22.1 C
Byblos
Saturday, December 6, 2025
جبيلياتالخوري طوني الخوري : إرجعوا إليَّ بكلِّ قلوبكم بالصّوم والبُكاء والنّوح

الخوري طوني الخوري : إرجعوا إليَّ بكلِّ قلوبكم بالصّوم والبُكاء والنّوح

 وقف النبيّ أمام الشّعب كلّه. فتح فاه متكلّماً باسم الربّ، وقال: “وَلَكِنِ الآن يَقُولُ الرَّبُّ: “ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ” (يوئيل12\2).

     “إِرجعوا إليَّ” يقول الرّب، دعوةٌ تكشِف عن جوع الربّ إلى الإنسان، وتفتحُ شهيّة الإنسان للعودة إلى المصدر. والعودة ممكنة، بفعل كون المصدر والداً يَلِدُ أبناءَه على الدّوام، ويُرضِعهم حليب رحمته الإلهيّة المجّانيّة، لأنّه لا يُسَرّ بِموت مَن يموت بل بعودته عن طريقه الشّرّيرة فيَحيا من جديد (حز13: 11). ويجب الإنتباه إلى حقيقة أنَّ العودة إلى المصدَر الوالِد، لا تتمّ لاستحقاق المَدعوّ وجدارته، بل للطفِ الدّاعي ورحمته (تي3: 5)، ورأفته اللامتناهية، والجديرة وحدها بالثّقة: “ارْجِعُوا إلى الرَّبِّ إِلَهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤوفٌ رَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ ” (يوئيل12: 13).

    والعودة الى الله تصبح ممكنة عندما يسمح الإنسان لنعمة الله بأن تدخل الى كيانه، وتهزّه في الصّميم، وتُزلزل انسياقه إلى الخطيئة، وتعطيه القوة على الثّورة على الذّات، وتمزيق القلب:” ارْجِعُوا إِلَيَّ بكُلِّ قلوبكم وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ….مزقوا قلوبكم لا ثيابكم”(يو12: 12-13)، يقول الرّب.

   لم يقل الربّ، إرجعوا إليّ بتقدماتكم الباطلة، ولا بتديّنكم الكاذب، بل بكلّ قلوبكم؛ فالعودة الصّادقة إلى الله تكون على مستوى الباطن والكيان أي القلب، لا على مُستوى اللّسان والفم والبطن والمأكل والمشرب والملبس. إذاً، إهتداء القلب إلى الله هو المطلوب الأوّل، لا الإنقطاع عن الدّسِم من الطّعام والغالي من الشّراب والنّفيس من الثياب، وغيرها. اهتداء القلب هو الأساس في العلاقة مع الربّ، وما دونه ليس سوى كذب ودَجلٌ ومواربةٌ ومُمارسات مُزيّفة وتديّنٌ مُنافق، وطقوسٌ خارجيّة لا تُخلّص مُمارسها. وهذا التديّن قد يغشّ الإنسان، ولكنه لا يمرُّ على الله “فاحِص القلوب والكِلى”(إر17: 10). واهتداء القلب يطال عمق الأفكار والمشاعر والقرارات والخيارات والأفعال، فهذه كلّها يجب أن تتوب وترتدَّ وتتغيّر بشكلٍ جذري متناسقٍ مع إرادة الله. ولهذا، فالصّوم هو أوّلاً تحوّل جذريّ في القلب، أي في الدّاخل، يُنير الخارج بجمالٍ إلهي مُميّز، فيُصبح الدّاخل والخارج سَيّان.

    في الواقع، كثير من الصائمين جاهزون “ليمزقوا ثيابهم”، ليَرشموا جباههم بالرّماد، لينقطعوا عن المأكل والمشرب، ليكتفوا بالطّقوس الخارجية، وليَبقوا على مستوىً سطحي في علاقتهم مع الله ومع إخوتهم! ولكن قليلون هم الذين على استعداد للعمل على الباطن، على القلب فاسحين بذلك بالمجال أمام الرب ليبسط مُلكه على قلوبهم، ويرتدّوا فيُهديهم.

    لا معنى للصّوم إن ضيّع هدفه؛ وهدف الصّوم هو اللقاء بالربّ وبالإنسان، وإلاّ لا داعي لتصويم البطن، بل فلنأكل ونشرب لأنّنا غداً سنموت.

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!