أخرج “بيته” النيابي من دائرة روتين العادات السياسية اليومية المملة الى رحاب المناطق اللبنانية والمواقف الوطنية دون مسايرة ولا مواربة , ولو تلقى السهام من الأبعدين والانتقاد من الأقربين .
يختزن الدكتور فارس سعيد في شخصه تاريخ الموارنة المكتوب والمعاش أكثر من أي شخصية مارونية سياسية وحزبية تتعاطى العمل السياسي .
هو رجل فكر وطني . ينهل من معين الموارنة الأوائل الذين عملوا على تكوين الكيان وتحقيق الاستقلال في فلسفة وجود وكينونة هذا الوطن الصغير الجامع للأقليات الدينية المضطهدة من هذا الشرق العربي الكبير .
هو رجل فكر سياسي . يواكب مجريات الأمور السياسية في لعبة المصالح الأممية ، ويراكم في مخزون ثقافته أحدث وأهم الافكار السياسية والعقائدية العالمية، فيصبح والحال هذه على بينة من ربط الأحداث بمسبباتها وأهدافها ، ومصالح المشتركين فيها من اللاعبين الكبار ، وموضع “الوطن الصغير” في تجاذبات الارتهان والهيمنة والاستئثار .
حمل مشعل العلم والفكر في العمل السياسي . حرر نفسه من المصالح الشخصية والمنفعة العائلية ، ومن الأنانية والزبائنية ، ومن الحزبية الجشعة التي تستبيح كل شيء من أجل بقائها واستمرارها على حساب الوطن والدولة والمواطن ، والأمثلة كثيرة ووفيرة .
من رئاسة الأمانة العامة ل 14 اذار ،الى لقاء سيدة الجبل ، الى تجمع مناهضة ايران في لبنان “والوطن الصغير” قائم في عين فارس سعيد والدكتور فارس سعيد هدف في أعين أخصامه ، ومحسود في أعين رفاقه كيوسف بين أخوته وأقرانه .
تعب الكثيرون منه في الأمانة العامة ل 14 اذار . وأتعب اهل “الحل” السياسي “والربط” التحاصصي لعدم مجاراتهم في مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية .
تعبوا من شعاره ” لبنان أولا” الذي عمل له وتمسك به على مساحة10452 كلم٢ دون اي تنازل لأنهم يريدون :
الطائفة اولا
والمذهب اولا
والحزب اولا .
لأنهم يريدون الاحتكارات اولا والكارتلات والسمسرات والمحاصصات والزبائنيات والارتهانات اولا وأخيرا .
وفي لقاء سيدة الجبل ، صمد معه الصامدون المناضلون وانكفأ عنه المسترئسون المسترزقون .
وشعار دعوته الى مناهضة ايران في لبنان سرقته الأحزاب ومعظم المرشحين للانتخابات ، وهم يحولونه اليوم الى ” عدة شغل” للخطابات والمزايدات والعنتريات في الساحات لكسب التأييد والاصوات . وبعد الانتخابات يتحولون الى مصاحبة ايران تحت الف تبرير وتبرير كما حصل مع السوريين بألف سبب وسبب .
ولن ننسى في هذه العجالة عن الدكتور فارس سعيد ، موقفه الوطني التاريخي الذي حذر فيه من مخاطر التسوية الرئاسية التي آلت الى خراب ودمار وانهيار لبنان والى ” اتفاق معراب” وما تضمنه من اقتسام لحصص المسيحيين في الحكومة والنيابة والادارة العامة …
وبسبب موقفه هذا ، تباعد عنه أقطاب “التسوية ” وأصحاب “الاتفاق” بسبب صوته الصارخ الذي راح يؤنبهم كما أنب صوت الرب قايين ؟
وها هي البلاد خراب فوق خراب ، ونهب فوق سرقات ، وانحلال في الادارة ليس له مثيل ، وتضارب صلاحيات في القضاء أفقده هيبته ومرجعيته ، واستقواء على استقواء عند القوى النافذة وكأن الدولة أصبحت تسير على شعار ” سيري فعين الله ترعاك” .
يترشح فارس سعيد للانتخابات وبرنامجه سيرته وثوابته ومواقفه .
برنامجه هو تاريخه الشخصي والعائلي والوطني وليس مطولات وتدبيجات مكتوبة على ورق وممجوجة على السمع وشعارها : ” كتبنا وما كتبنا “.
أن يحسد موارنة السياسة فارس سعيد ؟ فهذا أمر طبيعي، “والحسد كان قديما في الناس”.
أن لا تستسيغه الأحزاب لا في حلوه ولا في مره ؟ فهذا شأنها وهذا عيبها .
تناوئه الأحزاب المسيحية وترفضه الأحزاب الشمولية وتعارضه المجموعات التقسيمية وتنكره الشخصيات الوصولية ولكنه ، يبقى الوطني الناصل ، والماروني الفاعل ، والسياسي الشاغل ، والمحاور العاقل ، والحكم العادل ، والمواطن الفاضل له في صندوقة القلوب أعلى “الحواصل” .
فارس سعيد ما أخطأ يوما في ما حذر منه ، وقد يكون صوته من أصوات اولائك الموارنة المتنورين التي تصدح في برية “جهل الجاهلينا”.
فارس سعيد ما أخطأ مرة في ما نبه منه من عواقب التسويات على حساب الوطن والمواطن ، وما نبه منه من تسييس الإدارة والقضاء ، وما نبه منه من الانحراف عن عروبة لبنان والانجرار في سياسة المحاور ، وما نبه منه من تذويب “شخصية لبنان” الفريدة في الصراعات الاقليمية فبات يشكل ” عقدة ذنب” عند الذين لا يريدون عروبة لبنان ، ولا حياد لبنان ، ولا استقلال لبنان ، ولا حرية لبنان ، ولا فرادة لبنان من كل الطوائف والاحزاب ومن أصحاب المراهنات الملغومة والارتهانات المجنونة.
فارس سعيد يجمع بين فكره المسيحي ووجدانه الوطني جمعا متداخلا متلازما متخالطا في وحدة تقوم على وحدانية الدولة بكل مؤسساتها ووحدانية الشعب بكل فئاته .
الحليف يخاف عقله .. أكيد
والخصم يهاب فكره .. أكيد
والناس تحب مواقفه.. تأكيد للأكيد
ويبقى صوته في برية السياسة صوت العليم الفهيم ، وطلته في ساحات الناس طلة زعيم رحيم .
فهل ينصفه الجبيليون نهار الأحد في صناديق الاقتراع ؟ أم يندمون صباح الاثنين حيث لا يعود ينفع الندم ؟
هل يقبل الجبيليون بنجاح الملتزمين حزبيا ولا ينتخبون الملتزم وطنيا ؟
هل يقبل الجبيليون بنواب التوجهات والتوجيهات الحزبية ولا ينتخبون الملتزمين بالتوجهات الوطنية والشعبية ؟
هل ينتخب الجبيليون من يقيدون حريتهم في التعبير وممارسة تقاليدهم في العيش وفرح الحياة ، ولا ينتخبون فارس سعيد من دعاة الحرية وثقافة فرح الحياة ؟
مسألة خطيرة لا تحتاج الى وجهة نظر بل الى موقف مشرف في الاقتراع للدكتور فارس سعيد … ولا للندم صباح الاثنين .
جو الخوري