قبل أسبوع أغمض يوسف ابراهيم كنعان عينيه، وهو الذي كانت تليق به الحياة.
لم يكن ابن جديدة المتن بحاجة الى منصب أو لقب. فقد حاز بكل استحقاق على اللقب الأسمى وهو محبّة الناس. فالشيخ يوسف، كما يسمّيه عارفوه، المحبّ والمعطاء، الصلب في مبادئه، المجسّد لها في تصرفاته وحياته اليومية، بنى نفسه بنفسه، وكان صاحب رؤية وبصيرة.
التزم “أبو ابراهيم” بالكنيسة، فشارك في بناء حجرها من الجنوب الى الشمال، وكبّر ووسّع كنيسة مار سركيس وباخوس في مسقط رأسه جديدة المتن، والتي احتضنت جثمانه في رحلته الأخيرة يوم رقد على رجاء القيامة. علاقاته كانت راسخة بالبطريركية المارونية والرهبانيات والكنيسة. وقد نقل هذه المحبة الى أولاده، ليقوموا بنقلها من بعدهم الى أحفادهم.
لقد كان رجل حوار واقناع. ويوم تقاتل الاخوة في العام 1990، آلمه المشهد كثيراً، وسعى جاهداً لمنع توسّعه، وهو الذي كانت له صداقات واحترام كبيرين من ألبير مخيبر الى كميل شمعون وكمال جنبلاط وريمون اده، والبطريرك مار نصر الله بطرس صفير، والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي.
في مجال الأعمال، نفذ بين عامي 1965 و1975 أبرز المشاريع العقارية والسياحية في لبنان. وكان من الأساسيين في ازدهار منطقة جونية العزيزة على قلبه، والتي كانت تعرف بعاصمة الموارنة. بالتخطيط والاستثمار، خلق مدناً جديدة من قضاء البترون الى جبيل وكسروان والمتن الشمالي. وعلى الرغم من أن صيته ذاع في بلدان الاغتراب، الاّ أنه أبى أن يترك لبنان في أحلك الظروف، على الرغم من قدرته على ذلك، وازداد تشبثاً بالأرض التي أحب، وشعاره الدائم “الأرض أغلى من الذهب”، وقد قرن القول بالفعل، فكانت ثروته العقارية لا توازيها، سوى ثروة محبّة الناس له، وهو الذي لم يغلق باباً امام محتاج، عملاً بقول السيد المسيح “اقرعوا يفتح لكم”.
وعلى غراره، فتحت زوجته ماري الباب للخدمات الاجتماعية والجمعيات، بابتسامة من القلب تظهر دائماً على محياها.
عائلته الصغيرة كانت كنزه، وقد سرّ بابنه ابراهيم، يدخل الندوة البرلمانية ويحوز احترام الجميع بعمله التشريعي والرقابي البنّاء. وكان نجله وديع، يده اليمنى في مجال الأعمال والخبرة في الشؤون العقارية والسياحية، وترك بصمة إن على صعيد الأمانة العامة لنقابة اصحاب الفنادق، أم في رئاسته للجنة السياحة والنقل والتنظيم المدني في المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
أما المحامي بول، فسار على خطاه أيضاً في حبّ الكنيسة، مؤسساً تجمّع موارنة من أجل لبنان قبل سنوات، لينطلق الى حيث تدعو الحاجة من الأطراف الى عمق العاصمة. أما شديد، فبرع بدوره في مجال المشاريع العقارية والسياحية في لبنان.
أماّ بالنسبة الى ابنتيه، ريتا وجوزيان، فتعلمتا منه ومن الوالدة، حبّ الناس والخدمة العامة.
هي عائلة يوسف ابراهيم كنعان التي شرّبها محبة لبنان وصيّة من الأجداد الى الأحفاد. برحيله، يسقط شلح أرزة، ستبقى راسخة في وجدان وقلوب عارفيه. برحيله، يفقد لبنان أحد آخر رجال الزمن الجميل.