ردت الدكتورة تريز فايز الهاشم ابنة بلدة العاقورة على مداخلة الوزير السابق فارس بويز وقالت : في إطار المداخلة التلفزيونية التي أجراها معالي الوزير السابق للخارجية، الاستاذ فارس بويز ، على شاشة تلفزيون ال LBC بتاريخ ٢١/٥/٢٠٢٠، مع الاعلامي طوني خليفة، وردت على لسانه بعض المغالطات التاريخية، إذ انه حصر وحسر ولخّص كل تاريخ الموارنة وبالتحديد موارنة العاقورة، بأنهم رعاة. طبعا نحن رعاة ومزارعون ونفتخر بأن الارض والزراعة أنشأتنا وعلمتنا واوصلت كل واحد منا حيث اراد ان يصل.
نحن رعاة ومزارعون ولسنا غزاة، بل اسياد ارضنا واملاكنا ومصيرنا. جعلنا من عرقنا شرابنا اليومي.
كما تعجبت كيف ان معالي الوزير بويز، فاته، وربما لا يعرف، ان النهضة التربوية والفكرية والعلمية التي قامت في لبنان والشرق، بدءا من القرن السادس عشر ،قامت بمساهمة كبيرة من جانب الموارنة. ونذكره ايضا ان من اطلق وأسس هذه النهضة، هو الآباتي العلاّمة نصرالله شلق العاقوري، من العاقورة، الذي كان رئيسا ومؤسسا لمدرسة رافينا المارونية في ايطاليا. فباع املاكه ووهبها ليؤسس المدرسة المارونية في روماEcole Maronite de Rome, سنة 1584، بمساعدة البابا غريغوار ١٣ ( المرجع: دراسة لسيادة المطران ناصر الجميل )
والمعروف ان هذه المدرسة المارونية خرّجت اهم واعظم الكهنة والبطاركة الذين عادوا الى لبنان واسسوا المدارس ونشروا العلم والطباعة وجعلوا من لبنان منارة علمية للشرق، ما زلنا نستنير بها حتى يومنا، والتاريخ يشهد. وانتقل نورها الى كل الشرق العربي. ونتيجة لهذا التألق عُقِد سنة ١٧٣٦ المجمع اللبناني في دير اللويزة، الذي اعلن الزامية التعليم لكل الاولاد ويطلب حرفيا من الاكليروس :
علِّموا كل الاولاد وبخاصة الفتيات منهم واطعموا الجياع بينهم، وهكذا صار ….
يكفي للعاقورة ان يكون ابنها قد ساهم في تأسيس المدرسة المارونية في روما، هذه المدرسة التي غيرت وجه لبنان ومصيره ووصلت تردداتها الى كل الشرق العربي.
هنيئا لنا ان نكون مزارعين أسياد متجذرين في ارضنا وفكرنا واجنحتنا تجوب العالم كله.
معالي الوزير بويز، ذكر ايضا اننا، كموارنة، نخال أنفسنا من مستوى ملوك وامراء فرنسا، البوربون وأورليان وقد ذكر ذلك بتهكّم واستهزاء. لذا سأسمح لنفسي بأن افيده ببعض الحقائق
التي لو كان يعرفها، لما كان قد صرح هذا التصريح. هي حقائق وليست انطباعات.
هل يعرف أن هناك شارع في باريس اسمه “شارع الموارنة” ؟ هل يعرف معاليه انه في القرن الخامس عشر وبعده، كانوا في جامعة السوربون وغيرها يصفون الشخص العالم المتفوق بأنه “علاّمة مثل الماروني ؟ Erudit comme un maronite.
وبهذا السياق افيده أيضا بأن العلامة الماروني النابغة ” جبرائيل الصهيوني ” ، من إهدن (١٥٧٧) كان رجل البلاط الاول للعلم في بلاط ملك فرنسا، لويس الثالث عشر دو بوربون، ولا مجال هنا لذكر عظمته ونبوغه وانجازاته حتى انه تمّ حفر اسمه بالخط العريض على المدخل الرئيسي للمعهد الملكي الفرنسي Collège de France
اما العلامة “يوسف سمعان السمعاني” ،من حصرون (١٦٨٧) فقد سار على خطى العطاء الحضاري نفسه في فرنسا واوروبا ولبنان .
معالي الوزير ، لامجال هنا للاستفاضة بالتفاصيل.
ومع محبتي واحترامي للموارنة، نؤكد لمعاليه أن كل مذهب وكل طائفة من طوائف لبنان لها تاريخ حضاري ومساهمات حضارية ضخمة، في لبنان والعالم، تفوق حتما خيالنا ومعرفتنا المحدودة بها، وقد رشفنا جميعنا منها كلها وساهمت بالتأكيد في تكوين شخصيتنا كلبنانيين.
الحضارة صناعة كونية تساهم فيها جميع الأمم والشعوب والأفراد، وهي لا تُختصر لا بحقبة ولا بشخص.
هي الفضاء الإنساني الذي لا ينضب، والذي يحفظ لكل الشعوب انسانيتها وحقها في المساهمة في بنائها.
مساهماتنا سجلها التاريخ، ومن نسي تاريخه خرج من التاريخ…اما نحن… فنعرف تاريخنا، وقررنا ان نبقى في التاريخ.
مع خالص احترامي ومحبتي وامتناني العميق لكل الحضارات.

