القى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة بمناسبة الذكرى الـ77 لاستقلال لبنان قال فيها ” هي السنة الـ ٧٧ على استقلال لبنان، وللأسف حفلت بشتى أنواع الأزمات والشدائد انعكست سلبا على حياة كل اللبنانيين سواء بلقمة العيش أو بجنى العمر أو بمستقبل الأبناء، والبعض منهم قد طاولته بشكل أقسى فخسر أحباء في أسوأ كارثة ضربت قلب عاصمتنا أو بسبب وباء عمّ العالم ولا يزال يحصد الضحايا، و واقعنا اليوم ليس واعداً، ولكن إدراك الواقع لا يعني القبول به والاستسلام له، فنحن شعب جُبِل على المقاومة لينتزع حقه بالوجود وبالحياة”، مضيفا ” باقٍ على وعدي بحفر الصخر مهما تصلّب، لشق طريق الخلاص للوطن”.
واعتبر عون أنّ ” إنّ الاستقلال بالمفهوم العام يعني الاستقلال السياسي وتحرر البلد من احتلال، من انتداب، من وصاية خارجية، من تبعية سياسية… لكن التجربة اللبنانية تقول إنّ كل ذلك لا يكفي كي يكون الوطن مستقلاً، فهناك العديد من القيود التي تجعلنا أسرى، و وطننا اليوم، أسير منظومة فساد سياسي، مالي، إداري، مغطى بشتى أنواع الدروع المقوننة، الطائفية والمذهبية والاجتماعية حتى أضحى الفساد ثقافة وفلسفة لها منظّروها ومن يبررها ويدافع عنها”، مشيرا إلى أنّ ” وطننا أسير منظومة تمنع المحاسبة بالتكافل والتضامن، وتؤمّن ما يلزم من الذرائع والابتكارات لتخطّي القوانين وعرقلة تطبيقها”.
ولفت الى انّ ” وطننا أسير اقتصاد ريعي قتل انتاجه وذهب به نحو الاستدانة ووضعه مجبراً في خانة التبعية لتلبية احتياجاته، والارتهان للدائنين، وقضاء مكبّل بالسياسة وبهيمنة النافذين وسياسات كيدية معرقلة تمنع أي تقدم أو أي انجاز وأحقاد وتحريض شيطاني يكاد يجعل من شبابه “إخوة أعداء وأسير إملاءات وتجاذبات خارجية وارتهانات داخلية تجعل الاستقلال والسيادة والديمقراطية كلمات جوفاء”.
وتابع عون ” أيها اللبنانيون كثيرة هي القيود التي تكبّل، ولكن تحطيمها ليس بالمستحيل إذا أردنا فعلاً بناء الوطن وتحقيق التحرّر والاستقلال الفعلي… وأقول لكم ومن منطلق المصارحة اللازمة: إن الإصلاح وقيام الدولة هما رهن إرادتكم فعبّروا عنها و لا قيام لدولة قادرة وفاعلة في ظل الفساد، والبداية هي بالتحقيق المالي الجنائي ثم إقرار مشاريع قوانين الإصلاح والمحاسبة والانتظام المالي في مجلس النواب وفي مقدمها استعادة الأموال المنهوبة والمحكمة الخاصة بالجرائم المالية، والتحقيق التلقائي في الذمة المالية للقائمين بخدمة عامة ويجب إقرار قوانين تحفظ وتصون كرامة الإنسان وأولها قانون ضمان الشيخوخة، و إذا أردنا قيام الدولة، فالضرورة ملحّة لتركيز الجهود على تحقيق الاكتفاء الاقتصادي، فنولي الأهمية المطلوبة للإنتاج واحتياجاته، وهو الذي يشكّل حجر الأساس في بناء الاقتصاد الوطني والمستقل، ومعلوم أن لا استقلال حقيقي لبلد اقتصاده مكبّل بالخارج، وإذا أردنا قيام الدولة فلا بد من تحرير مؤسساتها من نفوذ السياسيين والمرجعيات، فتأتي القرارات والتعيينات على أساس الكفاءة والنزاهة والاستحقاق والإنتاجيّة وبمعايير واحدة، وكلها متوافرة في جميع الطوائف”.
وراى رئيس الجمهورية انه ” إنّ قيام الدولة بأبسط مقوماته يحتاج لوجود حكومة فاعلة وفعالة؛ أولم يحن الوقت لتحرير عملية تأليف الحكومة من التجاذبات، ومن الاستقواء والتستر بالمبادرات الإنقاذية للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع كي يستقيم إنشاء السلطة الإجرائية وعملها؟، و الحكومة تنتظرها مهام تحمل صفة الفوري والعاجل والإنقاذي، وفي مقدمها إطلاق ورشة الإصلاحات البنيوية الملحّة، وإعادة إعمار بيروت وتضميد جراجها، وتطوير خطة التعافي المالي وترجمتها بالقوانين والمراسيم التطبيقيّة”.
وعن انفجار المرفأ قال ” ثلاثة أشهر ونصف مضت على كارثة انفجار مرفأ بيروت ولا يزال لبنان والعالم بانتظار نتائج التحقيق؛ ومع احترامنا الكامل لسرية التحقيق التي يفرضها القانون، ولاستقلالية القضاء العدلي، فإنني، ومن موقعي، أدعو الى الإسراع فيه من دون التسرّع، إن للبنانيين، وخصوصاً لمن طالتهم كارثة انفجار المرفأ مباشرة، من جرحى وأهل الضحايا أو أصحاب الحقوق، الحق بمعرفة النتائج، أولاً لإجلاء الحقيقة وتجريم المذنب وتبرئة المظلوم، وثانياً لتحرير حقوق المتضررين؛ وبديهي أن يشمل التحقيق جوانب الكارثة كافة، فلا يقتصر على المسؤوليات الإدارية، وفي غمرة التحديات التي تحيط بوطننا، لا بد من التأكيد على أن لبنان متمسك بحدوده السيادية كاملة، ويأمل أن تثمر مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، فيسترجع حقوقه كاملة بالاستناد الى المواثيق الدولية، وتصحيح الخط الأزرق وصولاً الى الحدود البرية المرسومة والثابتة والمعترف بها دولياً”.
ونوه بأنّ “اللافت مما يجري من تحولات سياسية جذرية دولياً وإقليمياً، هو اعتراف دول عربية عدة بإسرائيل وسيرها نحو التطبيع الكامل معها، وفي ذلك، ويا للأسف، قبول ضمني بضياع القدس والجولان، فضلا عن ارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية قبيل تسلم الادارة الجديدة، كما عودة روسيا الى ملف النازحين، ويجب إطلاق حوار وطني لبحث ما تفرضه التحولات في المنطقة والعالم من تغيرات في جميع القطاعات السياسية والأمنية والدفاعية، لنستطيع مواكبة هذه المرحلة، فتوضع كل الخلافات جانباً وتلتقي الإرادات للخروج معاً بموقف موحّد يحصّن لبنان ولا يسمح بأن يكون أضحية التفاهمات الكبرى وكبش محرقتها”.
وتوجه الى العسكريين بالقول” أيها العسكريون، دوركم في هذه المرحلة محوري ليس فقط بحماية الحدود والدفاع عنها، إنما بصون الوحدة الوطنية التي يسعى كثيرون لضربها. هي مهمتكم الأساسية اليوم، وكلي ثقة أنكم ستؤدونها بكل أمانة والتزام. وانا أعدكم بأنني لن أتنازل عن أي حق للبنان ولن أوقع على أي مشروع لا يصب في مصلحته”.
وعن ملف التدقيق الجنائي علّق بالقول “لبنان تبلغ القرار المؤسف لشركة التدقيق المحاسبي الجنائي “ألفاريز ومارسال” بالانسحاب من المهمة الموكلة إليها، وذلك بسبب عدم مدها من قبل مصرف لبنان بما تطلبه من معلومات ومستندات تمكنها من القيام بعملها وفقا للمعايير الدولية المعتمدة، وعدم تيقنها من الحصول عليها في الفترة المتبقية، وإنّ انسحاب “ألفاريز ومارسال” من المهمة الموكلة إليها هو انتكاسة لمنطق قيام الدولة، والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة والشفافية؛ فالتدقيق الجنائي هو مدخل كل إصلاح، لأنه قادر على كشف مكامن الفساد والهدر، وتبيان أسباب الانهيار الحالي والمسؤولين عنه… وعبثاً نحارب الفساد بمعزل عنه”.
وأضاف “مع تذليل كل عقبة من أمام التدقيق المالي الجنائي، كانت تنبري أخرى أشد وأصعب؛ وبقيت المتاريس المصلحيّة مرفوعة بوجهه بتمويه مُتقن حتى تمكّنت أخيراً من توجيه هذه الضربة له بدفع الشركة للانسحاب ولن أتراجع أو أحيد عن معركتي ضد الفساد المتجذر في مؤسساتنا، على الرغم من أنها معركة غير متكافئة راهناً، كونها مع منظومة متماسكة وممسكة بمفاصل القرار المالي منذ عقود؛ ولن أتراجع في موضوع التدقيق المالي الجنائي مهما كانت المعوقات، وسأتخذ ما يلزم من إجراءات لإعادة إطلاق مساره، ولن أتراجع في موضوع التدقيق المالي الجنائي مهما كانت المعوقات، وسأتخذ ما يلزم من إجراءات لإعادة إطلاق مساره… وأدعو النواب الأمة الى القيام بواجبهم التشريعي الذي على أساسه أولاهم الناس ثقتهم؛ وأدعو الإعلام الى خوض هذه المعركة بكل صدق وشفافية، فهنا الساحة الحقيقية لمحاربة الفساد”.
وختم “أيها اللبنانيون، أدعوكم الى الوقوف وقفةً واحدة حقاً، فتضغطون حيث يجب، وترفعون الصوت في المكان الصحيح لكسب معركة التدقيق المالي الجنائي، لأنها المعركة الأساس في إنقاذ لبنان”.