14.8 C
Byblos
Wednesday, December 17, 2025
أبرز العناوينميشال زخيا عيسى... ورحلة في الماضي الجميل

ميشال زخيا عيسى… ورحلة في الماضي الجميل

بقلم الأستاذ -غانم إسطفان عاصي

بين قلمي وأفكاري حكاية شغف،وبين صمتي وبوحي واحة تعبير، فلا التردّد يغلبني،ولا الكسل يقتحمني،لأسكب في كلّ مرّة يدعوني قلبي كلماتي على صفحة صادقة من صفحات عمري، وهكذا بالأمس وفي أجواء حزيرانية ،تتماوج فيها حرارة الطقس مع حرارة الموّدة ،فلقد جمعتنا “صبحية”حاكية إلى رجل الأعمال العصامي “ميشال زخيا عيسى”،في بيتنا العتيق الذي يعبق برائحة الزمان، في زيارة موعودة للوالدة ” بربارة مخايل الحويك “والتي رغم أنها تكبره ببضع سنوات،لكنها رافقت براءة أيامه، وشاركته ملاعب طفولته في جبيل الخمسينات والستينات من القرن الماضي،هي التي كانت تسكن بمعية عمها الغيور والكاهن البار الخوري بوسف الحويك،حيث أن والديها لازما الضيعة للإعتناء بالأرض في سبيل تأمين لقمة عيش كريمة للعائلة،وهنا راحت زوجة عمّها “مريم عيسى” والتي كانت ” أخت الرجال” وشديدة الذكاء، وثاقبة النظر كحميها الذي ارتبط إسمها بإسمه “مريم بو مخايل”،وكم أحبّت العمّة ابن شقيقها “ميشال “وجعلته مميّزا بين الحميع، واعتنت بعائلتها كما اعتنت بأرضها وتنبّأت له بمستقل باهر.

وسافرنا على أجنحة الذكريات الى الأحاديث الدائرة في فلك مرحلة من العمر علقت في خيال الزمن،وإنطلقت بين الوالدة والضيف الكريم ومن دون “شور أو دستور” ولا مجال فيها لمداخلاتنا وما علينا ٱلا الإصغاء،وبدأت بمسابقة إستفسار تسابقت فيها الأسئلة مستعجلة الأجوبة:”هل مازال” فلان أو فليتان” على قيد الحياة أم أخذ الرب أمانته ؟!هل تزوّج أم بقي عازبا ؟!كم عدد أفراد أسرته؟وماذا حصّلوا من شهادات ؟! وأية أعمال يزاولون؟!وهل خطفتهم الهجرة أم تسمّروا في بؤس الوطن…….”

وحطّ بنا الرحال أمام لوحة رسمها الوفاء على وجنات الأيام، ولوّنتها رفقة الزمن البريء، وراحت تداعبها أنامل الحنين وتغمرها تجاعيد السنين، وجلنا معهما فوق ربوع ماض تتماوج فيه أصداء الحياة الحلوة وتزنّره العيشة “الهنيّة”،وتضمّه الأيادي السخية، وتخفق به القلوب النقيّة، وتزنّره النفوس الأبيّة، وتُتوّجه البراءة المزدانة بعبق التاريخ، وشهد. “الخواجة ميشال” على نضارة وجه “أم غانم” رغم تراكم السنوات، كما أن ذاكرتها المتقّدة ما نالت منها أوصاب الشيخوخة وما تمكّنت من أن تغلبها، وما إستطاعت شدّة الأحزان ومرارة الأزمان من أن تصلبها، وكانت العاطفة الصادقة قد إصطحبت الزائر المميّز إلى دارتنا،ولم تدع مشاغله الكبيرة تشغله عن أصدقائه،ولم تتمّكن إضمامات أمواله من تبديل أحواله، وتربّع التواضع على عرش مسيرته، فكانت إمبرطوريته إنسانية قبل أن تكون نفطية ,عبر تأسيسه ” شركة عيسى للبترول “والتي إنتشرت في أرجاء الوطن وامتدّت الى عالم الإغتراب، وشمخت بصاحبها شموخ أشجار النخيل العمشيتية، وهو صمد في ذهن الوالدة بصورة ذلك الفتى الذي كان يقصد عمّته ليلهو مع أترابه.

وتتابعت حكايات الجمال، وراحت تستذكر الوجوه المغروسة في البال، من الجيرة الجبيلية إلى الدوحة العمشيتية فالرحاب.الحصاراتية، وكأني بالزمن قد عاد بنا إلى الوراء ناهلا من ينبوع الرواء، وعندما حاولت الوالدة أن تذرف الدمع على ألأهل والأحبّة الذين إنفطرت عليهم القلوب، قابلها ” ميشال” بما يوازي الحكمة. “إن الوداع حق ولكن الفراق صعب” وما لنا ولوجع الذكريات، دعينا من التأثر واشلحينا في أحضان الفرح ،وخذينا وإزرعينا في خصب الطفولة، حيث ترتسم الضحكة الخجولة، واستوت الذكريات على أريكة الوفاء مسترجعة أيام “البيلطة” والشيطنة وبراءة الشباب والصبايا، وعشرة صدق النوايا، ولهفة الٱباء والأجداد، وأخبار العشق والغرام كمثل هيام الشاعر الراحل خليل روكز بجارتهم “الرائعة الجمال…”، وماذا عن اندفاع بربارة للدفاع عن “ميشال” كلما تٱمر عليه أترابه، وكما يقدّران

“للخوري يوسف” إهتمامه بالأولاد من دون تفرقة بين قريب أوغريب، فكذلك للجد

” أسعد عيسى” الذي كان يوزّع عليهم القبّعات المغزولة بيديه من بلح عمشيت،ويجلب لهم أغمار قصب السكّر…وهكذا ركض الوقت بسرعة الشوق، ورفعنا نخب اللياقة والذوق، وقد إستوينا في هذه الجلسة المميزة ،نحن أهل البيت مع شقيقته” ديدس عيسى” والتي تُشاركنا النسب وبرفقتها إبنها “بيار الحويك”، “وحفيدتها”ميشالا الحويك.

وبعدها راح يتأمّل الضيف الكريم معالم بيتنا التراثية ويهيم في الصور الدهرية، وحيث سُحر بالأجواء وبالأرجاء، وثمّن هذا اللقاء بالأغلى، وغدت هذه الزيارة بأنها من أحبّ الزيارات على قلبه، وقد أعادته إلى ماضيه الذي يتباهى به ولا يخجل، فمن لا ماض له فلا حاضر ولا مستقبل، وهكذا من بيت متواضع الى طموح لامع فإنجاز بارع.

ونظرت الوالدة إلى أم بيار قائلة “وكأني اليوم قد إمتلكت عودة من الأرزاق”، إنها الذكريات التي لن يطويها النسيان ولن يمحوها الزمان، إنها براءة الصغار التي عشّشت في ذهن الكبار، إنه التقدير اللامحدود من العطر للورود.

وإختتمت الزيارة على أمل تكرارها، مرفقة بالتمني بطول العمر وبالعافية والصحة، والعيون تدمع فرحا، والقلوب تخفق محبة، والعيون تلمع حنينا.

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!