مع بدء العد العكسي للانتخابات البلدية التي يفترض أن تجرى كحد أقصى في 31 أيار المقبل، بدأ الحديث عن تأجيل هذا الاستحقاق للمرة الثالثة على التوالي، بعدما كان قد أجّل مرتين في عامي 2023 و2024.
وكتبت” الشرق الاوسط”: إذا كان التأجيل الأخير بسبب عدم توفّر الاعتمادات المالية وعوائق لوجيستية مرتبطة بقدرة القوى الأمنية على حماية الانتخابات وتأمين عدد العناصر على الأرض، تأتي الحرب الدائرة في الجنوب اليوم، لتشكّل سبباً بالنسبة إلى مرجّحي وطارحي التأجيل هذه المرة، وهو ما تحذّر منه بعض الأحزاب والكتل النيابية، إضافة إلى الخبراء القانونيين والجمعيات المعنية بمتابعة الانتخابات في لبنان.
وتشير مصادر وزارة الداخلية التي نشرت القوائم الانتخابية، إلى أن العمل على خطة إنجاز الانتخابات قد بدأ، ومن المفترض أن تجرى خلال شهر ايار المقبل، مرجّحة أن تبدأ في الأسبوع الثاني من الشهر، وتنتهي في الأسبوع الأخير منه، علماً بأنه وفق القانون من المفترض أن تتم دعوة الهيئات الناخبة قبل شهرين من موعد الانتخابات، أي في نهاية شهر شباط الحالي.
هذا ما يفترض أن يكون عليه الوضع لإنجاز الاستحقاق. أما عملياً فيبدو البعض مقتنعاً بأن الانتخابات لن تجرى لأسباب عدة؛ هي إضافة الى الفراغ في رئاسة الجمهورية، الحرب في الجنوب. وهذا ما تشير إليه مصادر نيابية، مذكّرة بموقف «التيار الوطني الحر» الذي رفض إجراء الانتخابات في غياب الرئيس، ومتوقفة عند الوضع في الجنوب، بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «كيف يمكن إجراء الانتخابات في ظل الوضع القائم بالجنوب؟». وسألت المصادر: «هل منطقة جدرا (التي شهدت محاولة اغتيال قيادي في «حزب الله» وأدت إلى مقتل 3 أشخاص) في الجنوب؟ وهل منطقة الغازية على الحدود؟». وأضافت أن «قرار التأجيل ليس سهلاً، وعلى الحكومة أن تحمل على عاتقها مسؤولية إجرائها مع ما يمكن أن تحمله من تداعيات، أو على البرلمان القيام بخطوة تأجيلها».
وفي حين تغيب الحركة الواضحة من قبل الأحزاب، باستثناء بعض التحركات التي تسجّل في بعض البلدات التي تخوض معركة البلديات بخلفيات عائلية وليست حزبية، ترفع معظم الأحزاب صوتها رافضة التأجيل، علماً بأن عدد البلديات المنحلة يبلغ 126 بلدية من أصل 1026، بحسب «الدولية للمعلومات».
ومن الناحية القانونية، يقول الخبير الدستوري رئيس جمعية «جوستيسيا» الحقوقية، بول مرقص، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أي تأجيل للانتخابات والتمديد للمجالس البلدية والاختيارية يحتاج إلى قانون يصدر عن البرلمان ويكون خاضعاً للمراجعة من المجلس الدستوري، في حال تقدّم 10 نواب أو إحدى المرجعيات الدستورية المعنية بطلب إبطاله». ومع تأكيد مرقص أنه «لا يجوز تأجيل الكل بحجة الجزء»، لفت إلى أنه يمكن إجراء التأجيل في المناطق التي تشهد نزاعات أو حرباً.
«إقطعوا كلّ الكاميرات عن الإنترنت. العميل هو الخلوي الذي بين أيديكم… أدعو إلى الاستغناء عنه في هذه الفترة». بهذه الكلمات توجّه الأمين العام لـ»حزب الله»، السيّد حسن نصرالله، قبل أيام إلى أهل الجنوب، محذّراً من سقوط المزيد من الشهداء. فهل هي الهواتف الذكية والكاميرات التي فتحت المجال لخروقات غير مسبوقة جعلت قيادات «الحزب» هدفاً سهلاً للعدوّ؟ وهل تلغي هذه الفرضية واقع انتشار العمالة في صفوفه، كما يخرج إلى العلن بين الحين والآخر؟ الأكيد أن الخطر السيبراني حقيقي.
تحذير السيد نصرالله جاء تزامناً مع ما كشفه رئيس الوزراء البولندي قبل أيام أيضاً عن أدلّة تشير إلى استخدام غير قانوني داخل بلاده لبرنامج «بيغاسوس» التجسّسي الإسرائيلي. المقصود هنا هو جمْع بيانات عن وزراء وسياسيّين ورجال أعمال وشخصيات أخرى. وهذا ليس غريباً عن «بيغاسوس». فبرنامج التجسّس طوّرته شركة NSO GROUP الإسرائيلية بداية العام 2019 ويقوم، بمجرّد تحميله، بتحويل الهواتف الذكية إلى أجهزة مراقبة وتجسّس ويصعب على الجهة المستهدَفة اكتشافه. أولاً، تجري عملية مسْحٍ للجهاز ثم إثبات الوحدة الضرورية لقراءة الرسائل المشفّرة والبريد الإلكتروني والاستماع إلى المكالمات وملفات الصوت المشفّرة والتقاط صوَر للشاشة، كما تسجيل نقرات المفاتيح وسحْب سجلّ تصفّح الإنترنت وجهات الاتصال. هو يفعل كلّ شيء تقريباً. لا بل ذهبت الصحافة الإسرائيلية، للتبجّح بأن البرنامج مكّن السلطات المكسيكية من إلقاء القبض على أخطر تاجر مخدّرات في العالم والمطلوب الأول من الولايات المتحدة بعد التخلّص من بن لادن.
هنا ثمة من يتساءل؟ هل أطاح «بيغاسوس»، مثلاً، بنائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، صالح العاروري، وبمستهدَفين كُثر قبله وبعده؟ وماذا عن احتمال أن تكون هواتفنا جميعاً مخروقة بالفعل؟
جواسيس آلية وبشرية
وزير الداخلية السابق، العميد المتقاعد محمد فهمي، اعتبر في حديث لـ»نداء الوطن» أن الهواتف الذكية «إسم على مسمّى»، إذ لا يمكن لأي إنسان غير ضليع بالمجال الأمني أن يتخيّل مدى خطورتها وتأثيراتها السلبية على حامليها. فهي من أكثر الأدوات العلمية والتكنولوجية تقدّماً التي يمكن الاستفادة منها على أصعدة ثلاثة: الأول فردي لمراقبة شخص معيّن؛ الثاني على صعيد مجموعات أو عصابات بهدف ابتزاز الشخص المستهدَف؛ في حين أن الثالث والأهمّ هو على صعيد الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وأضاف فهمي أن كافة الهواتف غير آمنة، حتى تلك غير المتّصلة بشبكة الإنترنت، حيث، على أقل تقدير، يمكن من خلالها تحديد مكان الشخص المستهدَف لصالح جهة معيّنة. فما قيل عن أن الهاتف «عميل قاتل» صحيح، بحسب كلامه، لأنه جعل حياة الأفراد الخاصة مكشوفة تماماً. لكن هل تحلّ هذه القدرة التجسّسية محلّ فرضية وجود عملاء في الداخل؟ «لا شك بأن هناك عملاء داخل الأراضي اللبنانية يساهمون في تسهيل عملية الاختراق والتجسّس، كما أن الهواتف الذكية هي بدورها نوع من جاسوس آلي. لكنها ليست السبب الوحيد في عمليات الخرق. فالعدوّ يملك تكنولوجيا متقدّمة ومن الأكثر تطوّراً في العالم، لذا تُعتبر الهواتف الذكية عنصراً بسيطاً من عناصر عملياته التجسّسية».
نتابع ونسأل عن أسباب توقيت التحذير الذي بدأنا به، علماً بأن الهواتف الذكية كانت منتشرة أيضاً خلال حرب تموز 2006. ويرى فهمي أن الهواتف وقتذاك لم تكن بنفس مستوى تطوّرها الحالي، هذا إضافة إلى توسّع نطاق استخدامها بين الشباب والأطفال حتى، ما حوّل كاميرات الأحياء السكنية في كافة المناطق إلى مصادر معلومات للعدوّ. لكن هل من السهل الاستجابة إلى تحذير نصرالله؟ «لست أكيداً إن كان بالإمكان ضبط جمهور «الحزب» لا سيّما الشباب والأولاد منهم. فهم لا يعون خطورة استخدامهم للهواتف الذكية في الفترة الحالية. يتبيّن للمتحدّث مع أهل الجنوب تجاوُب الفئات التي تتحلّى بالوعي مع التحذير، بينما تبقى المشكلة في الفئات العمرية الأصغر سنّاً».
وإذ لفت فهمي إلى أن الحدّ من تحميل التطبيقات يخفّف من خطر الخروقات الهاتفية، أكّد أن داتا اللبنانيين قد سبق وتمّ بيعها عن قصد وأن هذه هي العمالة بحدّ ذاتها. فيما عاد وحذّر بأن الأمن في لبنان مكشوف ويزداد الوضع خطورة مع تطوّر الوسائل التكنولوجية التي بحوزة العدوّ الإسرائيلي.
إحذروا هواتف المحيطين
للاستفسار أكثر عن كيفية حدوث عملية الخرق والتجسّس من الناحية التقنية، تواصلنا مع المستشار والخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات، رولان أبي نجم. وقد أشار إلى أن أي تنصّت بهذا الحجم يحصل على صعيد حكومات وأجهزة أمنية ومخابراتية، فكيف إذا كنا نتكلم عن الاستخبارات الإسرائيلية التي تُعدّ الأبرز في المنطقة؟ «برامج التجسّس كـ»بيغاسوس» مكلفة جداً وليس من السهل أن يحصل عليها أفراد. حتى أن بعض الدول، مثل فرنسا، قوننت عملية التجسّس حيث سُمح للشرطة بالتجسّس على المشتبه بهم في ارتكاب جرائم كبيرة، وذلك عبر التشغيل عن بعد للكاميرا والمايكروفون ونظام تحديد مواقعهم».
لِمَن يسأل إن كانت العودة إلى الهواتف التقليدية (غير الذكية) هي الحلّ، أجاب أبي نجم أن الأبراج التي تلتقط الهواتف إشارات إرسالها منها مراقبة هي الأخرى. وأكّد أن التتبّع، مع تطوّر قدرات الذكاء الاصطناعي، لم يعد محصوراً فقط بجهاز المستهدَف، إنما يمكن أن يأتيّ من خلال هواتف الأشخاص المحيطين به. «لم يركّز نصرالله في خطابه على منتسبي «الحزب»، فهم يتلقّون الأوامر مباشرة وليسوا بحاجة إلى تحذيرهم عبر الإعلام، إنما هو توجّه إلى المواطنين المحيطين بهؤلاء. فإذا كان أحدهم، على سبيل المثال، في مكان ما ولا يحمل هاتفاً، وصودف وجود شخص بقربه جرى اختراق هاتفه، فمِن بصمة صوت الأوّل يمكن تحديد مكان الشخصين». والأكيد أن «الفضل» في ما نشهده من دقة غير مسبوقة في تحقيق الأهداف يعود إلى الذكاء الاصطناعي الذي يجمع بين اختراق الهواتف وشبكة وأبراج الاتصالات، كما بين بصمة الصوت والصورة والمراقبة عبر الأقمار الاصطناعية، من أجل تحديد الهدف المرجوّ.
الخرق محتمل والإحتياط واجب
نبقى مع أبي نجم الذي لم يرَ في التوقف عن استخدام الهواتف ما يحدّ من وقْع عمليات التجسّس وإلغاء عمليات التتبّع. إذ هناك عملاء ينقلون المعلومات من خلال أزرار القمصان أو الأقلام أو غيرها من الوسائل، وهم مراقَبون كيفما تحرّكوا. وأردف أن عناصر «الحزب» لا يتواجدون في أمكنة معزولة إنما يختلطون مع أفراد عائلاتهم وأقاربهم وجيرانهم. «أظن أنه يستحيل فرْض هذا التدبير على كافة أهالي الجنوب، خصوصاً وأن التنقّل دون أي وسيلة اتصال يعرقل عمل هؤلاء وحياتهم اليومية. ولنفترض أن القرار اتُّخذ بعدم استخدام شبكة الاتصالات اللبنانية، فلدى «الحزب» شبكة لاسلكية وقد سبق وخُرقت إبان أحداث 7 أيار 2008. فكلّ ما هو سلكي أو لا سلكي قابل للاختراق».
كيف نتعامل مع المخاوف حيال اختراق هواتفنا الذكية مع انتشار التطبيقات بالآلاف؟ يجيب أبي نجم بأن اختراق بعض التطبيقات مثل «الواتساب» صعب على صعيد فردي. ففي آخر تحديثات التطبيق، أُضيفت خاصية التشفير على المكالمات حيث يستحيل أن يجري اعتراض الاتصال أو التنصّت على الحديث. بينما الاتصالات بين الدول هي جميعها غير مشفّرة ويمكن مراقبتها بسهولة. «لكن على الجميع أخذ الحذر من تحميل أي تطبيق قبل التأكد من مصدره أو ترْك الهاتف بداعي الصيانة في محال تصليح أو مع أشخاص ليسوا أهلاً للثقة، أو حتى فتْح أي رابط مجهول المصدر. إنها مجرّد وسائل لتخفيف المخاطر ليس أكثر، وعلينا التعاطي مع المسألة وكأننا مراقَبون على مدار الساعة».
تحذير أم تغطية؟
من جهته، اعتبر رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات والباحث في الأمن الدولي والإرهاب المقيم في ألمانيا، الدكتور جاسم محمد، في اتصال مع «نداء الوطن» أن تحوُّل الهاتف النقّال إلى وسيلة للتجسّس من قِبَل أجهزة الاستخبارات أصبح معلوماً للجميع. فإسرائيل تعتمد في قوّتها الأمنية والمعلوماتية والاستخباراتية على التجسّس السيبراني. ولديها الوحدة 8200 المسؤولة عن التجسّس ذاك عن طريق جمع الإشارة. «لكن أجد أن ما جاء في حديث نصرالله يشكّل تغطية على الخروقات التي حصلت في الضاحية الجنوبية لبيروت لإبعاد اتهامات تُوجَّه إلى «الحزب» كما انتقادات طالته باعتباره مخروقاً من عملاء يعملون لصالح الاستخبارات الإسرائيلية». وقد يكمن هنا تحديداً لبّ المسألة وجوهر التحذير.
«الهوس الأمني»… السيبراني
في دراسة نشرها المركز في العام 2020، ذُكر أن عمليات التجسّس الإلكتروني تضاعفت مع تنامي التطوّر التكنولوجي في خوادم الإنترنت. فمنذ العقد الأول من القرن الحالي، ومع احتدام الحرب على الإرهاب، ودخول الجماعات الجهادية والإرهابية الفضاء الإلكتروني باعتباره ساحة للصراع مع القوى الكبرى، بدأ الحديث في أوساط الدراسات الاستراتيجية عن «ثورة في شؤون الاستخبارات» نقلت الجاسوسية – ثاني أقدم مهنة في العالم – من الأزقة المظلمة الملتبسة بالسرية إلى ساحة ذلك الفضاء المكشوفة.
ومع تزايد التهديدات الأمنية التقليدية كالإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والتجسّس بصيغته التقليدية، ضاعفت أجهزة الاستخبارات عمليّاتها في إطار التجسّس الإلكتروني على المؤسسات والأفراد. ويعود ذلك إلى القلق الأمني الذي أصبح يراود الأجهزة خوفاً من تضييع معلومات مهمة قد تساعدها في الوقاية والاستباق والتنبؤ بخطر معيّن، ولو على حساب اختراق القوانين المحلية والدولية التي تحمي الخصوصية الفردية والجماعية. فقد وصل القلق الأمني لدى بعض أجهزة الاستخبارات إلى حدّ «الهوس الأمني» والشك وعدم الثقة بأي طرف، أكان مؤسسة رسمية أو مواطناً عادياً، بحيث طوّرت تلك الأجهزة تقنيات التجسّس المذكورة بهدف عدم تفويت أي معطيات ومعلومات قد تساعدها في الكشف عن «أسرار استراتيجية».
لكن الإشكالية التي تثير القلق، بحسب المركز، تبرز في ما يتعلّق باستغلال بعض الأجهزة للتجسّس الإلكتروني في سبيل المتاجرة بالمعلومات والخصوصيات وتسريبها لأطراف خارجية حليفة أو عدوّة، ما يطرح تهديداً مباشراً للأمن القومي لأي دولة .
أصدر مصرف لبنان، يوم السبت الماضي، تعميماً أساسياً جديداً رقمه 166 ليحلّ بدلاً من التعميم 151. يُشكّل التعميم طريقة جديدة يقوم من خلالها مصرف لبنان بمحاولة معالجة أوضاع شريحة من الحسابات المصرفية بالعملات الأجنبية التي لم يعد باستطاعة أصحابها الولوج إليها منذ نهاية عام 2019. ويستهدف التعميم الودائع التي حُوّلت من ليرة إلى دولار بعد 31 تشرين الأوّل 2019، لكنه لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى السحب خارج إطار التعميمين 166 و158 رغم أن مصرف لبنان فرض على المصارف تسجيل الحسابات بالعملة الأجنبية بقيمتها السوقية.
آلية تطبيق التعميم تشير إلى أن المصرف سيفتح حساباً فرعياً للراغبين في الاستفادة منه يُحوّل إليه العميل من حسابه الأصلي مبلغ أقصاه 4350 دولاراً، ولا يستطيع الاستفادة منه بأكثر من 1800دولار سنوياً، أي ما يوازي 150 دولاراً شهرياً. وبالنسبة إلى أصحاب الحسابات المشتركة، فهم سيختارون في ما بينهم تقسيم السحوبات عليهم. ولا يمكن لأصحاب الحسابات المتعدّدة الاستفادة من التعميم 166 إلا من أحد حساباتهم، وفي حال امتلك أيّ مستفيد حساباً آخر مشتركاً، يمكن للشريك أن يستفيد من التعميم في الحساب المشترك. ويفرض التعميم ألا تخضع السحوبات عبر الحساب الفرعي لأي عمولة أو نفقات بحيث يستفيد العميل من كامل المبلغ المدفوع.
عملياً، يُقدّر أن المستفيدين من التعميم 166 هم من صغار المودعين الذين تنطبق عليهم الشروط، لأن الحدّ الأقصى للسحب تمتدّ مفاعيله لنحو سنتين وأربعة أشهر بسقف سنوي يبلغ 1800 دولار. التعقيدات التي تحاول التضييق من مفاعيل استفادة الزبائن من هذا التعميم، تأتي بالتوازي مع إشكالية أساسية أثارها صدور التعميم 167 الذي يفرض على المصارف تحويل الموجودات والمطلوبات النقدية المسجّلة في ميزانياتها بالعملة الأجنبية وسائر الموجودات غير النقدية إلى ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية على أساس السعر المعلن على المنصّة الإلكترونية المعتمدة من مصرف لبنان بتاريخ إعداد البيانات المالية. عملياً، سيصبح سعر الدولارات والقيم غير النقدية في الميزانيات المصرفية وفق سعر الصرف السوقي، فهل سيكون مسموحاً سحبها من المصارف بعيداً من التعميميْن 166 و158؟
يبدو أنّ مسار الطعن الذي تقدّم به «التيار الوطنيّ الحرّ» أمام المجلس الدستوري بشأن قانون تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزف وقادة الأجهزة الأمنية، يصطدم بتوازن القوى داخل المجلس، وتتوزّع بين 5 أعضاء يؤيّدون الطعن وخمسة آخرين يرفضونه، ما يعني أنّ القرار لن يتّخذ، وبناءً عليه يصبح الطعن ساقطاً.
في قلب ذوق مكايل، جنب القصر البلدي، يقع قصر بويز. هنا ولد فارس نهاد بويز. وهنا يُمضي فترات بين سفرٍ وصيدٍ وجبل… هو مولعٌ بتدخين السيكار. يسحبُ منه نفساً وينفثُ مع دخانه كثيراً كثيراً من الذكريات التي يأبى التنازل عن أي تفصيلٍ فيها. هو الصهر العنيد الذي جزم بأنه أتى وزيراً للخارجية من دون «جميل» العمّ. وهو صاحب الحدس الذي أنبأه مرات بما صار حدثاً. وهو أيضاً وأيضاً عاشق الصيد الذي لم يأكل يوماً من صيدِهِ والأب الفخور وصديق فؤاد بطرس وريمون إده وجان عزيز… والقريب من حافظ الأسد الذي أوكل إليه حلّ مسألتي «الجنرال» و»الحكيم» و»كان وبان». حوار جاوز وقته الأربع ساعات مع شاهد على مرحلة ويقف عند مفترقِ طريق يترقب مرحلة.
إبن بلدة الذوق. هنا بيت جدّه فارس شيبان بويز (ولا يعرف لماذا شيبان). والده النائب السابق نهاد بويز ووالدته جاكلين سيدة الأدب والشعر. كبر بين صالونين في منزله. الصالون الثقافي الذي كان يجمع جورج شحاده وصلاح ستيتية وكلير جبيلي وناديا تويني… والصالون السياسي الحرّ المنفتح على أطياف وتيارات وانتماءات عدّة مثل ريمون إده وكامل الأسعد وغسان تويني وألبير مخيبر وجان عزيز ويقول «في هذا المناخ كبرت. والدي كان صديقاً لكبار أمثال جون كينيدي وشارل ديغول. كانت لديه قدرة هائلة على التواصل مع الآخرين حسدته عليها. شخصيتي كانت مختلفة. لم أتحلَ بطيبة والدي وانفتاحه السريع على الآخرين لكن علاقاتي كانت أكثر متانة وتستمرّ. وبعض أصدقاء والدي الكتلوي أصبحوا، على الرغم من فارق السنّ، أصدقائي. أصبحت صديقاً لجان عزيز الذي ظُلم كثيراً وقليلون هم من تعرفوا جيداً اليه. كان موسوعة فكرية، جريئاً ونزيهاً وذات ثقافة هائلة. كنت بمثابة إبنه الروحي.
كنت أمضي ليالي معه نقرأ إبن سينا ونناقش فكر توماس مكارثي. تطورت علاقتي به الى درجة أخذ على خاطر والدي (يضحك). ويستطرد: والدي كان مقيداً في حزب الكتلة الوطنية أما أنا فكنت حراً واستمريت. لاحقاً، تقربتُ أيضا من ريمون إده. كنا نلتقي في فرنسا ونخرج معاً. وأذكر أنه في إحدى الليالي من العام 1978 كنا على الـ «كوت دازور».
يومها قال لي: «لبنان الذي عرفته «مش راجع» وأنا «مش راجع» على لبنان هذا. أفضّل أن أنهي حياتي وفي بالي لبنان الذي عرفته. قلت له: هذا بلد عجيب غريب أوشك على الإنتهاء مرات واستعاد الحياة. يومها قال لي ريمون إده: أريدك ان تنظم حزب الكتلة الوطنية. يكفي الحزب ما تكبده. أعد تنظيمه ومعك ورقة بيضاء مني بأن تفعل ما تشاء.
أجبته: هذا مستحيل فلا شيء إسمه حزب الكتلة الوطنية. إنه تجمع أو جمعية تضم محبي ريمون إده. لا أحد يستطيع أن يجعل من ينتمون إليه يمشون مع سواك. فإذا أنشأت حزباً شيوعياً فسيصبحون شيوعيين وإذا فتحت كاباريه فسيصبحون وراء البار. ثانياً، أنا لست عضواً في الحزب. سألني: ليش والله؟ أجبته: لأنني لم أشعر يوماً بوجود حزب ذات عقيدة إيديولوجية. أجابني: إصطفل. كان يستخدم هذه الكلمة كثيراً».
مع البطريرك صفير في صدر الدار
جار بيت الكتائب
بين قصر بويز في الذوق وبيت الأشرفية، قرب بيت الكتائب في ساسين، كبر فارس بويز. ألم يجعله ذلك يتأثر بحزب الكتائب؟ يجيب: «كان بيتنا قبالة مكتب الشيخ بشير (الجميل) الذي استشهد فيه. كنا نلتقي به يومياً ونلقي السلام. وكان يحترم كثيراً بيت نهاد بويز، على الرغم من أنه كان يعلم أننا لسنا معه سياسياً. كان يزورنا دورياً على غفلة وأعتقد أنه كان يفعل ذلك ليس ليأتي بأخبار أو طلب أخبار بل ليرى الناس أن هذا البيت عزيز عليه. والأمر الآخر، أنه كان يريد ان يُظهر من خطوته هذه قصة ديموقراطية وليقول: هذا بيت نهاد ضدي وأنا معه. كان يستغلنا ديموقراطياً».
ألم تؤثر بك الكتائب وبشير بشيء؟ «بصراحة، لا. كنت مدركاً أن الصراع القائم سيتحول طائفياً. كنت متشائماً في وقتٍ كان يعتقد فيه الجميع أن الأمور ستُحلّ. أعطاني ربنا حدساً سياسياً في المسائل المفصلية. كنت أوّل من توقع الحرب خلافاً للمناخ السائد. إستشعرتُ حدوث الحرب. وأتذكر قصّة قبل انتخاب بشير الجميل كادت تكلفني حياتي. لم أره حاكماً حتى لو انتخب رئيساً. ويوم قُتل وصل ما كنت أقوله الى جهاز أمن القوات أن شخصاً يدعى فارس بويز يقول منذ شهرين أن بشيراً لن يحكم. لكن شخصاً صديقاً ونافذاً في القوات قال: لا أحد يقترب من بيت نهاد بويز».
يتذكر فارس بويز يوم تفجير بيت الكتائب: «كانت عمتي قد توفيت للتوّ ونتقبل التعازي بها في قصر بويز في الذوق. حصل الإنفجاز فنزلت انا وفؤاد السعد (ابن عمتي) الى الأشرفية. رأينا رجلاً مليئاً بالغبار محملاً وسمعنا الشباب يصرخون: الباش حيّ… بشير حيّ… خلناه هو. وصل كريم بقرادوني وجو توتنجي فقلنا لهما خرج بشير للتوّ. وبعد ساعتين إتصل بي بقرادوني وسألني عما رأيت فأخبرته أنني ظننته بشيراً وأخطأت. ويستطرد: ايقنت أنه لن يحكم. وأتذكر رسالة بعثها معي جان عزيز الى بشير بعيد انتخابه. قال لي: أكتب «فخامة رئيس الجمهورية المنتخب الشيخ بشير الجميل. فيما أتمنى لك التوفيق لا اسمح لنفسي بتهنئتك بعد. كذّب ظني وظن من لا يزال يعتقد انك لن تستطيع الخروج من الأطر الحزبية الضيقة التي ترعرت فيها. وأن دور المستبد العادل الذي قد يحلو لك الإضطلاع به ستأخذ منه ما يلائمك وترمي بالباقي للسباع. بدّد المخاوف والشكوك وطمئن أصحابها في المناطق والطوائف والأحزاب يرفعك البلد الشهيد الى مرتبة إبن معن في عمله التوحيدي الرائع. غلّب رجل الدولة على المحارب وعندئد كلنا معك. نقلتُ هذه الرسالة الى بشير فقال لي: نكاية بك وبجان عزيز لن أعمل إلا مع أشخاص مثلكما».
مع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني
إستشهد بشير
يعترف فارس بويز انه كان «ممروضاً» بالسياسة منذ صغره: «كان عمري خمسة عشر عاماً يوم كنت أقتحم الصالون السياسي وأبدي وجهة نظري. وبعض الثائرين مثل ريمون إده وغسان تويني كانوا يرحبون بي فيما كان يحاول الوالد إبعادي. كنت أتحلى بنضوج سياسي يتجاوز عمري الفعلي. وكان حديثي يستقطب الآخرين أكثر من حديث والدي الدبلوماسي. وحين تخرجتُ محامياً وفتحت مكتباً في منطقة السيوفي (في الأشرفية) كان يتحوّل بعيد الساعة الواحدة ظهراً الى حلقة سياسية يقصدها عدد من السياسيين المخضرمين مثل رينيه معوض وجان عزيز وألبير مخيبر وفؤاد بك غصن. وبعد أن خطبت إبنة الياس الهراوي أصبح الأخير ينضمّ الى حلقتنا. أصبح مكتبي بيتاً لحزب الكتلة الوطنية وملتقى سياسياً».
نقاطعه بسؤال عن ارتباطه بابنة الياس الهراوي زلفا (وهما منفصلان منذ أعوام) فيقول من دون أن يسميها: «تزوجنا عام 1985. وللحقيقة، كانت علاقتي بالياس الهراوي في البداية غير جيدة، لأنه كان يريد لابنته شخصاً ثرياً. لم يرحّب بعلاقتنا. خصوصاً أنني كنت قبل ذلك على علاقة مع إبنة شخصية لبنانية كبيرة لكنها لم تنتج زواجاً. تكونت لديه فكرة أنني لست جدياً. بدأت علاقتنا «عاطلة» لكنها نتيجة إصرار إبنته تطورت الى زواج. إصطلحت العلاقة لاحقاً وباتت طبيعية. أصبح يقدّر رأيي السياسي مع حساسية معينة. فهو العمّ وليس بإمكانه أن يقرّ للصهر بصوابية رأيه، ناهيك بانه كان مخضرماً سياسياً ولديه إعتداد برأيه وكان يسألني رأيي على «الليبرا» كي لا يُحسب عليه السؤال. كان يحور ويدور قبل السؤال. أصبح يقصد الحلقة السياسية في مكتبي باستمرار وكانت تضم فئتين من الأشخاص: الرومانسيين الحالمين أمثال والدي وألبير مخيبر الذين يتمنون ريمون إده رئيساً أو داني شمعون، وهناك الواقعيون مثل قبلان عيسى الخوري وجان عزيز والياس الهراوي… وكان تقييمي للأوضاع واقعياً جداً. وذات نهار، بينما كان روبرت مورفي على وشك زيارة لبنان للتباحث باسم رئيس الجمهورية الجديد في العام 1989 وكان الشباب يتباحثون بحظوظ المرشحين قلت لهم: يا إخوان، بلا احلام، يجب أن تفهموا أن العالم كلّف حافظ الاسد بإدارة لبنان. هناك تفويض دولي بذلك. ومن يفوّض شخصاً لا يشترط عليه العدّة. حين تلزمون مقاولاً لا تقولوا له نوع الجرافة التي سيستخدمها.
مورفي لن يفاوض الأسد ويقول له: نريد ريمون إده بل سيسأله: أي رئيس يريحك؟ وسينقل إلينا الإسم. وأنا اعتقد أن سوريا تعقدت من خوضها الحرب لوصول الياس سركيس رئيساً وسرعان ما هيمن بشير الجميل عليه. سوريا لن تكرر تجربة الياس سركيس الذي انقلب عليها بل ستختار رئيساً من الاطراف وليس من جبل لبنان كي لا يخضع للضغط الماروني في جبل لبنان. ثانياً، ستختار رئيساً بعيداً كل البعد عن القوات اللبنانية مشهوراً باستقلاليته عنها، ويملك من الجرأة ليصطدم مع القوات إذا لزم الأمر. لذا سجلوا ما سأقوله لكم وهو حدس ممزوج بمعلومات: أعتقد أن أوّل إسم سيطرح هو مخايل الضاهر وإذا تعذّر وصوله سيتقدم إسم رينيه معوض، وإذا تعذّر وصول معوض فسيطرح إسم الياس الهراوي، وإذا تعذّر وصوله ستتقدم حظوظ جان عبيد. لذا، إبحثوا عن رئيس بين هذه الأسماء الاربعة ولا تضيعوا وقتكم بالرومانسية والأحلام. لم يقبض أحد ما قلته على محمل الجد. وفي اليوم التالي وصل مورفي الى بكركي ومعه إسم مخايل الضاهر. هنا تهافت الجميع صوبي وسألوني عن معلوماتي فقلت لهم: هذا حدس وتقدير. ويومها تقرّب مني أكثر الواقعيون والرومانسيون».
مع والده وشغف السيكار جمعهما
الحدس
خبرية اخرى كانت، على ما قال، كلفته الكثير: طرح الأسماء الأربعة. ويشرح: «ليلة إعلان إسم مخايل الضاهر زارني سمير طويلة (من حزب التنظيم) وسألني بالصدفة: شو الأخبار؟ قلت له: مخايل الضاهر. إبتسم. لكنه في المساء، خلال لقاء مع سمير جعجع، سأل الحضور عن رأيهم فقال طويلة: رأيي يا حكيم مخايل الضاهر. طبعاً لم يتوقف أحد عند ما قال. لكن، بعد إعلان إسم الضاهر إتصل به جعجع وسأله عن مصدر معلوماته. إتصل بي طويلة قائلا: هذه معلومات أم تحليل؟ أجبته: حدس. سألني: هل لديك مانع من زيارة الدكتور جعجع؟ أجبته: هل هذا استدعاء؟ أخذ الحكيم الهاتف منه وقال لي: هذا استيضاح لأعرف كيف وصلت الى هذا الإستنتاج. قلت له: السوريون يريدون رئيساً يثقون به بعد ما عانوه زمن الياس سركيس لذلك أنا مقتنع أنهم لن يقبلوا بمثله».
قد يكون حدساً وقد يكون أكثر. نتابع الإصغاء الى فارس بويز وهو يخبرنا عن يوم وصل الى مكتبه الياس الهراوي وأخذه جانباً وقال له: «يا أخ طالبة مني ميّ كحالة أن أكون معها في برنامجها الليلة على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال. قلت له: جيد. أردف وهو يحاول ألّا يؤخذ عليه طلب المشورة، ماذا سأقول برأيك؟ أجبته: أنت ماذا تريد ان تقول؟ أجابني منزعجاً: سأتكلم عن الزراعة. أجبته: إفعل ذلك إذا كان طموحك الأكبر أن تصبح وزيراً للزراعة لكن تذكر أنك أنت من الأسماء المطروحة للرئاسة وأعتقد أن حافظ الاسد سيراقب ما ستقوله، وستكون فرصة لك أن تتقدم الى رأس اللائحة أو تطير منها. قلت له: تذكّر أن لا مجال للخروج من حالة الحرب التي نتخبط فيها إلا من خلال التفاهم مع سوريا. إذا قلت ذلك خلال المقابلة فهذا سيكون دليل جرأة وإذا لم تقله فحظوظك قد تصبح صفرا. أجابني: هل تريد أن تحرق ديني (أمنيا). أجبته: أنا اتكلم في السياسة. وبالفعل، هذا ما فعله. وقال ما قال في المقابلة وقبل أن يعود الى منزله كان كريم بقرادوني ونادر سكر قد سبقاه إليه وطلبا منه أن يغادر قليلا».
كان قد مضى على عدم توجهه الى زحلة سنوات طويلة، منذ انتخب بشير الجميل. توجه الى هناك في تلك الليلة. وكان السوريون قد رصدوا ما قال وأمر غازي كنعان بتنظيف منزله وإعادة بعض الاثاث المنهوب منه وانتظره على الشرفة مؤدياً له التحية العسكرية عند وصوله ومتوجها إليه بالقول: أهلا فخامة الرئيس. ونقل إليه تحيات حافظ الأسد قائلاً: سيادة الرئيس يريد أن يراك. حصل اللقاء وكان ممتازاً. وعند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل إتصل بي الهراوي وتكلم بالشيفرة. قال: كنتُ في مشوار بعيد ومشي الحال. وتوجه لي بالقول: يحرق دينك صبتها والقصة نهائية. قلت له: تمهل هناك عناصر أخرى يفترض أن تتوافر».
رينيه معوض كان، بحسب بويز «شغل السعودية» وهذا ما اردت قوله الى الياس الهراوي. وحصل ما رأيته. إنتخب معوض. هنأته مع والدي. وفي صباح 22 تشرين الثاني (يوم استشهاد معوض) إتصل بي الهراوي قائلاً: رينيه «طرقني» ويريد الإتيان بأوغست باخوس (من النواب المستقلين) وزيراً. سأصعد الى زحلة وسألعب دور المعارضة خلال السنوات الست المقبلة. واستطرد بالقول: لكنه يريد مقابلتك فانتبه كي لا يحدث شيء من ورائي. بعد الظهر، وقبل موعد اللقاء، إتصل بي فؤاد بطرس وأخبرني أن رينيه معوض قد قتل. إتصلت بالياس الهراوي وقلت له: إستعدّ ستكون الإنتخابات سريعة. أجابني: وين في إنتخابات بعد؟ لكن بعد نحو ساعتين إتصل بي قائلا: يحرق دينك صبتها أيضا».
أفتحر بأولادي
فؤاد بطرس
يتحدث بويز عن علاقة وثيقة ربطته بفؤاد بطرس ويقول «تعلمت منه الواقعية في السياسة الخارجية وفي تعامله مع الأميركيين» ويستطرد: «السيد حسين (الرئيس حسين الحسيني) دعا الى جلسة إنتخابية بعد لقاء جمعه مع جان عبيد بناء لطلب من أبو جمال (عبد الحليم خدام). كان السيد حسين مع بيت سكاف وأراد طرح بيار حلو أو جان عبيد بديلاً عن رينيه معوض. ويومها إلتقى الرجلان مع حافظ الاسد فسأل كل واحد على حدة عن مدى إستعداده للمواجهة دفاعا عن قصر بعبدا. فقال له بيار حلو: أنا لا يمكن أن ألطّخ يدي بالدم. وقال جان عبيد: أنا سأفاوض في البداية. كان اللقاء معهما شكلياً فالقرار السوري كان قد إتخذ».
هل نفهم من ذلك أن الياس الهراوي قدّم تنازلات لم يقبل بها عبيد والحلو؟ يجيب بويز: «لا، لم يفعل ذلك. هو عانى كثيراً. لم يجد أحداً حوله يوم إنتخب. لا احد حوله يتكلم الإنكليزية او الفرنسية. إتصل بي وقال: دخيل عرضك هناك رسائل تصلنا من جورج بوش وفرانسوا ميتران وبابا روما. صعدت الى أبلح وأتت سكرتيرة إبنه الذي يتعاطى تجارة المأكولات لإعداد الرسائل. هي لم تكن معتادة إلا على دقّ أسعار الجبنة والمأكولات وكم صندوق. تعبنا كثيراً. مرّ نحو أسبوع وكاد الهراوي ينهار بعدما أصيب باكتئاب. وبدأ يهدد بالإستقالة. طلب مني أن أسأل الإخوان في أي إتجاه نسير. أجبته: سيارتي لم تعبر يوماً طريق المصنع وأنا من ثقافة الكتلة الوطنية التي تعتبر أن لا علاقة للجيش بالسياسة لذلك لن ألتقي غازي كنعان. كلّف الهراوي ميشال المرّ بذلك. لكنه متبجح. ذهب وحين عاد من الشام، وقبل أن يعبر طريق المصنع، إتصل بوردة (الزميلة وردة زامل في إذاعة صوت لبنان) وفقع تصريحاً قبل وصوله الى مقر الرئيس. عاد الهراوي وكلف محسن دلول بذلك لكنه بدل أن ينقل الى الشام ما يريده الرئيس اللبناني نقل الى الهراوي ما تريده سوريا فقال له الياس الهراوي: بعد في «هالشنتان» فليأخذوه. عاد وطلب مني أن أنتقل الى سوريا فطلبت منه إعداد مرسوم رئاسي لتفويضي لقاء الرئيس الأسد باسمه. ذهبتُ الى الشام والتقيت الرئيس حافظ الاسد. سألني عن العروبة فحدثته عن دور الموارنة في العروبة. سألني عن نظرتنا لإسرائيل. وسأل عن علاقتنا مع الأميركيين».
إذا، هو إمتحانٌ خضعت له؟ يجيب: «أراد فحصي مثلما يفحص عادة زواره. وحين عدت الى لبنان إستقبلني الهراوي بالقول: يا زلمي شو عامل فوق؟ دوختهم».
من خلاصات التجارب (تصوير رمزي الحاج)
موقفان من جعجع
نعود لسؤاله، هل كان يفترض بالياس الهراوي دفع أثمان معينة لانتخابه رئيساً؟ هل طُلب منه نقل رسائل معينة في هذا الإتجاه؟ يجيب: «في الجلسة الثانية مع حافظ الاسد قلت له: الرئيس الهراوي لن يتمكن من الصمود وحيداً وقد يفاجئنا باستقالته، ويريد ان يعرف في أي إتجاه تسير الأمور وكم سيمكث ميشال عون بعد في قصر بعبدا؟ أجابني: شوف يا إستاذ فارس لن نتفاهم على الأرجح مع عون لكننا لن ندخل في معركة ضده كي لا تأخذ طابعاً طائفياً. هذا الأمر بحاجة الى طلب دولي. الأمر الآخر، نحن غير مطمئنين لسمير جعجع ونخشى ان يستفيد هو من إزالة عون ويصبح زعيم كل الموارنة ويقتحم العهد. نحتاج الى ضمانات من جعجع: الإعتراف بالطائف وبشرعية الياس الهراوي القائمة وبالمضي بحلّ الميليشيات وقبوله بانتشار الجيش وتسليم الأسلحة».
هذه كانت حصيلة اللقاء الثاني بين بويز والأسد. ويقول: «لم أفاوض عون شخصياً لكنني قابلت جعجع مراراً. كنت أنتقل مساء من مرفأ السان جورج الى غدراس وأجتمع به بين الساعة العاشرة ليلاً والثالثة فجراً. في الموازاة، كان هناك محوران في سوريا: محور لا يقبل بسمير جعجع إطلاقاً ويضم من لبنان الأعداء التاريخيين له مثل سليمان فرنجية وإيلي حبيقة والحزب القومي السوري الذين سوقوا هناك انه مناور وخطير وسيهاجم، بعد إزالة عون، سوريا. وهناك محور آخر يمثل عبد الحليم خدام كان يطرح إمكانية الوصول الى حلّ مع جعجع. كان التجاذب كبيراً وتلقيتُ شخصياً تهديدات في لبنان من خصوم جعجع يعتبرون أنني أساهم بتعويمه. اتهمت بأنني الجناح القواتي عند الياس الهراوي من أعداء جعجع. في الحقيقة، كل ما كنت أريده هو إعادة التوازن الى هذه السلطة ووحده سمير جعجع يؤمن ذلك. ويستطرد: كان حافظ الأسد يقول عنه «ألعبان» وكنت أنصح جعجع بأن لا يتردد. حاول الياس الهراوي إجراء مصالحة بينه وبين سليمان فرنجيه في حضور السفير البابوي بابلو بوانتي من دون أن يخبرهما بذلك. وحين وصل فرنجيه ورأى جعجع شتم وغادر. دخل على الخط إميل لحود وجميل السيّد اللذان خافا من وجود جعجع حراً لأن لديه إمكانات كبيرة وقادر على استقطاب الضباط المسيحيين. سوقوا لهذه الفكرة. وبرأيي هذه الفكرة هي التي حضرت لعملية القبض على سمير جعجع».
هل نفهم من ذلك أن قرار القبض على سمير جعجع إتخذ فكان تفجير كنيسة سيدة النجاة؟ يجيب: «صدقاً، لا أعرف قصّة الكنيسة».
نتجاوز السؤال ليقيننا أنه لا يريد الحديث فيه. ونتابع الإصغاء إليه يقول: «أنا الوحيد الذي إعترضت على حلّ حزب القوات. كان المناخ سورياً في المجلس. شعر الهراوي بحجم الضغط على جعجع الذي أساء فهمه وأرسل عن حسن نية من ينصحه بأن يغادر. كان الياس الهراوي مدركاً إستحالة أن يحكم من دون جناح مسيحي ماروني. وهو عمل المستحيل من أجل تسويق جعجع وكان يحوط بالهراوي شخصان مقربان من القوات هما ميّ كحالة والعقيد ريمون المعلوف. المفصل الاساسي في قضية القبض على جعجع كانت نظرية عدم إمكانية إنشاء جيش طالما سمير جعجع حرّ. سوقوا هذه الفكرة عند حكمت الشهابي وهو عراب الجيش اللبناني في سوريا ثم لدى حافظ الأسد».
إميل لحود
يطول الوقت. تكرج الساعة. يتحدث عن إميل لحود. يتحدث عن وجوده الذي أصبح ضرورياً بالقرب من الرئيس الهراوي: «ذات يوم قال لي الرئيس: هل تريد يا أخ أن تصبح مدير الأمن العام. ثم سألني هل تريد أن تصبح حاكم مصرف لبنان. هذا لا أحد فوق رأسه. ثم سألني: هل تريد أن تصبح وزيراً للخارجية؟ أجبته: أتشرف شرط ألّا تعلن ذلك الآن. لكن الياس الهراوي لم يكن يستطيع كتمان سرّ فشاع الخبر في اليوم التالي في كل الصحف: بويز الى الخارجية. وبعد أيام أتاني إتصال من صديق مشترك مع عمر كرامي هو سليم حبيب قال لي فيه: أن إسمي ليس مدرجاً بين أسماء تشكيلة الوزراء الجدد. فعرفت أن الهراوي أذعن لإرادة رفيق الحريري وجوني عبدو بعدم توزيري. غضبت». يتابع بويز رواية الخبرية بإسهاب وفي محصلتها أن كرامي حمل التشكيلة الى الشام وهناك قال له الأسد: يبدو أن رفيق الحريري يتدخل في حكومتك فأجابه بأنه سيضمه – من حصته – كوزير للخارجية. وليسمِ الهراوي وزيراً سنياً. هنا يقول بويز: «ما حصل منحني إستقلالية ولولاه لكنت مديوناً للرئيس الهراوي في وزارة الخارجية ولما تمكنت من إعادة بنائها».
في صدر المكتب، حيث نجلس، بنادق صيد وأسلحة «ديكور» من الحرب العالمية الثانية. يحب فارس بويز الصيد كثيراً يصطاد من الحيوانات الخنزير والغزال والأسد والنمر والفهد ووحيد القرن. ولا يأكل أبداً مما يصطاد. وهو مغرم بالخيل. وعاشق للتزلج وللبحر ويقول: أنا قبطان وأعرف كيف اتعامل مع البحر. يقرأ كثيراً وتربطه صداقة مع وليد جنبلاط ونبيه بري. وماذا عن صداقته القديمة مع سليمان فرنجية الذي كان يصطاد معه؟ يجيب: إختلفنا لأسباب ثانوية جداً.
لديه أربعة اولاد: نهاد، طارق، ريا وأندريا. وهو فخور بالأربعة.
القصص لا تنتهي. خبريات لا تعدّ ولا تحصى. رفيق الحريري وهو باتا أصدقاء بعد جفاء والسبب؟ وجود إميل لحود. طال الوقت. ينتهي الحديث لكن الذكريات نهر لا ينضب.
هل تعيين قائد للجيش اللبناني هو مسألة مسيحية أولاً باعتبار أنّ الموقع مخصص لضابط ماروني من خلال توزيع المناصب الأمنية بين الطوائف؟ أم أنه مسألة لبنانية عامة؟ وهل يؤخذ برأي المسيحيين في هذه المسألة؟ أم يتم تجاوزهم كما يحصل في القضايا الأخرى من رئاسة الجمهورية إلى سائر المواقع وصولاً إلى التهجّم على البطريرك الماروني، وعلى الحضور المسيحي في التاريخ اللبناني، ودور الموارنة في ولادة لبنان الكبير الذي دمّره الحاقدون على هذا الدور وعلى هذا الحضور ليقدّموا البديل الذي آل إليه لبنان المدمّر والمنهار اليوم والبعيد عن روحيته وأساس قيامه كدولة وككيان مستقلّ كان له حضوره الفاعل في العالم كله؟
تُطرح مسألة قيادة الجيش اليوم مع اقتراب موعد إحالة قائده العماد جوزاف عون إلى التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل. وبين التمديد له، أو تأجيل تسريحه، أو تعيين قائد ماروني جديد محلّه، أو رئيس أركان درزي يمكن أن يتولّى القيادة في حال الشغور، تتوالى عمليات المناورة والتلاعب بأهم موقع عسكري في الدولة اللبنانية. والأخطر في هذه المسألة أنّها تحصل بينما تتعمّم بين الطوائف حالة من التعصّب البعيد عن فكرة قيام الدولة والمؤسسات.
تجارب مذهبية: شيعة وسنة ودروز
يحصل كل ذلك عندما تتحوّل قضية قيادة الجيش إلى قضية مسيحية فيتدخّل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ليعلن أنّه من غير المسوح إسقاط قائد الجيش مطالباً بالتمديد له. ويحصل أيضاً عندما تتولّى «القوات اللبنانية» من خلال تكتلها النيابي تقديم مشروع قانون للتمديد لقائد الجيش عبر مجلس النواب، بعدما كانت تقاطع جلسات التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية. ويحصل أيضاً في الإتجاه المعاكس عندما يتولّى «التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون حملة ضد التمديد للقائد الحالي ومحاولة تعيين ضابط جديد في القيادة يكون موالياً لهم شخصياً مسقِطين ما كانوا يتمسّكون به وهو أن تكون من صلاحية رئيس الجمهورية اختيار قائد الجيش في بداية عهده.
ويحصل الشدّ الطائفي في موضوع قيادة الجيش بينما تنهار دولة المؤسسات أيضاً في المواقع الأخرى. فكما في الصف المسيحي لم يعد مستغرباً أن يحمل نواب من الطائفة السنية مشروع التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي تنتهي ولايته في أيار المقبل ولا يعود هناك أي خجل في الإشارة إلى أن هذه المطالبة تقوم على خلفية رفض أن يتولّى ضابط شيعي المسؤولية محل عثمان وكأن كارثة ستحلّ على البلد والطائفة. ولا تقتصر المسألة عند هذا الحد إذ أنّها تربط بقضية أخرى وهي إحالة مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إلى التقاعد أيضاً في شباط والتخوّف من أن يحلّ محلّه قاضٍ شيعي، أو قاضية. هذه الأمور لم تعد تُخفى وراء الكواليس ولم يعد الحديث عنها مدعاة للخجل ولم يعد من يتحجّج بها يستحي مما يفعل ويقول.
اللواء عماد عثمان
لا يقتصر الأمر على هذا الحد. مع طرح تعيين رئيس للأركان في الجيش، وهو موقع مخصّص لضابط درزي، توضع الكرة عند رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط ليختار الإسم المناسب للموقع، ويُطلب منه التعهد بأن يكفل أداء هذا الضابط في حال تولّى القيادة إذا لم تُحلّ مسألة التعيين أو تأجيل تسريح القائد الحالي. ولا يجد جنبلاط حرجاً في الإعلان عن أن «حزب الله» هو من طلب هذه الضمانة، وفي الإشارة إلى أنّ في هذا الأمر إهانة له وتشكيك بتعهده وخياره.
القاضي غسان عويدات
أمن عام وحاكمية وشيعة وموارنة
وما يحصل في هذه المواقع جرى مثله في حالتي المديرية العامة للأمن العام ثمّ في حاكمية مصرف لبنان. حصل مع اللواء عباس ابراهيم المدير العام السابق للأمن العام ما يحصل اليوم مع قائد الجيش العماد جوزاف عون. كان ابراهيم يتولى مسؤوليات عدة بحكم موقعه ودوره وقيل أنه من الأفضل أن يبقى في موقعه لاستكمال العمل في الملفات التي يتعاطى بها. ولكن قيل أيضاً إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يكن راضياً عليه، وأنّه بقي «يمرجح» فيه وبمسألة التمديد حتى انتهت مدة خدمته وخرج إلى التقاعد.
ولكن لم تكن توجد مشكلة وظيفية في هذه الوظيفة باعتبار أنّ آلية انتقال الموقع إلى الضابط الذي يحلّ محله كانت واضحة ولا لبس فيها. ولذلك لم يكن هناك حرج في الحديث عن الضابط الماروني الذي سيحلّ محل الضابط الشيعي. فالموقع كان في الأساس للموارنة وكان منصب المدير العام لأمن الدولة للشيعة وعندما عُيِّن اللواء جميل السيد مديرا للأمن العام على عهد الرئيس إميل لحود أعطي الكاثوليك موقع المدير العام لأمن الدولة.
في حاكمية مصرف لبنان كانت تحصل المبادلة بين الموارنة والشيعة. حكي كثيراً عن أنّ الإنهيار سيحصل بسرعة أكبر بعد انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة الذي رُبِط اسمه سنوات طويلة بالإستقرار النقدي قبل أن يصير مربوطا بحال الإنهيار. كانت مسألة خلافته واضحة من خلال النص الذي يولي هذه المسؤولية لنائبه الأول وسيم منصوري، وهو شيعي. وحكي كثيراً عن تحفّظ الثنائي الشيعي على تولّيه هذه المسؤولية حتى لا يتم تحميله مسؤولية الإنهيار. خرج رياض سلامة من مصرف لبنان ووُضِع اسمه على لائحة العقوبات التي تصدرها وزارة الخزانة الأميركية وتولى منصوري المسؤولية ويستمرّ الإنهيار ولو استقرّ سعر الدولار.
بين الرئاسة والقيادة
الأمر نفسه يطرح اليوم مع اقتراب موعد إحالة العماد جوزاف عون إلى التقاعد. يحكى عن تردد جنبلاط في تحمّل مخاطر أن يتولّى ضابط درزي مسؤولية القيادة في هذه المرحلة الخطيرة التي يمرّ بها لبنان، خصوصاً بعد الإشتباكات التي تحصل على طول جبهة الجنوب والدور المطلوب من الجيش اللبناني في ظلّ استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية والوضع المتردّي الذي تمرّ به حكومة تصريف الأعمال ومجلس النواب. فمن إيجابيات قيادة العماد جوزاف عون أنّه استطاع أن يحافظ على استمرار المؤسسة العسكرية بينما تنهار المؤسسات الأخرى.
ولكن هذا الإستقرار مردّه إلى الرهان على دور هذه المؤسسة في الحفاظ على وحدة الدولة. ولكنّه استقرار غير ثابت وغير آمن لأنّه يستند إلى مقومات أخرى إذا انهارت انهارت معها المؤسسة. من هذه المقومات الدعم المادي والمعنوي الذي يتلقّاه الجيش من الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص ومن دولة قطر وهو مستمرّ قياسا إلى عاملين: الثقة بالقائد جوزاف عون، والحرص على عدم تعريض الدولة للإنهيار التام الأمني. ومن هنا تصبح مسألة خلافة عون أو بقائه في موقعه مصيرية أكثر مما كانت عليه في الأمن العام أو حاكمية مصرف لبنان أو في قوى الأمن الداخلي والنيابة العامة التمييزية.
فدرالية وظائف
ولكن في هذه اللعبة المأسوية التي يواجه فيها لبنان الإنهيار الشامل، يرتفع منسوب الشحن الطائفي بشكل لم يعهده اللبنانيون من قبل. حتى في خلال الحرب لم يكن هناك حديث مترافق مع التعيينات في الوظائف كما يحصل اليوم. بعد دولة الطائف وبعد 15 عاماً من الوصاية السورية ثم 18 عاماً على انتفاضة 14 آذار تتحلّل الدولة في كل وظائفها ويطغى الخطاب المذهبي والطائفي على كل ما هو وطني. ولكن ما يمكن التوقف عنده في هذا المجال هو أنّه في الأمور المتعلقة بالشيعة والدروز تبقى المسألة محصورة باختيار الثنائي الشيعي بين «أمل» و»حزب الله» في ما يخصّ المواقع الشيعية وتبقى متعلقة بما يقرره وليد جنبلاط بالنسبة إلى المواقع الدرزية.
منذ العام 1992 أمسك الرئيس بري بقرار التعيينات الشيعية عندما فرض مثلاً على مجلس القضاء الأعلى أسماء القضاة الشيعة والمناصب التي يتولّونها ولم تمرّ التشكيلات إلا بعدما أقنع وزير العدل بهيج طبارة رئيس مجلس القضاء الأعلى فيليب خيرالله بالسير بها. ومنذ انتهاء عهد الوصاية عام 2005 يتولّى بري بتفويض من «حزب الله» اختيار أسماء الوزراء الشيعة والحقائب التي يتولونها ولا يعطي الأسماء إلا قبل موعد إصدار المراسيم وأخذ الصورة التذكارية. وعندما تصل المسألة إلى المواقع المسيحية تختلف الأمور.
منذ ما بعد العام 1990 تصرّف قادة الطوائف الأخرى في ظل عهد الوصاية وبعده وكأنّ لهم الحق في اقتسام الحقوق المسيحية. ولذلك طالما أنّ تسمية رئيس مجلس النواب صارت مسألة شيعية وتسمية رئيس الحكومة مسألة سنية، قبل أن يكسر احتكارها «حزب الله» من خلال امتداداته داخل الطوائف الأخرى، وتسمية الوزراء الدروز مسألة تخصّ وليد جنبلاط، بقيت مسألة رئاسة الجمهورية خاضعة للإبتزاز حتى لو اتفق عليها كل الموارتة مع البطريركية المارونية باعتبار أن ما للمسيحيين يجب أن يشاركهم فيه الآخرون.
البطريرك الراعي والعماد جوزاف عون
هل من انتفاضة مسيحية؟
في ظل طغيان الخطاب المذهبي المترافق مع التعيينات يتم التعاطي مع موضوع قيادة الجيش كما تمّ التعاطي مع موضوع رئاسة الجمهورية. على رغم أن بكركي و»القوات» وسائر القوى المسيحية، باستثناء «التيار الوطني الحر»، يطالبون بالتمديد لقائد الجيش، يعمل «حزب الله» ومن معه على ابتزازهم ومحاولة فرض خياراته عليهم متلطّيا وراء باسيل. يريد عون وباسيل أن يعيِّنا قائداً للجيش وأن يطيحا بالعماد جوزاف عون.
في الأساس كان عون من اختيارهما ولكنّه لم يكن مطواعاً ولم يقبل أن يكون موظفاً عندهما، وارتكب الجريمة الكبرى عندما طُرح اسمه كأبرز المرشحين الذين يمكن التوافق عليهم ليكون رئيسا للجمهورية. ولذلك بدأت حربهما عليه منذ انتفاضة 17 تشرين 2019. ولكن من يضمن لهما أن يكون القائد الذي يختارونه أداة بيدهما وهما خارج السلطة؟ وهل يمكن أن تستعيد بكركي مع القوى المسيحية الملتفة حولها في قضية قيادة الجيش حق القرار في ما خصّ المواقع المسيحية؟ تجربة رئاسة الجمهورية لا يمكن البناء عليها، ولكن هل يمكن أن تكون هناك انتفاضة مسيحية مارونية في ما خصّ قيادة الجيش لتكون مقدمة لاستعادة المبادرة في مسألة رئاسة الجمهورية؟
إنّ انتفاضة من هذا النوع تعيد التوازن إلى الوضع الداخلي بحيث لا يعود التعرّض للبطريرك الماروني، سواء أكان اسمه يوحنا مارون أو نصرالله صفير أو بشارة الراعي، مسألة عادية.
توسع البحث الدائر حول تجنب الشغور في القيادة العسكرية، فبعد ان كان يركز فقط على التمديد التشريعي او التقني لقائد الجيش العماد جوزاف عون، انتقل الى تعيين رئيس جديد للاركان يتولى الحلول مكان قائد الجيش منعاً للشغور او الى تعيين اعضاء المجلس العسكري في مجلس الوزراء، لأنه لا يجوز ان يعمل القائد بمعزل عن المجلس الممثل لكل المكونات، والذي يشكل داعماً قوياً للقرارات الكبرى.
ولم يقتصر الوضع على هذا الحد، بل طالب نواب بأن تشمل معالجة الشغور، ليس فقط المركز المعجل شغوره للعماد جوزاف عون، بل ايضاً سائر قادة الاجهزة الامنية، بمن فيهم مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان.
ويأتي هذا الحراك السياسي- النيابي – الحكومي، بعدما تبين ان نقاط الخلافات لم تحسم، وبدا ان الدليل على تأثيراتها السلبية تطيير جلسة مجلس الوزراء امس، مع ان التمديد التقني لم يكن على جدول اعمال الجلسة.
وحسب مصدر وزاري، فإن المخرج من مجلس الوزراء ليس بالسهولة، التي يظنها البعض، موضحاً لـ”اللواء” ان هذا الامر يهدّد انعقاد مجلس الوزراء، لاسباب لا تتعلق بالتمديد فقط.
أوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” أن ملف تأجيل تسريح قائد الجيش خضع لأول اختبار بعدما كان يفترض أن يحضر في سياق البحث التمهيدي داخل الحكومة أمس إلا أن عدم اكتمال النصاب ادى الى تأجيل طرحه ولعله يحتاج إلى مناخ من التوافق. وهذا ما اظهرته المعطيات.
ورأت هذه المصادر أن تمريره لن يكون بهذه السهولة انطلاقا من القانون والسياسة لاسيما أن أي قرار من الحكومة يحتاج إلى موافقة وزير الدفاع ، مشيرة إلى أن الأشكالية تكمن في تأمين ميثاقية القرار والغطاء المسيحي لأي مخرج. اما انعقاد جلسة تشريعية لهذا الهدف أي التمديد لقائد الجيش فالدعوة اليها مناط برئيس مجلس النواب الذي لا يزال يتريث في اتخاذ القرار.
ومع تأجيل الجلسة، تزايدت التسريبات عن مآل الاقتراحات المتصادمة، في حال أقدم مجلس الوزراء على مقاربة مسألة حسم بقاء العماد عون في منصبه.
فمصادر السراي الكبير تحدثت عن ان الامين العام لمجلس الوزراء محمود مكية اعد دراسة قانونية ازاء ما يمكن اعتماده من مخارج، تحاشياً للشغور في قيادة الجيش اللبناني، في مقدمها ان الحل الانجح هو التمديد التقني للعماد عون.
الا ان المصادر، وفي ضوء اعتراض وزير الدفاع موريس سليم، واعتبار ان تأجيل التسريح اجراء يصدر عنه بوصفه وزيراً للدفاع، كشفت ان الرئيس نجيب ميقاتي يتحرك بين حدّين، تجنب التسرع، والحرص على تجنيب الجيش الشغور القيادي.
بالمقابل، وفي محاولة للتلطي وراء موقف “الثنائي” ممثلاً بحزب الله، تداولت الدوائر العونية، فضلاً عن الرفض المبدئي من قبل التيار الوطني الحر بالتمديد للعماد عون، نقلاً عن مصادر في 8 آذار (في اشارة الى حزب الله من دون تسميته) ان خيار التمديد لعون بات من الماضي، والخيارات المتبقية: استلام الضابط الاعلى رتبة (اشارة الى العميد بيار صعب) او تعيين رئيس للاركان يتولى زمام القيادة لحين ملء الشغور الرئاسي، او اجراء تعيينات شاملة (قائد جيش ورئيس اركان واعضاء مجلس عسكري).
تجدر الاشارة الى ان وزير حزب الله في الحكومة مصطفى بيرم اوضح ان موضوع التمديد لقائد الجيش لم يطرح على وزراء حزب الله، مضيفاً: “كل شيء بوقتو”.
وخلال اللقاء بين وفد “الجمهورية القوية” برئاسة النائب غسان حاصباني لرئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط، تطرق البحث الى دعم اقتراح “القوات اللبنانية” التمديد لرتبة عام، عبر تشريع في مجلس النواب، وايد جنبلاط الاقتراح مطالباً بالضغط ايضاً لتعيين رئيس للاركان.
وفهم ان نواب الاعتدال تمنوا ان يعدّل اقتراح التمديد بحيث يشمل سائر قادة الاجهزة الامنية، بما في ذلك مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان.
وحسب مصدر “قواتي” فإن هذا الامر لا يمكن ادراجه ضمن اقتراح التمديد لرتبة عماد، لان اللواء عثمان يحال الى التقاعد في ايار المقبل، ولا ينطبق عليه شرط العجلة.
يعود القلق الأمني ليسكن الهواجس، خوفاً من عودة الاحتجاجات إلى الشارع في حال ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني، والتي بدورها قد تستدعي توترات، خصوصاً وأن التفلّت الأمني يستشري في مختلف المناطق، وبعد حادثة بشرّي، كانت حادثة بر الياس حيث قضى شخص وجُرح آخرون بعد حادثة إطلاق نار عشوائي على مسجدٍ.
وفي هذا السياق، لا بد من التذكير أيضاً بحوادث إطلاق النار التي تحصل يومياً في طرابلس، والتي يذهب ضحيتها قتلى وجرحى، وآخرها كان محلّة شارع دائرة التربية في المدينة، وكذلك الأمر في الضاحية الجنوبية، حيث قضى شخصان وجُرح آخر في إطلاق نار في برج البراجنة قبل أيام، وهذه الحواث آخذة بالتكرّر يومياً.
مصادر أمنية تُبدي قلقها عبر “الأنباء” الالكترونية من انتشار الجرائم بشكل عشوائي، وخصوصاً تلك المرتبطة بإطلاق النار والقتل، وتقول إن السلاح الفردي منتشر بشكل فوضوي وواسع في صفوف مختلف اللبنانيين، ما يزيد من احتمالات حصول الجرائم مع تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع حدّة التوتر السياسي والاجتماعي بشكل عام في البلاد.
المصادر تُطمئن لجهة أن “القوى الأمنية، وبشكل خاص الجيش، تتدخّل عند كل حدث لتمنع تمدّده، كما حصل في بشرّي وبر الياس مثلاً، وبالتالي فإنها تحصر الجريمة، لكن المشكلة تكمن في عدم قدرتها على منع الجريمة من الحصول واستباق المُجرم، وذلك يعود إلى انتشار السلاح والظروف السيئة التي تستجد بين الحين والآخر والتي تكون بمثابة شرارة تُشعل إشكالاً”.
كما تنسب المصادر غياب القدرات الاستباقية إلى أن “الجرائم التي تحصل بغالبيتها فردية وعلى خلفية خلافات شخصية أو عقارية، وليس سياسية وطائفية، وفي معظم الأحيان، فإن قرار إطلاق النار والقتل يكون فردياً وليس جماعياً ومنظماً، وبالتالي فإن أجهزة الاستخبارات غير قادرة على معرفة خطط الجريمة قبل حصولها في هذه الحالات”.
لا تتحمّل الأجهزة الأمنية وحدها مسؤولية الفوضى الحاصلة والجرائم المتسلسلة التي تستجد، بل إن السياسة والقضاء مسؤولان أيضاً، وعلى كل طرف تحمّل مسؤولياته في إنجاز الاستحقاقات وتسيير عمل المؤسسات وفق الدستور والقانون، وإلّا فإن مسلسل الجرائم سيستمر، وسيحصد المزيد من الأرواح.
يتريث رئيس مجلس النواب نبيه برّي في الدعوة إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية. ويعمل مع «حزب الله» على تأمين 65 صوتاً لمرشحهما رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية. فيما تبلور في الأيام الماضية اتفاق بين المعارضة ورئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل قد يقلب المعادلة الرئاسية ويُخرج «التيار» نهائياً من صفوف دعم مرشح «الثنائي الشيعي».
يعيش لبنان سيناريوات عدّة للمعركة الرئاسية: السيناريو الأول يتمثّل باستمرار التعطيل وعدم قدرة الداخل على انتخاب رئيس. السيناريو الثاني ولا يزال مستبعداً هو انخراط الخارج بشكل حاسم يؤدي إلى اتفاق دولي واقليمي يحسم هوية الرئيس الجديد. السيناريو الثالث هو اقتناع الجميع بفعل الضغط الدولي بالنزول إلى الجلسة وترك الخيار لصندوق الإقتراع، وعندها قد يتكرّر سيناريو إنتخابات 1970 عندما فاز مرشح «الحلف الثلاثي» وكتلة «الوسط» سليمان فرنجية على مرشّح «النهج الشهابي» الياس سركيس بفارق صوت واحد.
وإذا أخذت المعركة طابع السيناريو الأخير، سيكون العدّ و»البوانتاج» في أوجّه. وفي نظرة أولية قبل احتدام المعركة، وفي حال اتفقت المعارضة و»التيار الوطني الحرّ» نهائياً على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، سيشهد البرلمان معركة قاسية بين فرنجية وأزعور. وهنا تصير الغلبة لمنطق الأرقام والأعداد. وفي تفصيل أولي للأرقام النيابية قبل اشتداد المنافسة وضغط القوى السياسية والسفارات، يتمثّل المشهد بالآتي:
«السليمانيون»
النواب المؤكدون الذين سينتخبون فرنجية:
– كتلة «الثنائي الشيعي»: 31 نائباً.
– كتلة فرنجية: 4 نواب وهم طوني فرنجية، ملحم طوق، فريد الخازن وميشال الياس المرّ.
– تكتل «التوافق الوطني» ويضم 5 نواب هم: فيصل كرامي، حسن مراد، محمد يحيى، عدنان طرابلسي وطه ناجي.
– النائب العلوي عن طرابلس حيدر ناصر والنواب جهاد الصمد، عبد الرحمن البزري وعبد الكريم كبارة.
«الجهاديون»
أمّا النواب المؤكدون الذين سينتخبون أزعور فهم:
– تكتل «الجمهورية القوية» ويضمّ 19 نائباً.
– تكتل «لبنان القوي» ويضم 17 نائباً، وهنا تفيد المعلومات أنّه حين ووجه باسيل بواقع الخلاف الحاصل داخل «تكتل لبنان القوي» ازاء الاستحقاق الرئاسي، كان ردّ باسيل جازماً بأنّ النواب الـ17 سيصوتون معه وهو يعالج الأمور الداخلية في كتلته ولا يوجد أي معارضة لخيار أزعور والكتلة ستذهب بصوت واحد إلى الجلسة، كما أكّد وقوف «الطاشناق» في الخندق الإنتخابي نفسه مع «التيار» والأغلبية المسيحية.
– كتلة «الكتائب اللبنانية» 4 نواب.
– كتلة «تجدد» وتضمّ 4 نواب هم ميشال معوض، أشرف ريفي، فؤاد مخزومي وأديب عبد المسيح.
– 6 نواب من «التغيير».
– نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت والنواب الذين أبلغوا المعارضة سيرهم بمرشحها وهم: شربل مسعد، ميشال الدويهي، إيهاب مطر، بلال الحشيمي، جان طالوزيان، غسان سكاف.
«الرماديون»
أمّا النواب الذين ما زالوا في الدائرة الرمادية ولم يحسموا خيارهم فهم:
– كتلة «الإعتدال الوطني»: 6 نواب وينتظرون تأييداً سعودياً واضحاً، لم يتأمّن. وفي حين يؤكّد برّي تصويتهم إلى جانب فرنجية، هناك تأكيدات من الكتلة بعدم مخالفتها الإجماع المسيحي وسط معلومات عن انقسامها بين فرنجية ومرشح المعارضة.
– كتلة «الطاشناق»: 3 نواب مع أنها تؤكّد عدم مخالفتها الإجماع المسيحي وتعهّد باسيل بذلك.
– 5 نواب من «التغيير»، إضافة إلى النواب: نعمت افرام، اسامة سعد، ميشال ضاهر، جميل عبود، نبيل بدر.
ويبقى الموقف المنتظر لكتلة «اللقاء الديموقراطي» التي تضم 8 نواب، وهي تؤكد إلى الآن التصويت بورقة بيضاء بانتظار حسم الموقف. لكن هناك عدة عوامل ومؤشرات وضِعت على الطاولة، أولها تأكيد «اللقاء» عدم خوضه معركة ضدّ الإجماع المسيحي، كذلك عدم مواجهة «الثنائي الشيعي»، وثانيها تسلّم النائب تيمور جنبلاط زمام الملف الرئاسي ورفضه المطلق لإنتخاب فرنجية، وبذلك يُرجح إصطفافه إلى جانب المعارضة.
في المحصلة، يكون مرشح المعارضة قد ضمن 57 صوتاً من دون «اللقاء الديموقراطي» و»الطاشناق» و»الإعتدال الوطني»، مقابل 44 صوتاً لفرنجية (ولو أنّ داعميه يؤكدون تأمينه حوالى 55 صوتاً)، فيما لا يزال 19 نائباً في الدائرة الرمادية، و8 أصوات لـ»اللقاء الديموقراطي» ينتظرون اللحظة الحاسمة ليحدّدوا إصطفافهم. وقد أعلن معظم النواب الرماديين معارضتهم لإنتخاب فرنجية باستثناء كتلة «الإعتدال الوطني» وسيصوّت بعضهم بورقة بيضاء إذا لم يتفق مع المعارضة ما يعني خسارة محتّمة لفرنجية في الدورة الثانية إذا سارت الامور على الشكل الحالي.
وتدلّ هذه الأرقام على الإرتياح الذي يسود المعارضة بعد اتفاقها مع «التيار الوطني الحرّ» والتي سترسي معادلة جديدة لا يمكن تجاوزها برلمانياً وحتى ميثاقياً لأنّ الأغلبية المسيحية باتت في المكان المعارض لانتخاب مرشّح «الثنائي الشيعي».
أصبح واضحاً أنّ رئاسة الجمهورية، هي المحرّك الرئيس لكل السلطات في لبنان، وضمانة انتظام المؤسسات الدستورية. ومن دونها نكون في وطن معلّق ومن دون رأس، تملأ جسده الثقوب.
لبنان الذي يرزح تحت ثقل مشكلاته المستعصية، لا يزال يتمتع بالحدّ الأدنى من الأمن يوفره الجيش وسائر الأجهزة العسكرية والأمنية. ولكن المأساة المعيشية وأزماته المالية المتدحرجة، تظلّ قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في اي لحظة. قد يكون من حظ لبنان انّ الخارج منشغل عنه بقضايا اكثر الحاحاً، وأهمية، لأنّ العالم – خصوصاً الشرق الاوسط – يمرّ بتحوّلات خطيرة تدفع في اتجاه نظام اقليمي جديد، قد يفرز نظاماً عالمياً ينهي أحادية القطب التي سادت مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وتفكّك منظومة حلف «وارسو». هذا الانشغال يمنع تحوّل اي توتر داخلي إلى ما يشبه الحرب الأهلية، ويبقي اللعبة مضبوطة وتحت السيطرة. على أنّ ملف النازحين وموقف الغرب المريب منه، هو ما يحمل على القلق بسبب الهواجس والمخاوف المشروعة للبنانيين جراء الفوضى المتأتية من سوء إدارة هذا الملف من جهة، والعجز عن استنباط الحلول الممكنة او المطلوبة في ظل الضغط الأممي الذي يتقاطع مع السعي الاوروبي والأميركي لإبقاء النازحين حيث هم، في انتظار الحل الشامل للأزمة السورية أو استخدامه بيدقاً على رقعة «الشطرنج» الدولي والاقليمي. من هنا يتعيّن على الأفرقاء المحليين مغادرة خنادقهم، والجلوس معاً لبدء حوار يتركّز حول كيفية التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، سعياً وراء ملء الشغور، وتدارك التداعيات التي تكرّ سبحتها يوماً بعد يوم. فليس المطلوب رئيس تحدٍ، ولا رئيس لا لون له ولا طعم. إنّ الرئيس الذي ينتظره اللبنانيون يجب أن يكون نتاج قناعة وطنية داخلية، وقادراً على الإفادة من التحولات الدولية والاقليمية. ويبدو- وفق المعلومات المتطابقة – أنّ الاجواء، غير مهيأة بعد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في المدى المنظور، لأنّ المعالجات الناشطة تتطلب المزيد من الوقت لإزالة الألغام المزروعة في طريقه، وهي ليست من النوع السهل، وقد تنفجر بالجميع، إذا لم يجر التعاطي معها بعناية. والى أن تحدث « المعجزة» ينبغي التنبّه ومحاذرة الدوس عشوائياً في حقل الألغام.
عندما باشرت القيادة السعودية الجديدة مسار التطبيع مع الأسد، لم تكترث للاعتراضات الأميركية المتوقعة. وفي تقديرها أن مصلحة المملكة تكمن في الانفتاح شرقا وغربا وتنويع مصادر الدعم والتبادل. ولذلك، أحدثت الرياض في الأشهر الأخيرة خروقات واسعة في جدران العلاقات مع الصين وإيران ونظام الأسد.
وأساساً، ومنذ اللحظة الأولى، نشأت علاقات متوترة أو فاترة بين القيادة السعودية الشابة وإدارة الرئيس جو بايدن.
بعض المتابعين في الخليج ينتقدون واشنطن بالقول: يتصرف الأميركيون وكأنهم ما زالوا ممسكين وحدهم بزمام الأمور في الشرق الأوسط. وقد تمادت إدارة بايدن في توجيه الانتقادات إلى القيادة السعودية الجديدة حول سلوكياتها في مسائل مختلفة، ولم تُبد الانفتاح الكافي عليها، فيما كانت تفاوض إيران في شكل حثيث وتعمل على إحياء الاتفاق معها.
حتى إن واشنطن لم تقدّم الدعم الذي كان السعوديون والإماراتيون يتوقعونه في حربهم الشرسة مع إيران في اليمن، خصوصا عندما تعرضت منشآتهم للغارات بالصواريخ والمسيرات.
ويتردد في بعض الأوساط الخليجية أنّ واشنطن تتصرف باستعلاء مع بعض حلفائها الخليجيين، وتعتقد أنهم باقون في «الجيب» مهما تقلبت الظروف، وسيحتاجون دوماً إلى دعمها.
ولكن، في الواقع، يميل الخليجيون إلى المزيد من التفرد والاستقلالية في مقاربة العديد من الملفات الساخنة. فقد رفضوا مشاركة الولايات المتحدة حصارها النفطي لروسيا عند اندلاع الحرب في أوكرانيا. كما تجرأوا على الانفتاح شرقاً، نحو موسكو وبكين، وأبرموا اتفاقاً مع طهران برعاية صينية، وهم يستعدون للتقدم خطوات في مسار التطبيع مع الأسد.
وفي هذه المسألة الأخيرة، حصلت «انزلاقات» عربية عديدة، وعلى مدى سنوات، في اتجاه التطبيع مع نظام الأسد. وكان مقرراً إنهاء القطيعة بين الجامعة العربية ودمشق في قمة الجزائر العام الفائت، ولكن تبين أنّ الخطوة لم تكن ناضجة عربياً، كما أنها لم تلق الترحيب أميركيّاً.
وفي الواقع، جاءت حرب أوكرانيا لتفرض تحولات سياسية عميقة. إذ قلبت الموازين وبدّلت في طبيعة العلاقات والتحالفات بين القوى الإقليمية والدولية، وكان أبرزها استفادة الصين من الانشغال الأميركي والأوروبي لتوسيع دورها، خصوصا في آسيا وإفريقيا. وفي هذا السياق، هي نجحت في دفع المملكة العربية السعودية إلى الانفتاح والتطبيع مع إيران.
هذا الواقع أثار حفيظة الأميركيين الذين أدركوا أن قواعد اللعبة تبدّلت في الشرق الأوسط، وأنهم على وشك فقدان الامتياز الذي تمتعوا به طويلاً، أي احتكار النفوذ على هذه البقعة البالغة الأهمية استراتيجياً. لكن هذا الأمر لم يمنع المملكة من المضي في نهجها الجديد، القائم على الانفتاح وحلحلة الأزمات باستخدام البراغماتية بدلاً من المواجهة. وفي هذا السياق، يأتي انفتاحها على نظام الأسد.
واليوم، يطلق الأميركيون تحذيرات جدية في اتجاه الخليجيين، من مغبّة تطبيع علاقاتهم «مجاناً» مع دمشق. وفي تقدير واشنطن أنّ الأسد سيستفيد من هذا الانفتاح لإنقاذ نفسه ونظامه، لكنه لن يلتزم أي تعهّد يقطعه أمام العرب، لا في مسائل الإصلاح الداخلي ولا في النأي بالنفس عن الصراعات التي تخوضها طهران في المنطقة. وسيبقى مرتبطاً بإيران وروسيا والصين مهما تقلبت الظروف.
لم تنجح الولايات المتحدة في ثَني المملكة وحليفاتها الخليجيات عن التطبيع مع الأسد. لكنها قررت تحريك حجارة اللعبة في مكان آخر. ففقدان «الحماسة» من جانب مصر والأردن والكويت ودول أخرى للانفتاح على الأسد، جاء نتيجة دخول الأميركيين على الخط، وسعيهم إلى فرملة التطبيع بين الأسد والقوى العربية والإقليمية.
وحتى اليوم، لم تتكفّل رسائل واشنطن بوقف مسار التطبيع على الخط السعودي. ولكن، كان لافتاً بيان وزراء الخارجية العرب الذين عقدوا مؤتمرهم أخيراً في جدة، إذ خلا من الكلام على عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وفي المقابل استفاضَ في الدعوة إلى تسوية سياسية في سوريا يرعاها العرب، وانتقد الدور الذي تضطلع به إيران والقوى الموالية لها. وهذا الأمر له مغزاه السياسي.
في تقدير المتابعين أن الأميركيين دخلوا على خط التطبيع مع الأسد، وذكّروا الذين يعنيهم الأمر بأنّ العلاقات مع النظام ما زالت خاضعة لضوابط قانون قيصر، ما يعني إمكان شمول المطبّعين بالعقوبات. وهذا التحذير كان أساسياً في التزام العديد من الدول العربية جانب التريث وفرملة مسار الانفتاح.
والسؤال الأساسي الذي يطرحه الأميركيون على حلفائهم العرب هو: هل حصلتم على ضمانات من الأسد بالتزام التعهدات، قبل الدخول في مسار التطبيع؟
طبعاً، ليست هناك ضمانات. لكن العرب يقولون: جرّبنا مواجهة الأسد لسنوات، فلم ننجح في تحصيل حقوق الشعب السوري، وازداد نفوذ إيران. واليوم نجرّب طريقا آخر، ونحاول استيعاب الأسد ودفعه إلى التزام الحلول السياسية من خلال التطبيع، لعل ذلك يقدم فائدة عملانية للسوريين.
وضمناً، هناك عتب عربي على الولايات المتحدة لا يجري البوح به. وثمة من يقول إن القوى الغربية التي ادّعت أنها كانت تقاتل لإسقاط نظام الأسد، هادَنته في غالب الأحيان، ولم تكترث لمعاناة الشعب السوري.
ويقول البعض: كل ما يريده الأميركيون هو أن يحفظوا لأنفسهم الامتياز برعاية التطبيع مع الأسد والتوافق مع طهران، وأن يقطفوا الثمار هم لا الصين ولا روسيا. ولهذه الغاية أيضا، أوعَزوا إلى حليفتهم الإقليمية تركيا بوقف التقارب مع دمشق، بعدما بلغ شوطا متقدما، برعاية موسكو.
إذاً، مسألة التطبيع مع الأسد وصلت إلى نقطة حاسمة، بين إصرار بعض القوى العربية الفاعلة على التطبيع، ومساعي واشنطن لفرملتها باعتماد سياسة «هز العصا». فما هي الحدود التي يمكن أن تبلغها؟
يلفت موقع “قضاء جبيل” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره.