع بين النجاح والكفاح، وبين عرق الجبين ورفعة الجبين ،ورضي بالواقع المرّ على وقع الأمل بالغد ، وباشر العمل مع والده ودأب على مساعدتهم في مشروعه، وبعد أن أوصدت أمامه دروب الحياة، شُرّعت أمامه أبواب السماء، هو الذي خطّ أسطرًا من الجمال في أروع الحكايات، وهو الذي رسم لوحة حياتيّة من أجمل اللّوحات،فجعل المعول يعانق اليراع والساعد المتين يلاقي العلم المبين،وسقط في ميدان الكدّ والجهاد، ولم يسقط أمام حانة ليليّة ،أو بسبب سرعة جنونيّة ،أو أثناء نزوة آنيّة أو خلال سكرة شبابيّة….هو الذي إمتاز “بهضامته وزوغته” باندفاعه وهمّته، بعطر حضوره وسرعة مروره وعجقة حبوره،هو الذي عمّق صداقاته ووثّق علاقاته ولم ينجرّ وراء نزواته، الى أن هاجمه القدر وهو في عمر الرياحين ليخطفه من أروع البساتين من بين أشقّائه وهو في الرابعة والعشرين وليرديه على طريق غرفين، وغاب أندرو الوسيم والمثقّف والفهيم والمؤدّب والمستقيم،ورحل جمالي القسمات وثاقب النظرات، وقصرت درب الفتى الطيّب القلب والمليء بالإنسانيةوالحب، وأغمض عينيه عن حياة لم تكتمل، تاركًا جراحات لا ولن تندمل.وكان صخب عبوره أشدّ وطأة من صخب حضوره، ومفارقًا الأهل الباكين والحائرين والتائهين ، رغم أنّهم من أبناء الرجاء و المؤمنين، ومغادرًا أصدقاءً ورفاقًا، في أتون نار الفراق غارقين..

وبينما الحزن والأسى يلفّ أهل الأرض وسط الدموع والشموع، فإن الملائكة بأحرّ الشوق للإستقبال مع أهل السماء.

فللوالد وللوالدة وللأشقّاء وسائر الأهل والأصدقاء ولأبناء الراموط-المزرعة وساقية الخيط الأعزّاء أسمى آيات العزاء.

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!