أحيانا نشعر بضعفنا وعجزنا أمام حدث معين، فلا نستطيع ان نقاوم بجهدنا الخاص.
ولكن من يسلم نفسه بالكلية إلى المشيئة الإلهية ليس له ان يخشى شيئا.
فلنلق أمرنا بين يدي الرب، ولنلتمس منه الرحمة والعون في أزمنة المحن.
ولأننا واثقون من حمايته لنا نستطيع ان نصمد في وجه التجارب. ألم يقل لنا:
”لا تحافوا، ثقوا أنا قد غلبت العالم”.
فكما ان الله خلقنا، “لأنه إله الحياة، ارادنا ان نحيي الآخرين، وأن نكون رحماء كما هو رحيم. وقال لنا:
”انا نورا اتيت إلى العالم”،
و”أنتم نور العالم”.
فلنعكس نوره على الأرض، ولنلتفت إلى من يتألم بصمت ونمد له يدا مفعمة بالحب.
كنت مارا في احد شوارع العاصمة باريس، سيرا على الاقدام، وفجاة شاهدت سيارة، اتية مسرعة، متجهة نحونا، قد فقدت مكابحها، وتكاد تهدد حياة المارة.
في تلك الاثناء، كان خمسة عشرة طفلا، تتراوح أعمارهم بين خمس وعشر سنوات، قد بدأوا بعبور الشارع.
أنه تدبير الهي، الذي يضع إنسان أمام أخيه الإنسان، في مثل تلك اللحظة الحرجة، ليمتحن مدى إنسانيته ومحبته لاخيه الإنسان.
وخوفا مني على الاطفال،سارعت وتقدمت باتجاه تلك السيارة لاعيق تقدمها، وامنع وقوع كارثة، معرضا حياتي للخطر.
وبفضل العناية الإلهية لم يصب اي طفل بأذى.
ولكن، أنا، قد اصبت بكسر في كتفي وبرضوض في جنبي الايمن.
وأن كنت ما زلت حتى الآن اتوجع، واتعالج، ولكن يوجد ناس تتوجع أكثر مني ولا يتوفر لهم دواء.
صدقوني، رغم وجعي، أشعر بفرح كبير لأن الأطفال قد نجو بأعجوبة،
ولم يلحق بهم اي مكروه.
ان الرب قال لنا:
”لم ات لالقي على الأرض سلاما، بل نارا. هذه النار هي نار المحبة التالمة،
لأن الألم يغسل القلوب ويطهرها.
فالمجد والشكر كل الشكر لله، على كل ما أعطاني. هو سندي، وبدونه، ما كنت اقدر ان أفعل شيئا، ولست بشيء.
منه نستمد القوة على
”نقل الجبال”.
ان المسيح بدمه الطاهر قد افتدانا، ونحن بدورنا، نقدم له حياتنا عندما نفتدي الآخرين.
فداء المسيح هو نتيجة رحمة الله ومحبته لنا… أعطانا ان ندعى أبناء الله بالتبني… ان نتعامل معه كاب وابنه.
إذا، الابوة تتجلى في العطف المحب على الأخرين، وفي الحفاظ عل حياتهم.
يقول أحد اللاهوتيين:
”برنا ان الله بنانا”.
فلنبني، نحن، الاخرين، ولنكن لهم ينبوع ماء حي يروي عطشهم إلى حياة أفضل.
ان ما قمت به، حيال هذه البراعم الندية، هو واجب إنساني اسعدني كثيرا…
هذا ما اوصتني به أمي، رحمها الله،
ان اساعد الناس، وأن لا اطلب الاكرام والمديح. لأننا، ان فعلنا ذلك،
نبتعد عن الله مفتشين عن رضا الناس.
هناك من يعطي ليفتخر بفضائله الحسنة وباعماله، لا “محبة بالله والقريب”، انما لينسب لنفسه عطية الله له.
فلنتضع أمام الله، فمن المعيب ان نفتخر ونتباهى بأنفسنا في حين الله هو معطي الصلاح الوحيد، وروحه القدوس هي التي تثمر فينا ” المحبة”، “وكل الفصائل”.
يا أحبتي
ان “صراخ الأطفال… هو صراخنا نحن أيضأ، لأن من له قلب طفل، بحسب المسيح، هو الذي يستطيع دخول ملكوت الله
علينا، ان نحمل محبة المسيح وأن نحمي كل طفل، وكل إنسان يعاني من أوضاع صعبة.
يقول الرب: “بما أنكم فعلتم ذلك بأحد اخوتي هؤلاء الصغار فبي قد فعلتم”.
ان فعل المحبة لا يقتصر على العطاء فحسب، بل يتخذ بعدا حياتيا، هو المشاركة الكاملة في فعل الخلاص، خلاص الروح والجسد.
هنا يكمن الفرح الحقيقي،
ان نجاهد، ان ننتصر، ونعمل ما يرضي الله.
وهكذا نكون حقا مخلوقين على صورة الله ومثاله عندما نولي اهتماما فائقا لحياة الآخرين، وعندما نضع كل امكاناتنا تحت أقدام المحتاجين.
وبذلك نفسح المجال لحضور الرب فينا.
الرب حمل لنا شريعة واحدة هي شريعة الحب: ان ” احبب الرب الهك من كل قلبك، وقريبك كنفسك”، والقريب هو كل إنسان.
فكل القوانين والشرائع تسقط أمام الشريعة المتأتية من النعمة الالهية… من المحبة.
وان إرادة الله وحكمته هي فوق الجميع وتعلو على كل شيء.
وكل عمل يتاصل في المحبة يعطي معنى لحياتنا.
فلنتعلم كيف نحب ونضحي وتعطي من ذواتنا من أجل من نحب…
”فليس من حب أعظم من ان يبذل الإنسان نفسه من أجل احبائه”
إقرأ المزيد : سعيد : رأس حزب الله على طاولة التفاوض، وسيكون كبش المحرقة