بين 4 آب و10 ايلول، شهر وستة ايام بالتمام، المشهد نفسه يتكرر في بيروت. المكان: المرفأ. الحدث: حريق ضخم، بفارق وحيد، لا انفجار. التداعيات النفسية: موجة هلع وخوف في نفوس اللبنانيين الذين لم يخرجوا بعد من تحت وطأة صدمة الزلزال الذي دمر عاصمتهم. السبب: اهمال المسؤولين مع وقف التنفيذ.. التساؤلات كثيرة : لمَ الان؟ وكيف لحريق بهذا الحجم ان يشتعل فيما المنطقة ما زالت تحت المعاينة الميدانية؟ وهل من تعمّد لاخفاء دليل ما على صلة بتحقيقات الانفجار؟ ام ثمة ما هو مخطط له ابعد من ذلك؟ هل من هدف لوضع مرفأ بيروت خارج الخدمة ولمصلحة من؟ فرنسا مجددا على الخط اللبناني، تؤكد استعدادها للمساعدة بإخماد الحريق إذا تطلب الأمر، فيما يعمل الاليزيه توازيا على الملف الحكومي، وقد لجأ اليه اليوم موفد الرئيس ميشال عون “حلّال العقد” مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم طالبا النجدة الفرنسية. فالى متى تصبر “الام الحنون” على نكبات لبنان واقترافات مسؤوليه؟
حريق وهلع: صورة الرابع من آب، ارتسمت مجددا اليوم في اذهان اللبنانيين مع اندلاع حريق كبير في المنطقة الحرة في مرفأ بيروت. وكان تأثير المشهد كارثيا على اللبنانيين اذ اثار موجة هلع غير مسبوقة في النفوس في حين عمد المئات من سكان المناطق المحيطة الى ترك المنطقة وسط زحمة سير خانقة هربا من مصير اسود ماثل امام اعينهم.
لاخلاء المنطقة: قرابة الواحدة والنصف، اندلع حريقٌ كبير في المرفأ. واعلن الجيش اللبناني انه شب في مستودع للزيوت والاطارات في السوق الحرة. عمليات الاطفاء انطلقت سريعا بمشاركة طوافات الجيش. وافيد ان اعمال قطع الحديد باستخدام آلة القطع بالنار “الشاليمون” أدى الى اشتعال الحريق. مصدر عسكري طلب من المواطنين الابتعاد عن محيط المرفأ وإخلاء الطرق في جواره وتم إخلاء المرفأ من الموظفين والعمال نظرا لاشتداد الحريق. ودعا المصدر الى عدم تسيير أي طائرات مسيرة فوق المرفأ وفي محيطه. وتم تحويل السير القادم من القاعدة البحرية باتجاه تقاطع برج الغزال – وتقاطع جورج حداد بيروت. وأعلن الأمين العام للصليب الأحمر جورج كتانة أن الحريق ليس مفتعلاً، وقال: “حتى الساعة نقلنا حالة واحدة فقط تعاني من ضيق في النفس ولا داعي للهلع.
مدير المرفأ: من جهته، أعلن المدير العام لمرفأ بيروت باسم القيسي أنّ الحريق حصل في السوق الحرة في مبنى احدى الشركات التي تستورد زيت القلي وامتد الى الاطارات المطاطية التي تسببت بالدخان الأسود الكثيف. وقال القيسي لـ”المركزية” النار تحت السيطرة، لكن الدواليب لا تزال تشتعل ما يسبّب تصاعد الدخان الأسود. لكن لا خوف من تمدّد الحريق لانتفاء وجود الهواء، وطوافات الجيش عمدت إلى رشّ مكان الحريق ومحيطه بالمياه لتجنّب تمدّده”.
عويدات: قضائياً، تابع النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات من مكتبه، وبعد تسطيره لاستنابات قضائية، مجريات التحقيق حول الحريق، وكلّف خبراء في الدفاع المدني وإطفائية بيروت تحديد سببه، على أن يتّخذ الإجراء اللازم إنطلاقا من مسؤوليته القانونية الحصرية برئاسة الضابطة العدلية. وهو باشر بذلك فور اتصال القوى الأمنية به.
…ونجم: كذلك، اعلن مكتب الإعلام في وزارة العدل في بيان “ان فور اندلاع الحريق في المرفأ طلبت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إجراء تحقيق فوري ومعمق نظراً لدقة الموضوع وخطورته، والمتابعة المباشرة والانتقال الى المرفأ لإجراء ما يلزم لجلاء واقع الحال تمهيدا لترتيب المسؤوليات وإجراء الملاحقات اللازمة”.
التحقيقات: قضائيا ايضا، أنهى المحقق العدلي القاضي فادي صوان إستماعه الى إفادتي وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا كشاهدين في جريمة إنفجار المرفأ، بحسب معلومات للـ LBCI. الى ذلك، افيد ان وزيرة العدل في حكومة تصريف الاعمال طلبت صباح اليوم من هيئة التفتيش القضائي التحقيق مع من يلزم بشأن التسريبات المتواصلة للتحقيقات في ملف انفجار المرفأ لجلاء واقع حال التسريب وترتيب النتائج.
بين المطار والمرفأ: وكانت صحيفة “نيويورك تايمز”، كشفت في تقرير مفصّل لها عن انفجار مرفأ بيروت، أنّ “أيّ تحرك في ميناء بيروت يستلزم دفع رشاوى، والتهرب من القانون هو القاعدة وليس الاستثناء، ما جعله بوابة للبضائع المهرّبة في الشرق الأوسط، ما سمح للأسلحة والمخدرات بالمرور من دون عوائق”. وأكّدت الصحيفة أنّ “الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، يسيطران بشكل شبه كامل على هذا المرفق العام”، مشددةً على أنّ “حزب الله يتمتع بقدرة فريدة على نقل البضائع من دون فحص، بفضل شبكة منظمة تابعة له”. ونقلت عن مسؤولين أميركيّين أنّ “حزب الله لا يعتمد على المرفأ لتهريب الأسلحة فقط، إذ أنّه يفضل مطار بيروت الذي يسيطر عليه أيضاً”. وأشارت إلى أنّ “الميناء يتعامل مع 1.2 مليون حاوية شحن سنوياً، لكن جهاز فحص الشحن الرئيسي الخاص به معطّل وغير متصل بالإنترنت منذ سنوات”، موضحةً أنّ “ضباط الجمارك يفحصون الحاويات يدويّاً، ويتقاضون رشاوى بشكل روتيني للتوقيع على سلع غير مسجّلة أو مشبوهة”، كما ذكر ضبّاط في الجمارك.
مالية لبنان في باريس: وليس بعيدا من التحقيقات، حط رئيس لجنة المال النيابية النائب ابراهيم كنعان ووفد مصرفي لبناني في باريس لتوضيح ملابسات الملف المالي للمسؤولين الفرنسيين قبل الشروع في عملية التدقيق الجنائي في مصرف لبنان واعادة هيكلته والمصارف وذلك على اثر الخلاف الناشب بين الحكومة والمجلس النيابي.
بين باريس وبعبدا: سياسيا، الجمود سمة عملية تشكيل الحكومة. واليوم أنهى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في باريس مهمة كلفه فيها رئيس الجمهورية بلقاء خلية الازمة في قصر الاليزيه المكلفة الملف اللبناني. وعقد ابراهيم في يوم واحد سلسلة لقاءات لاسيما مع السفيرين برنار ايمييه وايمانويل بون تتعلق بمسار المبادرة الفرنسية من مختلف وجوهها لاسيما الشق المتعلق بتشكيل الحكومة. وفور عودته زار ابراهيم رئيس الجمهورية واطلعه على نتائج مباحثاته مع ايمييه والفريق المكلف متابعة المبادرة الفرنسية، لاسيما ما وصله مسار تشكيل الحكومة. ونقل ابراهيم الى الرئيس عون اهتمام فرنسا بمتابعة ما اتفق عليه خلال زيارة ماكرون خصوصًا لجهة الاسراع في تشكيل الحكومة التي يجب ان تضم اختصاصيين في مجالاتهم لا يلقون معارضة من ممثلي الاحزاب.
تعديل التفاهم؟: وفي السياق، وبحسب مصادر لـ”المركزية”، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جسّ نبض الفرنسيين من العقوبات الاميركية من جهة، ومن امكانية تدخّل باريس لدى الرئيس المكلّف لتليين موقفه من المداورة ومن توزيع الحقائب. فالثنائي الشيعي، في اعقاب تحدّيه اميركيا، بات مصرا اكثر من اي وقت، على إبقاء المالية من حصته، وعلى حكومة فيها حضور سياسي “واضح”. ورئيس مجلس النواب نبيه بري يريد ان يطرح بنفسه اسماء لوزير المال في الحكومة العتيدة، على ان يختار اديب واحدا منها… واضافت المصادر ” بعبدا تسعى اذا الى معرفة ما اذا كان ثمة احتمالا لتعديلٍ ما، في الاتفاق الفرنسي، اذ ان إبقاءه على صيغته الحالية، بات يعني في شكل شبه حاسم، سقوطه وفشله، نظرا الى “التشدد” الشيعي المستجد، وتمسّك اديب بالمداورة وبوزراء مستقلّين يختارهم هو”.
ماكرون حذر: وقالت اوساط دبلوماسية فرنسية لـ”المركزية” ان الرئيس ايمانويل ماكرون يبدي تفاؤلا حذرا ازاء مبادرته، وحريص على عدم حصول فراغ في السلطة في هذه المرحلة بالذات . واذ اكدت ان المبادرة الفرنسية منسقة مع واشنطن، كشفت ان جهات خليجية ما زالت تتحفظ على المبادرة الفرنسية وطريقة التعاطي مع حزب الله الذي يمضي في شن الحملات على دول الخليج لاسيما السعودية سائلة كيف لها ان تساعد لبنان والحال هذه؟
اين قضاء لبنان؟ في الغضون، استغربت اوساط سياسية معارضة عدم تحرك القضاء اللبناني بعد القرار الاميركي الاخير بفرض عقوبات على وزيري المال والاشغال السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس بتهمة الفساد،معتبرة ان ذلك ابسط واجبات الدولة، لاسيما النيابة العامة المالية المفترض ان تفتح تحقيقا في التهم الاميركية بحق الوزيرين وحيثيات القرار وطلب الاطلاع على المستندات والمعلومات التي استندت اليها وزارة الخزانة الاميركية والتدقيق للتأكد من صحتها او عدمها وما اذا كان من خلفية وكيدية ونكد سياسي ام ان المستندات صحيحة ودقيقة ولا بد آنذاك من فتح تحقيق محلي كون التهمة تتصل بهدر المال العام، علما ان دفعة جديدة من العقوبات ستصدر الاسبوع المقبل.
تأجيل الفرعية: من جهة ثانية، افيد ان رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب اصدرا موافقة استثنائية بتأجيل الانتخابات الفرعية الى ما بعد ١/١ /٢٠٢١ بسبب الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد.
البنزين: وسط هذه الاجواء، أعلنت إدارة منشآت النفط في الزهراني في بيان، أنها “منذ صباح اليوم، بدأت بتسليم مادة البنزين إلى السوق المحلية من مخزونها المباشر، ترقباً لوصول باخرة كاملة محمّلة بـ 38 ألف طن متوقع وصولها في 17 الشهر الجاري، الأمر الذي سيؤدي إلى منع وقوع أي أزمة، ومؤشر لطمأنة المستهلك طوال شهر أيلول”.
