يشكو المرضى مؤخراً من أزمة انقطاع أدوية الأعصاب الضروريّة من الأسواق، فيما يتوافر أحياناً “الجينيريك” بأسعار مضاعفة وبالدولار حصراً.
وللتوضيح، تُقسّم الأدوية إلى فئتَين: المدعومة التي لا تزال وزارة الصحة تُغطّي نسبة ضئيلة منها، وغير المدعومة التي تتوافر بشكل دائم إجمالاً بالصيدليات لأنّ استيرادها مرتبط إمّا بالمستورد أو المصنّع خارجاً. والسؤال الأبرز اليوم هو: وفقاً لتصريح وزير الصحّة فراس الأبيض والجهات المعنيّة، فإن استيراد الأدوية قائم وبحركة كثيفة مقارنة بالسنوات الماضية، وبالتالي من المفترض أن يتوافر في الصيدليات بشكل طبيعيّ، فكيف تحوّل إلى سوق سوداء لمَن “يدفع أكثر”؟.
يكشف “ديلر” الأدويّة (ج. م.) لـ”المدن” طرق التهريب والتسليم بالتفصيل. “يظنّون أنّنا نسرق المواطن، بينما نحن نقوم بما عجِزت الدولة عن فعله، وهو تأمين الدواء للمريض، ومن حقّنا تسعيره وفقاً لتكلفة الشحن والشراء من الخارج”. يُبرّر “الديلر” عمله غير القانونيّ بكلام منمّق، وكأنّه يحاول تلميع صورته المشوّهة أساساً ، فلا سبب يغفر لأيّ شخص فرض رسوم بالدولار الأميركيّ وبأطر مشبوهة مقابل تقديم خدمة أو مساعدة من المفترض أن تكون مجانيّة ومؤمّنة أساساً له كمواطن.
في حديثه، يشرح “الديلر” أن “المعادلة الفارقة تكمن في التركيبة الكيميائية للدواء وليس بالاسم التجاريّ الموجود على العلبة، وهنا يأتي دورنا في تأمين هذه العلبة وتوصيلها إلى الصيدليات أو الأفراد الذين يتّصلون بنا، أو يتواصلون معنا “أونلاين” بعد التأكّد من هويّتهم، ليتمّ تسديد نصف ثمن الدواء بالدولار “الفريش” حصراً قبل التسليم والباقي بعده. أمّا مدّة التأمين تتراوح بين الأسبوع والـ10 أيّام وفقاً لمواعيد السفر أو وصول المندوب من الخارج”.
يخشى المهرّب التعامل مع أيّ مركز تحويل ماليّ معتمد، خوفاً من كشف هويّته وملاحقته قانونياً، ليبقى التخطيط “تحت الطاولة” خياره الأقل خطورة لحين تسلّم الأدويّة ومن ثمّ توزيعها “علناً” في غياب الرقابة.
معظم الأطباء لا يقبلون وصف أيّ دواء لا تتماشى معاييره مع مواصفات الوزارة، نظراً لأضراره الجانبيّة ولو بنسب ضئيلة على المرضى، ناهيك عن أنّ الدواء المهرّب عادةً لا يخضع للرقابة أو للتحليل المخبريّ للتأكّد من فعاليّته وجودته، وبالتالي توجّههم يكون نحو الأدويّة البديلة أو العلاج النفسيّ، ريثما تُحلّ الأزمة.
سلّوم يُحذّر من “التهريب”: الدواء ليس سلعة!
في سياق متّصل، يُشدّد نقيب الصيادلة جو سلّوم لـ”المدن” على أنّ “نسبة الطلب على أدويّة الأعصاب ارتفعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة نظراً للسوداويّة القاتمة المخيّمة على البلد، إلّا أن الحصول عليه يتفاوت بين الأشخاص ويخضع لعنصرَيْن أساسيَيْن: فحص الطبيب وسعر الدواء”، مشيراً إلى أنّ “تكلفة زيارة الاختصاصيّ أو الطبيب للحصول على ورقة تخوّل حاملها شراء الدواء باتت مرتفعة جداً ومحصورة بفئة معيّنة من الشعب، أمّا الأسعار فحدّث ولا حرج، إذ تُحلّق مع ارتفاع الدولار، وتُحافظ على مستوياتها العاليّة حتّى بعد انخفاضه. كما أنّنا نواجه خطراً أكبر وهو التهريب من سوريا وتركيا وإيران وغيرها من البلدان عبر المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة، كما “تجّار الشنطة”، على الرغم من الجهود الكبيرة التي نبذلها عبر توعية الصيادلة والقيام بجولات يوميّة على الصيدليات للتأكّد من مصادر الأدوية”.
“الدواء ليس سلعة”، يؤكّد النقيب، الذي يرى أن “ما يحصل على أرض الواقع غير منصف ولا شرعيّ”، معبّراً عن “رفضه الشخصيّ لآلية الدولرة التي يُتداول بها لأنّها تحتاج إلى دراسة معمّقة وأبحاث ميدانيّة قبل المضي بها، غير أنّه لن يُمانع حصولها إذا كانت الخيار الوحيد لحلّ المعضلة وتأمين أدوية الأعصاب والمهدئات المقطوعة مثل “برينتيليكس” المضادّ للاكتئاب”.
انقطاع أو فقدان؟ النتيجة واحدة. والضحيّة القسم الأكبر من الناس، إذْ تحولّت أزمة الدواء إلى “الشغل الشاغل” للبنانيين.

