شيءٌ ما قد تغيّر فيه. مرحه؟ تفاؤله؟ يجيب: أعرف أن شيئاً ما في داخلي قد إنتهى. هو نهل السيرة الكتلوية مع الرضاعة وكبر مشحوناً بشؤون وشجون حزب إميل وريمون إده. ويوم زار إميل إده جبيل لاقاه طفلا وهتف له: «أهلا وسهلا فخامة الرئيس» وقبض الثمن ربع ليرة. حظه لا يتجاوز الـ 10 في المئة. وصلت لقمة النيابة الى فمه وعاد وخسرها وتشظّت معها علاقته بالعميد… وبزياد إبن شقيقه حليم… إنه سليل بيت حواط في جبيل، التقليدي في الأداء، الخصب في الأفكار، المستريح في دائرة الراحة الخاصة به، وآخر أمين عام منتخب في حزب الكتلة الوطنية، وحامل البطاقة الحزبية المنتهية الصلاحية. إنه أحد آخر الكتلويين الأصيلين جان حواط.
وجه زوجته جانيت، رئيسة جمعية مارمنصور دو بول، منحوتٌ في حديقة البيت. تلاقي الزوار في فيء شجرة الغاردينيا العملاقة. نلقي التحية. ونقرع الباب. نرتشف الليموناضة الجبلية ونحن نصغي إليه يُحدثنا عن ستّ البيت التي غابت قبل عام: «تزوجنا في العام 1966. عانت من ألم في الظهر. أخذتها الى أشهر طبيب في الجامعة الأميركية في بيروت. أخذتها الى أشهر الأطباء في مستشفى سان مارتين التي يملكها صهري الدكتور جوزف الشامي. وبعد مرور وقت شخّص طبيب عظام حالتها الحقيقية: فقر شديد مزمن في الدم تسبب بانفصال في سنسلة الظهر. ماتت جانيت. ولم أتمكن صدقاً من تحمّل موتها. أعرف أن هذه هي الحياة لكني حاولت أن أنسى ولم أستطع. خسرتُ الكثير من طبعي. وأعرف أن شيئاً في داخلي انتهى».
«أصل العائلة من ضيعة فوق جبيل هي شامات، لكن الوالد نسيب، نزل الى مدينة جبيل عام 1911 واستقرّ نهائياً فيها»، يضيف حواط «والدتي من هنا أيضا. والدها هو يوسف الشعار صفير كان وجيهاً لمدينة جبيل والمنطقة. ونحن ثمانية أولاد، ثلاثة صبيان وخمس بنات. أنا حللت في الوسط بين الصبيان. جوزف الكبير، أنا، وحليم – والد النائب زياد حواط – الأصغر. مات جوزف وحليم (يبلع ريقه ويتابع). عشنا طفولة طبيعية. كنا نذهب الى مدرسة الفرير، تعلمتُ النظام هناك. كنا نصل في تمام السادسة صباحا الى المدرسة. نراجع الدروس ساعة. ندخل الى الكنيسة 45 دقيقة. نأخذ فرصة ربع ساعة. وتنطلق الدروس في تمام الثامنة صباحاً. هكذا عشنا. كنا نذهب الى المدرسة على ضوء قنديل الكاز، ولا نصادف في طريقنا حتى بصبوص بو فعالة (سراج الليل). كنت أمسك يد حليم الذي يصغرني بخمسة أعوام».

ريمون إده والمقاطعة الدائمة
الوالد وإميل إده
يتأثر جان حواط بكل كلمة يقولها. ينفعل. يتذكر ويبدو وهو يروي سيرته مشتاقاً الى تفاصيلها. يرتشف القهوة ويتابع: «والدي نسيب هو رفيق الرئيس إميل إده وأسس معه حزب الكتلة الوطنية. حين تعرّف والدي على إده عام 1933 لم أكن قد ولدت. إلتقاه يوم كان يبحث عن محام يساعده في دعوى ضدّ الريجي- إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية. كان والدي يملك معامل دخان كبيرة. أصدقاؤه من بيت قاصوف وأبو هيلا وأندراوس كانوا مثله أيضاً. صدر مرسوم من المفوض السامي بإلغاء معامل التبغ الخاصة بالناس العاديين. أوقفوا المعامل. فاجتمع أصحاب المعامل في جبيل وقرروا توكيل محام شاطر. وذهبوا الى اثنين، بشارة الخوري وإميل إده، ولاحقوا وتابعوا مع إده الذي كان صريحاً جداً معهم وقال لهم: قرار المفوض السامي غير قابل للطعن. فلا تتكبدوا أموالاً بلا فائدة. وأخبرني والدي أنه توجه إليه بالقول: يا ابني نسيب، نحن أولاد بلدان خاضعة الى القوى العظمى. نحن محكومون بالخسارة، لذا شدوا أنفسكم وفتشوا عن عمل جديد. والله سيوفقكم».
هذا هو لبنان. وتلك كانت البداية. أصبح والد جان حواط صديقا لإميل إده. بيوت القاصوف وأبو هيلا وأندراوس تقربوا أيضا من إده وانضووا لاحقاً جميعاً في حزب الكتلة الوطنية. ويقول «في العام 1936 أصبح إميل إده رئيسا للجمهورية اللبنانية. إعتمد والدي في بلاد جبيل والبترون لمعالجة قضايا مزارعي القمح والتبغ. ويستطرد: كانوا يعتمدون نظام الإعاشة للقمح ونظام الريجي. وأوكل إده الى والدي جهاز هاتين الآليتين التجاريتين الصناعيتين في المنطقة كونه يفهم في الدخان وفي القمح أيضا. فهو أنشأ طاحونة الحواط والمبنى ما زال موجوداً حتى الآن بقناطره وحجارته الرملية. وزياد (النائب زياد حواط) حوله الى مكتب له».

مع عائلته في أحضان مار شربل
ولد جان حواط في العام 1939. وكان عمره أربعة أعوام يوم زارهم إميل إده في جبيل. ويقول: كان يقتضي الوصول الى منزل والدي المجاوز لمنزلي الحالي صعود 22 درجة. وأتذكر أن والدي أوقفني عند المدخل وقال لي: فور وصول الرئيس قل له: «أهلاً وسهلاً فخامة الرئيس وسأعطيك ربع ليرة». أراد تشجيعي (يضحك). فعلتُ ذلك. فحملني فخامته وصعد بي على الدرج وقال لي: وكيف عرفت يا حلو أنني رئيس؟ أجبته: البابا نسيب أخبرني».
هل نفهم من كل تلك التفاصيل أن جان حواط ولد كتلوياً؟
يؤكد ذلك شارحاً «كانت تجتمع المدينة كلها في منزلنا حين ينجح أو يتصرف أو يطلب إميل إده. عشنا تلك الأجواء يومياً قبل أن ينشأ الحزب وتصبح هناك كتلة. كان إميل إده في يومياتنا. ويوم توفي في 27 أيلول عام 1949 شعرنا بتعاسة كبيرة. مات من الحزن. قتلوه لشدة ما أساؤوا إليه. كان يريد أن يبني وطنا فحاربوه».

جان حواط وابنه نسيب مع البطريرك الراعي
إنتسب بعمر 17 عاماً رسمياً الى حزب الكتلة الوطنية. ويقول «لم نكن ننتبه الى ضرورة الإنتساب ولا الى وجود عمل حزبي غير العمل السياسي. وأتذكر أنه يوم انتقلت الى مدرسة الفرير في الجميزة، وكنت طالب فلسفة، كان بيت الحزب على مقربة من مدرستي. كنا نجتمع مساء هناك طلاب الفرير وطالبات العازارية. والشباب، كما تعلمون، يبنون مع الأيام نظريات جديدة في السياسة. إميل إده لم يكن يقبل أي نظرية لا تأتلف مع القومية اللبنانية. صحيح أنه كان يتمنى لو يبقى لبنان مدة أطول مع الفرنسيين كي نتمكن بعدها من تعلم بناء أسس الدولة لكنه لم يقل يوماً إننا في لبنان مجموعة عائلات بل كان يؤكد أن القومية اللبنانية عامل مهم للوحدة الوطنية. ويستطرد: أدخلوا الطائفية الى النظام السياسي ودمروا الكيان الوطني. الآن، نسمع كلاماً عن الفيدرالية التي هي عملياً واجتماعياً مهمة، تبني قيمة للإنسان، لكن تنفيذها يتطلب وفاقاً. الفيدرالية بحاجة الى تشريعات. لذلك، أرى ان البديل عن الفيدرالية قد يكون حالياً اللامركزية وتشريعها تقريباً موجود. يجب تثبيتها. إنها الحلّ بعدما دمروا أفكار القومية اللبنانية». العميد ريمون إده (مواليد 1913) يكبر جان حواط بستة وعشرين عاماً. ويقول حواط: «كان والدي عضواً في اللجنة التنفيذية في الكتلة واستمرّ الى حين وفاته في العام 1980. أنا دخلت الى «الكتلة» في العام 1960. كنت ناشطاً حزبياً في جبيل. وسهلت الكثير من الأمور على ريمون إده لناحية التنظيم في المنطقة. لاحقاً، إتصلوا بي وطلبوا مني أن أستلم مكان والدي في اللجنة التنفيذية. رفضت في البداية وقبلت راضخاً لاحقاً. وكان أمين عام الحزب في حينه إدوار حنين.
مفارقات كثيرة عاشها حزب الكتلة الوطنية بينها أن كل الأمناء «فلوا»، بشكل أو بآخر. إدوار حنين طرد. ألبير مخيبر إبتعد. جورج عقل إنضوى في حزب الأحرار. وجان حواط قدم استقالته في العام 1996… فهل كان التعايش الطويل مع «نبرة» العميد مستحيلاً؟
لا يرغب جان حواط بالدخول في التفاصيل. يتجنب ذلك لكنه يبدي بعض الإشارات التي تجيب عن أشياء وتنفي أشياء. ويقول: «طرد إدوار حنين لأنه إنضم الى الجبهة اللبنانية في العام 1976. لم يأخذ موافقة ريمون إده فطرد من الحزب». ويشرح حواط: «كانت علاقات العميد الإقليمية والدولية والوطنية مختلفة عما كانت عليه في الجبهة اللبنانية. رفض العميد إستقبال اللجنة الثلاثية السورية التي أتت من قِبل حافظ الأسد لمساعدة لبنان. قال لنا: لا أثق بها ولن أستقبلها».

وثيقة تاريخية لبلاد جبيل
لكن، على مسافة من ذلك ألا يشعر حواط أن حماية المسيحيين كانت تحتاج الى أكثر من شعارات من وراء الحدود مارسها العميد؟ يجيب: «لا أحد ينكر أن الجبهة اللبنانية ضمت شخصيات مهمة بينها شارل مالك وسعيد عقل وفؤاد إفرام البستاني، لكن بقدر ما لهؤلاء من وطنية كان لريمون إده، إبن رئيس الجمهورية، أفكاره وطروحاته واعتقاده الكافي بما يعمل وهو رفض إستخدام السلاح وأنا شاهد على عروضات السلاح التي قُدمت للعميد. الألمان عرضوا السلاح عليه. لكنه ظل يرفض ذلك دائماً. لم ير نفسه في إطارالجبهة اللبنانية التي كان الى جانبها قوات مسلحة». لكن، أمين عام الكتلة الوطنية العملاق إدوار حنين رأى عكس ما رآه العميد؟ يجيب حواط: «فعل ذلك من دون إذنه. كان هناك مشروع مصالحة إسرائيل. أنا لست متعصباً لأقول إن اليهود قتلوا المسيح لكنني درست تاريخ اليهود وأدرك أن لا أحد يمكن أن يتصالح معهم إلا من دخل الى برنامجهم». ويستطرد: «لن أتحدث الآن عن تحديد المياه في الجنوب في تاريخنا الجديد، لكني أقول أن ما حصل ليس إلا قطعة من السياسة والطموح الى مشاريع أخرى. أطلقت إسرائيل بتحديد المياه في الجنوب مشروعها البترولي التجاري الخاص ونحن نتفرج. ومن فعلوا ما فعلوه يجلسون وراء الستار ويظنون أننا لا نعي أفعالهم. إنهم حزب الله وإيران وهم على علاقة تاريخية منذ أيام داريوس واستمرت في الحرب العراقية الإيرانية التي تدخلت فيها إسرائيل لمصلحة إيران. المشهد واضح مثل الشمس».
فلنعدّ الى الماضي، الى التاريخ، الى يوم طرد ادوار حنين من الكتلة الوطنية… يقاطع جان حواط بالقول: «أدوار حنين حبيب القلب. التقيته لاحقا في بيت شباب واختلينا ورأيت الدمعة في عينه وقال لي: ليتنا لم نفترق. نحن أهله. هو ربّاني في الحزب. وأنا حرصتُ على وضع صورته في قاعة القيادة الحزبية الى جانب كل صور الأمناء العامين ورؤساء الحزب». هل وافق ريمون إده على ذلك؟ يجيب حواط: «أنا أقرر. هذه سلطتي. والعميد لم يمانع».
لكن ألبير مخيبر أيضا إبتعد؟ يجيب حواط: «لا هو خرج ولا أحد يخرجه. ألبير وشقيقه فيليب كانا من أركان بيت إميل إده. ألبير قال: لن أترك الحزب لكني لن آتي إليه. لم يستقل ولم يطرد. وكل المسائل التي نفذتها إستشرت بها ألبير». لماذا ابتعد طالما حياته في الكتلة كانت سمناً وعسلاً؟ يجيب حواط: «لا، أحياناً تخللت العلاقة طلعات ونزلات وهذا طبيعي. كان يتصل بإده وهو يصرخ ويجيبه إده بصوتٍ أعلى. وينتهي الحديث بنكتة. كان البير رفيق العميد ونحبه كثيراً».
كان الكل يحب الكلّ في الكتلة لكن العميد كان صعب المراس. وهذا ما لم يقله حواط لكنه لمح إليه. فكيف تطورت العلاقة بينهما؟ وكيف إختير أميناً عاماً للحزب؟ يجيب «توفي أنطوان أبو زيد، أمين عام الحزب، فأصبح المركز شاغراً. كنا نجلس في اللجنة التنفيذية وأمامنا كرسيان فارغان. العميد في الغربة والأمين العام في القبر. وفي إحدى زياراتي الباريسية قال لي العميد: يا زلمي بعد سنتين يصبح عمر الحزب خمسين عاماً ونحتفل باليوبيل الذهبي فشوفوا شو لازم تعملوا؟ أجبته: الى حينها تكون أنت شرّفت ونرى معاً ماذا يمكننا فعله. لاحقاً، إتصل بنا وطلب إنعقاد مجلس الحزب المشكل من 129 عضواً. والإستعداد لانتخاب الأمين العام. إنعقد الإجتماع أول ثلاثاء بعد 15 تشرين الأول عام 1992. إنتخب العميد بالتزكية وانتخب رئيس المجلس على نسق إنتخاب رئيس المجلس النيابي اللبناني لكن لمدة سنة واحدة ونجح سليم سلهب. وانتخب نائب رئيس المجلس أمين عثمان. وترشح أربعة أشخاص أنا أحدهم الى منصب الأمين العام. ويحتاج الفوز الى ثلثي الأصوات أي 87 «نعم» لينجح. أخذت العملية ثلاثة أسابيع وفي الآخر نجحت».

هذا أنا وهذا العميد
خلاف فاستقالة
العلاقة بين الأمين العام والعميد كانت وطيدة. لكن، أين أخطأ العميد واين أصاب؟ يجيب حواط: جلّ من لا يخطئ، لكن العميد طلب في آخر أيامه أن نكتب على قبره: ريمون الذي كان على حقّ ici git Raymond qui avait raison. كان فهيماً ولكن لا يمكن تغيير فكره. والجميع- تقريبا الجميع- يعرفون موقفه من الإنتخابات عام 1992، يوم اتصل بي مروان حماده وقال لي: كنا عند العميد واتفق ووليد بك على السير بالإنتخابات النيابية. لكن، بعد ذلك، بعد أن قام السوريون بارتكابات مسيئة للعملية الإنتخابية والتشريعية، عاد عن قراره وقال: بدي قاطع. يومها تواجهت معه بتهذيب وقلت له: علينا أن نواجه لا أن نقاطع. أجابني: سيزوّرون الإنتخابات. اصريت على ضرورة المشاركة وهو ظلّ يستمع الى نصائح أشخاص ليس لديهم ما يخسرونه كانوا يقولون له: بعد بكير يا عميد. حصلت المقاطعة. وبرأيي لو شاركنا يومها لكنا أوصلنا أربعين أو خمسين ريمون إده الى البرلمان. كنت على حقّ».
جان حواط، إبن الكتلة الوطنية منذ الطفولة الى المراهقة فالشباب ووصولاً الى اليوم، طمح الى ما هو أبعد لكنه لم يصل. هو يقول إن حظّه في الحياة عموما سيئ «أعطي الحظ 10 في المئة فقط في حياتي». فهل الحظ جعله يتعثر أم تعنت العميد أحيانا أم ماذا؟ يجيب «بقيتُ أربعة أعوام أمين عام حزب الكتلة الوطنية. وصلنا الى سنة 1996. إقترب موعد الإنتخابات من جديد. قلتُ له: عميد لن نفعل ما فعلناه عام 1992. أجابني: نتكلم لاحقاً في هذه المسألة. فلنتركهم ينتظرون كي لا يجهزوا أنفسهم ضدنا. وصلنا الى الإنتخابات. بدا مهموماً. قلت له: يا عميد هذا حزب ومسؤولية. قال لي: لن نترشح. إستقلت. حصل جفاء بيننا لكنني كنت اتصل به كل أسبوعين أو ثلاثة سألني مرتين: لا اراك، ألا تأتي الى باريس؟ أجبته: لا. ويوم توفي شقيقه بيار كنت أريد الذهاب. أبلغته. أجابني: أنا ذاهب الى البرازيل. ويستطرد حواط: صدقاً، لم أزعل منه. ريمون إده ضحى كثيراً وتعب كثيراً في سبيل وطنه وحزبه».

وردة حمراء يومياً إلى زوجته (تصوير رمزي الحاج)
هو التناقض الذي يعيشه محازبون كثيرون، بين الولاء والإعتراض، ما زال يعيشه جان حواط حتى اليوم. هو يعرف الثغرات ولا يريد تعويمها ظناً منه أنه يحمي بذلك الزعيم. يقول حواط: «كل الأمناء العامين تركوا الكتلة. لكنني، لم أعتقد لحظة أنني سأكون في عدادهم. أنا كنت طفلاً أقبل رأس ريمون إده بفخر».
العلاقة عاطفية. العلاقة بين المحازبين والقادة غالباً تكون عاطفية. وحين يدخل العقل يدور التجاذب. في هذا الإطار يقول حواط: «على مستوى السلطة الحزبية كان ريمون إده صلباً جداً. وكان لا بُدّ من بعض اللين في بعض المواقف. فحتى الحديد بحاجة الى ليونة ليتناسب مع شكله الجديد».
إنتقل حزب الكتلة الوطني من مكان الى مكان. أمور كثيرة تتغير وقد تتغير بعد، لكن هل يعقل أن يُنقل حزب بأمه وأبيه؟ يجيب حواط: «زارني كارلوس إده برفقة بيار عيسى ومجموعة من الأشخاص، عدادها نحو سبعة أو ثمانية، بينهم روبير فاضل. وأنا إستقبلتهم مع مجموعة من خمسة عشر شخصاً. قالوا لنا: أحببنا حزب الكتلة ومعتقداته وأفكاره. أجبتهم: هذا تاريخنا وتركتنا وآباؤنا وأجدادنا، فإذا كنتم على خطى إميل وريمون إده فأهلاً وسهلاً بكم. لكن، إذا بدلتم أهدافكم سنعيد النظر».
سيعيد الكتلويون الأوائل النظر إذا أساء الكتلويون الحاليون التصرف؟ كيف يعاد النظر بما يمنح؟ لم ننتظر طبعاً أجوبة. لكن، هل جان حواط في عداد حزب الكتلة الجديد؟ هل هو يشبهه؟ يجيب: «لم يقدم الحزب بصيغته الجديدة أي شيء نافر كما لم يحقق أي تقدم. زمان، يوم كنت أميناً عاماً للحزب، كنت املأ الساحة السياسية. الحزب اليوم لم يفعل أي شيء أفضل أو أي شيء أسوأ».
هل قبض أصحاب حزب الكتلة الوطنية ثمنه؟ يجيب حواط: «حصلت تركيبة وطنية مع مجموعة بغالبيتها غير كتلوية. السياسيون لم يحافظوا على الوطن والكتلويون لم يحافظوا على الكتلة». ويستطرد: «لا يمكنني إتهام كارلوس إده بأنه باع الحزب لأنني لا اريد أن أتصور ذلك. وليد جنبلاط سألني أيضا نفس سؤالك فأجبته: يا إستاذ وليد كبّر عقلك. يظل يمشي في عروق كارلوس إده دم جده وعمه».

رسالة وفحوى
ما دمنا نتحدث عن العائلة والدم الواحد، ماذا عن جان حواط وابن شقيقه زياد حواط؟ يجيب العمّ: «هذا إبن أخي. أخطأ؟ نعم لكنني لست حقوداً. حافظت عليه من خصومه التاريخيين لكنه لم يحافظ هو عليّ. كنت أتمنى ان اعطيه مكاني».
لكن، جان حواط لم ينجح في حجز مقعد نيابي؟ يجيب: بلى لكنهم أسقطوني. يوم ترشحت عام 1996 زعل مني العميد فأجبته: إذا إتفقت معك على المقاطعة لن أخدمك لأن الحزب يكون قد طار. أجابني: إستقل وترشح. فعلت ونجحت لكنهم تلاعبوا في الإنتخابات وألغوا العملية برمتها». من فعل ذلك؟ لن أتحدث أكثر. هل كان للعميد دخل بما حدث؟ يجيب: لن أعطيك تفاصيل. كل ما عرفته أنهم كلفوا رئيس أمن الدولة في حينها القيام بذلك. أنا نجحت ولم أرسب».
لدى جان حواط ولدان: نسيب وهو غير متزوج ويعمل في أوروبا. وباتريسيا وهي محامية وربة بيت ولديها ولدان: جوزف يعمل في دبي وريتا تدرس في الولايات المتحدة الأميركية. هو ما زال يعمل في المحاماة لكن أقل من قبل ففي أوقات الفراغ يلعب «كاناسترا» وهي «لعبة ورق برازيلية جميلة جداً. يضيف: «لا أحب لعبة الحظ (القمار)». لكن، ماذا عن نسبة الحظ في حياته؟ يجيب: «لا تتعدى 10 في المئة. أنا لا أساوم». هو يحب الموسيقى الكلاسيكية. وكلما نظر الى صور زوجته جانيت المنتشرة في كل مكان يقول لها: «ليش رحتي؟». وحين ينظر الى المرآة يقول لنفسه: أخطأت يا جان لأنك صرفت أكثر من اللزوم من حياتك ومن إنشغالاتك ومن أملاكك في السياسة. كان عليك أن تهتم أكثر بنفسك وبعائلتك وبمهنتك الحقوقية».
يبقى أن بطاقتة الحزبية لا تزال في جيبه. لكن، هل جددها أخيرا؟ يجيب: «أنا من كنت أجدد البطاقات زمان. أمور كثيرة تغيرت».

