نعى الممثل اللبناني اسعد رشدان ابن بلدة عمشيت النائب الراحل جان عبيد عبر صفحته على الفايسبوك قائلاً : تبخّر الحلم.
جان عبيد، لم يعد لك في ذمّتي الا الزيارة.
سوف تحصل، فوعدي دين، لاني لست رئيس تيار ولا رئيس مجالس ولا حتى رئيس بلاد، وحصولها لم يعد بعيداً…
جان عبيد، بكيتك دمعاً ودماً.
بكيت على نفسي، على حلم أولادي بوطن يشبه ولو حذاء الدول المتقدمة.
حتى هذا الحلم تبخر اليوم، فقد
رحل جان عبيد …
“جان عبيد… أنت تمثّلني”.
عمشيت في ٢٠١٨/٥/٧
منذ حوالى السنة، وعلى إثْر لقاءٍ صباحيّ عبر الشاشة الفضيّة بعنوان “برج اليوم ومعنى إسم أسعد”، تكلّمت في الفن والمجتمع والسياسة، من خلال رؤيتي الواضحة والثابتة، فكان اللقاء جيداً أقلّه بالنسبة اليّ، لِتمتُّعِ محاوِرتي بالثقافة والمنطق والخبرة المميّزة واللباقة الأخّاذة.
مرّت عدّة ساعات على هذا اللقاء؛ وعند المغيب، كنت في الطريق الى بلدة شيخان الجبيلية، في زيارةِ أقاربَ أعزّاء، رنّ هاتفي فأجبت، وإذ بصوت لطيف يسأل إن كان بالإمكان التحدّث الى الأستاذ أسعد رشدان، فكان جوابي البديهي: أسعد يتكلّم، من معي؟ قالت:
مكتب الأستاذ جان عبيد. لحظة من فضلك. الأستاذ عبيد يريد التحدّثَ اليك…
لا أُنكر أنني شكّكت بجدّية هذا الاتصال وخِلت أن أحدهم يحاول تمرير مزحة، فحضّرت نفسي لها بدافع الحذر الذي كان يرافقني دائماً، تحاشياً لمطبّات السخرية العفوية البريئة والجارحة في آن. عندها نظرتُ الى الهاتف لأعاين الرقمَ المتّصل لعلّي أعرف صاحبه؛ رقم هاتفٍ خلويّ مميز ينتهي بخمسة أرقام متماثلة.
وما إن مرّت برهة، حتى انساب صوت هادئ، يحمل ثقة واضحة، مفعمة بالرصانة والتواضع والاحترام، وبعضٍ من الإعجاب، هنأني على المقابلة التي شاهدها كاملة. فأجبت شاكراً بالحذر ذاته، حذري من أن لا يكون المتكلّم هو الشخص نفسه الذي ادّعتهُ الآنسة المتّصلة. وأعترفُ أن هذا الإحساس رافقني على مدى المكالمة.
تبادلنا الكلام، بين اطراء وإثناء على نظرتي للأمور وعلى تحليلي للأسباب ورؤيتي المستقبلية للحلول المرجوّة، انطلاقاً من تجربتي الاغترابية المتواضعة، وبين شكري لمبادرته المشرّفة الفريدة والمفاجئة. دامت المكالمة لحوالى العشرين دقيقة انتهت بدعوته لي لزيارة مكتبه في سن الفيل واعداً إياه بتلبيتها عندما تسمح ظروفه وظروف عملي.
وصلت الى حيث أقصد والدهشة كانت ما زالت تتملّكني مع بعض الشك، كوني لم أعتد خلال حياتي، وما توقعت يوماً، أن أفاجَأ بهكذا اتصال مباشر راقٍ من سياسي لبناني، كان نائبا ووزيراً ومرشّحاً دائما لرئاسة الجمهورية اللبنانية دون وجود أيّ معرفة شخصيّة بيننا.
اول ردة فعل لي كانت التأكّد من رقم الهاتف بواسطة التطبيق true caller الذي أظهر من دون لبس اسم المتّصل: جان عبيد.
لقد عايشت هذه الحالة مع عضو الكونغرس الأميركي السيناتور
Sen. Jhon Culberson
ممثِّل منطقتي السكنيّة في مدينة هيوستن – تكساس، والذي ما إن اتصلت بمكتبه بناء على نصيحة صديق، حتى بادرني بعد ساعة او اكثر بقليل بالاتصال بي شخصياً، انا المهاجر اللبناني الأصل طالباً مني مقابلته بعد أخذ موعد من مساعِدته للاستماع الى قضيتي، والتي حلّها لي خلال ثلاثة أيام بعدما كانت متماطلة لاكثر من خمس سنوات بسبب حساسية بعض موظفي الهجرة وتحفّظهم على تسهيل الهجرة للعرب وفي مقدّمهم اللبنانيون. وخلال ستّة أشهر من تاريخ المقابلة، كانت الإقامة الدائمة “Green Card” بين يديّ.
لم أقابل الأستاذ عبيد حتى الساعة، لكن فرحي بنجاحه اليوم، والذي لم يكن مفاجئاً، يوازي فرحي بحصول الاستحقاق، كما الفرح بنجاح كل أحبائي الناجحين كتائب وقوّات لبنانيّة ومستقلّين وعلى رأسهم الصديقة الحبيبة بولا يعقوبيان، لما يعني نجاحها من أمل ورجاء…
جان عبيد، هنيئا لنا وللبنان بأمثالك.
يكفيك فخرا هذا التواضع والواقعية وهذا الرقيّ في التعاطي الإنساني المسؤول، الذي إن دلّ على شيء، فعلى سموّ العلاقة الوطنية الصرفة بين المسؤول والمواطن، والذي لم نرَ مثيلاً لهذا الرقيّ، الا في المجتمعات الغربية المتقدّمة، والذي ما عرفناه الا عبر أخبار الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي…
وعلى أمل أن تعمّ هذه الظاهرة الحضاريّة بلدنا فننتقل من مرحلة المحسوبيّات والمصالح الشخصيّة والانتخابيّة الضيّقة، الى مرحلة المواطنة الحقيقيّة الشاملة، رأيت انه يتوجّب عليّ أن أتوجّه بالشكر العلنيّ إلى الأستاذ جان عبيد، خاصة أنني لا أعرفه شخصيّاً كما ذكرت، وأني لست ناخباً في منطقته، كما التوجّه اليه بالتهنئة القلبيّة الحارّة لاستحقاقه هذا الفوز المشرّف.
شكراً سعادة النائب والف مبروك.
نحن من ورائك، ولا نطلب منك الا وطناً يكون على صورتك ومثالك.

