كتب نقيب محرري الصحافة الاستاذ جوزف القصيفي : برحيل العم طاطيوس تطوى صفحة من الذكريات تمتد إلى قرن ونيف. انه آخر الشهود على مجزرة لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا لهولها، وهو الشهيد الدائم عندما كان يطوف على أجنحة الذاكرة مستعيدا صور الماضي الحزين المخضوب بالفاجعة. وككل ارميني نبت به أرضه وشد الرحال إلى الملاذات آلامنة، إجتهد وجاهد الجهاد الحسن ،مازجا صبيب عرقه بسكيب دمعه، فعمل غامسا لقمته بزيت الكرامة وأنشأ مع رفيقة حياته عائلة بادلته الوفاء حتى الرمق الاخير . كان هاغوب،فارتان، سيروب مثال الابناء الصالحين الذين انكبوا على خدمة والدهم، متفانين في توفير كل اسباب الراحة له، ورعوه صحيا إلى أن اخذ الرب أمانته بعد هذا العمر المديد. كان العم طاطيوس في سنيه الأخيرة بركة تتنفس، يراقب بصمت، يلاحظ بانتباه، ومسحة الرضا تعلو محياه وتعكس ما في سريرته من نقاء وصفاء. طال به العمر، لكنه كان يليق بامثاله من الذين كانوا نسمة حيية، وبنفسجة متواضعة يشق اريجها طريقه إلى الانوف،فيعبق العطر موارا يلون المطارح ،ويحدث عن رجل اقتعد ولم يتقاعد، أو يستقيل من دنياه التي ملأها حبا للناس واحتراما لهم. لم يكن طاطيوس طوباليان تفصيلا في مدينة الابجدية، وقد اورث عشقها لأولاده. ومن لا يعرف في مدينة الحرف والاشرعة والمجاذيف هاغوب، واذاعته التي توزع الفرح وتنشره ،كما تنشر الشمس شعاعاتها، والقمر نوره. كما موقعه الرحب كصدره لا يضيق بصاحب رأي وموقف. ليس هاغوب، فارتان وسيروب وحدهم في الحزن. اهل جبيل ،منطقتها، الاصدقاء الكثر، يشاركونهم ويتحدون معهم بالاسى ،وهم يودعون وجها جميلا، وديعا، متواضعا،يختزن تاريخا من آلام وآمال. العم طاطيوس في رحلته الأخيرة يحمل معه الذكريات حلوها ومره، ويبقي ذكراه حية في القلوب ،عندما تهب رياح الحنين إلى تلك الحقبة التي لن تتكرر. وختاما لست أجد في وداعه افضل من قول الإنجيل الذي عنون نعيه:” طوبى لانقياء القلوب لأنهم سيعاينون الله”( متى: ٥:٨). العم طاطيوس ستعاين الله في ملكوت السماء.


