عاد اسم غسان النعسان، المعروف بلقب “الطرماح”، إلى الواجهة بقوّة، لكن هذه المرّة من بوابة الدم والغموض. فقد عُثر على جثته مصابة بطلقات نارية في منطقة تلة أبو عضل، الواقعة بين أدما والصفرا في قضاء كسروان في حادثة سرعان ما فتحت الباب أمام سيل من التساؤلات حول طبيعتها وخلفياتها ولماذا رجال الأسد هم موجودون في كسروان فهل بدفع من “حزب اللّه” لإبعاد الشبهات؟
توقيف متهم
وفي وقت تتابع فيه الأجهزة الأمنية اللبنانية التحقيقات، أعلن مساء عن توقيف مديرية المخابرات في الجيش اللبناني (و.د.)، المتهم بقتل السوري غسان النعسان السخني في بلدة كفرياسين – كسروان، على خلفية خلاف مالي. وجاء التوقيف نتيجة عملية رصد ومتابعة نفذتها مديرية المخابرات، أسفرت عن إلقاء القبض على المشتبه فيه وتوقيفه تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه.
أمّا عن تفاصيل ما حصل، فبحسب المعطيات المتوافرة، النعسان، وهو قائد ميداني سابق في الجيش السوري إبّان حكم نظام الأسد، جرى استدراجه من مكان إقامته قبل أن يُعثر عليه مقتولًا في المنطقة المذكورة. وتشير روايات غير رسمية إلى أنه ركب سيارة “هيونداي” بيضاء يقودها شخص مجهول، قبل أن ينقطع الاتصال به، ليُعثر لاحقًا على جثته قرب منزل كان يقيم فيه في كسروان. ورجّحت مصادر خاصة أن عملية القتل جاءت عقب محاولة خطف فاشلة انتهت بتصفيته ميدانيًا.
خلفية “الطرماح” العسكرية
النعسان، الذي انتقل للإقامة في طبرجا بعد دخوله لبنان خلسة عقب سقوط نظام بشار الأسد، لم يكن اسمًا عابرًا في المشهد العسكري السوري. فهو أحد أبرز قادة ما عُرف بـ “قوة الطراميح”، التي عملت تحت مظلة “قوات النمر” بقيادة العميد السابق سهيل الحسن، المطلوب للقضاء السوري، والتي تحوّلت لاحقًا إلى “الفرقة 25 مهام خاصة” في الجيش السوري السابق. وكان يُعرف بقربه الشديد من الحسن، وبعلاقاته الوثيقة مع القوات الروسية التي أدّت دورًا محوريًا في دعم تلك التشكيلات.
وتفيد مصادر سورية مطّلعة لـ “نداء الوطن” بأن النعسان يُعدّ من بين المتهمين بارتكاب مجازر حرب خلال سنوات الحرب السورية، وهو مطلوب للقضاء السوري. ووفق المصادر نفسها، فقد فرّ إلى لبنان مع بدايات معركة “ردع العدوان”، قبل أن تتوافر لدى الأجهزة الأمنية السورية معلومات تفيد بأنه يقيم في لبنان بطريقة غير شرعية، وكان ينسّق مع قوات “قسد”، ويتمتع بعلاقات نشطة مع فلول النظام السابق في لبنان والعراق. كما ورد اسمه بعد إحباط وكشف عمليات تهريب أسلحة من سوريا إلى لبنان بطرق غير شرعية عبر الحدود السورية – اللبنانية، ما أعاد وضعه في دائرة الرصد والمتابعة، وأدرج اسمه ضمن لائحة المطلوبين للقضاء السوري الموجودين في لبنان بطرق غير شرعية.
من هو “الطرماح”؟
ينحدر غسان النعسان من بلدة قمحانة في ريف حماة الشمالي، وهي المنطقة التي شكّلت الخزان البشري الأساسي لـ “أفواج الطراميح”. تولّى قيادة مجموعات النخبة والاقتحام، وكان يُصنف ضمن الدائرة الضيقة المحيطة بالعميد سهيل الحسن. وشارك بشكل محوري في معارك مفصلية، أبرزها دير الزور، حلب، الغوطة الشرقية، وريف إدلب، ولا سيّما معارك بلدة الهبيط عام 2019. وقد اعتُبر “فوج الطراميح” القوّة الضاربة الأبرز ضمن الفرقة 25، حيث اعتمدت عليه القيادة العسكرية في أكثر العمليات تعقيدًا وخطورة .
حادثة اغتيال النعسان في كسروان لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي المعقد، ولا عن تشابك الملفات الأمنية بين سوريا ولبنان. فهي تسلّط الضوء مجدّدًا على وجود شخصيات عسكرية وأمنية تابعة للنظام السوري السابق على الأراضي اللبنانية، وعلى حجم التحدّيات التي يفرضها هذا الواقع، في ظلّ غياب إجابات حاسمة حتى الآن. وبين فرضية الجريمة الجنائية واحتمال الاغتيال الثأري أو الأمني، يبقى السؤال الأبرز: من أراد إسكات “الطرماح”، ولماذا الآن؟

